بقلم – محمود شنيشن
عندما فكرنا فى ترتيب البنوك وفقاً لمؤشرات نموها العام قبل الماضي تعين علينا أن ننتظر حتي يوليو الماضي لنحصل علي نتائج 24 بنكا فقط من بين 39 تعمل فى السوق.
ولأن الثورة اندلعت فى الشهر الأول من السنة الماضية، فلم نكن بحاجة إلي مبررات إضافية للتأخير فى الإعلان عن نتائج أعمال البنوك، لكننا ظللنا فى حاجة إلي مبررات واضحة لم تأت أبداً لوجود 15 بنكاً لم تفصح عن نتائج أعمالها أصلاً.
فى العام الجاري اختلفت الأمور نسبياً لم تكن هناك ثورة جديدة ولم يكن هناك تعطيل لعمل البنوك ولا احتجاجات فئوية داخلها.
ومع هذا فقد انتهي الربع الأول قبل أن يعلن عدد من البنوك عن نتائج أعمالها ـ طبعاً نتحدث عن البنوك التي اعتادت الافصاح.
نحن الآن فى مايو ـ والأمور بالنسبة لنا كانت أسوأ من العام الماضي، فعدد البنوك التي لا تفصح عن نتائج أعمالها ارتفع هذا العام وتقلص عدد البنوك التي يمكن أن تدخل فى ترتيب معدلات النمو السنوية.
ومع ذلك فعدم الدخول فى قوائم ترتيب النمو للبنوك والتي تقوم بها جريدة «البورصة» بشكل سنوي ليس أسوأ جزء فى القصة، فهناك أجزاء أخري أكثر سوءاً.
من بين تلك الأجزاء السيئة درجة الثقة فى القطاع المصرفى، إذ ما هو المبرر الذي يمنع ما يقرب من نصف وحدات القطاع من عدم الإعلان عن نتائج أعمالها بالمخالفة حتي لقانون البنك المركزي نفسه.
المادة 73 من قانون البنوك والبنك المركزي تتحدث عن نشر نتائج الأعمال مرة كل 3 شهور، وفى مصر نصف وحدات القطاع تقريباً لم تنشر منذ سنوات.
العام الماضي أدخل البنك المركزي تعديلات علي قانون البنوك والبنك المركزي بهدف تعزيز الشفافية وتطبيق الحوكمة ـ كما قال ـ يحدث هذا بالرغم من عدم الالتزام الواضح بتطبيق قواعد الافصاح المخففة التي تضمنها القانون قبل التعديل.
فى يوليو المقبل ستوضع مصداقية فى المركزي علي المحك وسيتعين عليه ألا يحتفل إعلامياً ـ كما يفعل فىالمرات المشابهة ـ بانتهاء البنوك من توفيق أوضاعها مع معايير بازل 2.
جزء أساسي من معايير بازل 2 يتعلق بالحوكمة وجزء أساسي من الحوكمة يتعلق بالإفصاح و18 بنكاً لم تفصح عن نتائج أعمالها هذا العام وقد لا تفصح قبل أعوام، وأي حديث عن تطبيق القطاع لهذه المعايير هو بلا مصداقية قبل إصلاح هذا الخلل.
أما قواعد الافصاح التي أقرها المركزي ضمن تعديلات القانون العام الماضي خاصة ما يتعلق منها برواتب ومكافآت أعلي 20 شخصاً فى كل بنك، فلدي خبر سيئ يعرفه المسئولون فى البنك المركزي بالضرورة ، هو أن بنكاً واحداً فقط التزم بها.
من بين الأمور الأخري الأكثر سوءاً فى قصة الإفصاح فى القطاع المصرفى فى بلد قامت به ثورة قبل عام هو أن معظم البنوك التي لا تفصح بنوك حكومية.
وإذا كانت هناك طريقة أخري لقول ذلك فإن البنك الأهلي فقط هو البنك الحكومي الوحيد الذي أعلن نتائج أعماله هذا العام من بين البنوك الحكومية التي تسيطر علي ما يقرب من %60 من حجم القطاع المصرفى علي مستوي الأصول والخصوم.
بل إن بنكاً مملوكاً للبنك المركزي نفسه لم يعلن أي نتائج أعمال رسمية له منذ تأسيسه، بانتظار أن يحقق أي أرباح.
جزء من البنوك التي لا تفصح هي فروع لبنوك أجنبية لم يلزمها القانون بشيء لكن بقية البنوك إما أنها حكومية أو شبه حكومية، وتستثني من قواعد الإفصاح التي تلتزم بها بنوك أخري خاصة قد تكون خاسرة أيضاً.
لا يغني عن ذلك قيام هذه البنوك برفع تقارير للبنك المركزي أو إطلاع الجهاز المركزي للمحاسبات علي نتائج أعمالها، فالرقابة السرية تلك ثبت بعد الثورة أنها كانت الطريقة الأسهل للفساد فى النظام السابق.
من حق الناس أن يكونوا علي علم بالموقف الحالي للبنوك العامة، وإذا كان القانون يطبق علي البنوك الخاصة لصالح مساهميها، فإنه يجب أن يطبق علي البنوك العامة وشبه الحكومية أيضاً للصالح العام.
وبلغة أكثر وضوحاً فإن رقابة البنك المركزي وجهاز المحاسبات علي هذه البنوك ليست كافية، يجب أن تعلن النتائج والتفاصيل حتي ولو كانت تلك البنوك خاسرة، ويجب ألا ننسي أن بعضاً من البنوك لا يعلن نتائج أعماله لأن الجهاز المركزي لم يوافق عليها أصلاً.
إخفاء الخسائر لا يعني أنها غير موجودة، وعدم الإعلان عنها لا يعني أنها بلا أضرار، أو أن أضرارها تصبح أقل، إعلانها يساعد علي تجاوزها وإيجاد حلول لها بشكل أسرع، ويضعها تحت أعين عدد أكبر من الناس، وليس فقط مجموعة محدودة من المسئولين وما الذي لدي البنوك لتخفيه عن الناس وما الذي لديها لتحصل علي إذن البنك المركزي بإخفائه؟ ومتي ستفصح كل وحدات الجهاز المصرفى عن نتائج أعمالها؟ هذه أسئلة أرجو أن يكون هناك من هو قادر علي الإجابة عليها فى البنك المركزي.
أما البنوك التي تفصح بالفعل فإن نوعية الإفصاح لديها يجب أن تتحسن وبعض الأنشطة التي تمارسها البنوك لا تظهر فى نتائج أعمالها المنشورة، ولا يعرفها إلا هي والبنك المركزي فقط، بما لا يخدم الشفافية ولا المنافسة معاً.
نظرة واحدة علي قوائم أعمال بنكي «بي.إن.بي باريبا» و«تنمية الصادرات» ومقارنتها ببقية البنوك ستوضح أن قواعد الإفصاح لا يمكن أن تكون موحدة، وما غاب عن قوائم أعمال هذين البنكين أكثر مما حضر.
لهذه الأسباب ولكل ما سبق فإن الإفصاح فى البنوك هو الملف القادم لـ «بنوك وتمويل»