الجيل الحالى مُطالب بأن يخرج بمصر من حالة الاستثناء العربى الذى يعبر عن تاريخ طويل من التسلطية.
لو نجحنا، سنكون قد صنعنا معجزة تاريخية بمعايير مصر والمنطقة، وفعلنا ما هو عادى ومفهوم بالمعايير العالمية.
لماذا؟ لقد عشنا زمناً كنا نحاول فيه أن نقنع قطاعاً من المصريين بأن يضعوا الديمقراطية فى سلم أولوياتهم، وكنا كمن يحاول أن يزرع عضواً غريباً فى جسد اعتاد على غيابه.
فتاريخنا المعروف لا يوجد فيه ما يكفى من خبرات متوارثة لدور فاعل للإرادة الشعبية فى إدارة شئونها.
فالمصريون تاريخياً يُحكَمون من قبل الفراعنة الذين كانوا أقرب إلى آلهة أو نواب عن الآلهة.
وكان المصرى تابعاً غير ذى إرادة مستقلة؛ فإن انتصر كهنة آمون فى طيبة تبعهم، وإن انتصر كهنة حزب التوحيد (آتون) فى تل العمارنة تبعهم. وبعد أن انهارت الحضارة الفرعونية وجاء إلينا الغزاة من كل حدب وصوب، لم يكن للإنسان المصرى دور حقيقى فى اختيار من يحكمه أو المشاركة فى عملية صنع القرار السياسى، سواء كان ذلك فى حكم الإسكندر الأكبر أو البطالمة أو الرومان أو الفرس أو البيزنطيين، حتى جاء الفتح العربى، ثم انتقلت مصر من خلافة إلى أخرى (راشدة، أموية، عباسية) دون مشاركة سياسية للمصريين فى تحديد من يحكمهم. وحتى بعد أن وهنت الخلافة العباسية جاء إليها الطولونيون والإخشيديون والفاطميون والأيوبيون والمماليك والعثمانيون، ثم أسرة محمد على، حتى ثورة يوليو.
طوال هذا التاريخ الطويل كانت الإرادة الوطنية المصرية غائبة أو هشة للغاية، بحيث استخف بالمصريين من يحكمهم.
وحتى فترات ظهور إرادة شعبية متبلورة كانت تواجه إما بقمع شديد أو بتحالف من أهل الثروة والسلطة والقمع للنيل منها أو لتحويلها عن مسارها.
وباستثناءات قليلة للغاية، لكنها مهمة فى دلالاتها، مثل ثورة الأشراف بقيادة عمر مكرم فى مطلع القرن التاسع عشر أو ثورة عرابى فى آخره أو ثورة 1919، فإن المصرى لم يكن فاعلا فى القرارات السياسية الكبرى التى تحكمت فى مسيرته ومساره.
وقد كان رجال ثورة يوليو هم أول مصريين يحكمون مصر بعد حوالى 2500 سنة من حكم الأجانب لها.
وحتى بعد أن حكموا فلم يعطوا الإنسان المصرى الثقة أو الفرصة كى يختار من يحكم بنفسه. فطوال كل هذا التاريخ، وباستثناء سنوات قليلة مثل الفترة التى أعقبت دستور 1923 ومع تزوير صارخ فى كثير من الأحيان، كان الحاكم يختار ولى عهده أو نائبه، أو الخليفة يُعينُ واليَه، أو المستعمرُ يفرض إمعاتِه.
نحن إذن أمام فرصة تاريخية.
مرة أخرى أكرر: «نحن أمام فرصة تاريخية» لا ينبغى أن نضيعها بسبب حسابات ضيقة لأى فصيل، كما ضاعت من قبل.
ودعونا نتذكر أن الاستبداد تستدعيه الإرادة الشعبية العاجزة عن استنشاق هواء الحرية وتنظيم استحقاقاتها.
إلى كل القوى السياسية، أستحلفكم بالله، لا تضيعوا الفرصة.