تجددت أزمة السيولة فى القطاع المصرفى بشكل حاد فى الوقت الذى تحتفل فيه الحكومة بإنجازاتها الاقتصادية الهشة.
وقفزت أسعار الأذون الأداة الرئيسية لتمويل عجز الموازنة أمس لمستويات تاريخية جديدة وسجل العائد على الأذون أجل 91 يوماً أعلى معدلاته فى 15 عاماً.
وباعت وزارة المالية أذوناً بقيمة مليار جنيه لهذا الأجل وفعلت ذلك بالرغم من ارتفاع الأسعار عكس ما كان يحدث سابقاً عندما كانت تلغى المزاد فى حال ارتفاع العائد.
وهذا أول مزاد لأدوات الدين الحكومى يجريه البنك المركزى بعد إجراء أول انتخابات رئاسية حرة فى مصر أسفرت عن جولة إعادة بين مرشح من الإخوان المسلمين وآخر كان من أبرز مساعدى الرئيس السابق حسنى مبارك.
وفى انعكاس مباشر على السياسة النقدية، قال البنك المركزى أمس إنه قرر خفض الاحتياطى الإلزامى بمعدل نقطتين مئويتين للمرة الثانية خلال شهرين.
وبذلك يكون مجموع الخفض الذى طرأ على الاحتياطى الإلزامى أربع نقاط مئوية ليتراجع إلى 10% مقابل 14% مطلع الشهر الماضي.
وقال المركزى إنه اتخذ هذا القرار يوم الثلاثاء الماضى أى بعد ثلاثة أيام فقط من توقيع اتفاقية مع الحكومة السعودية لشراء سندات خزانة بقيمة 500 مليون دولار.
ومن المقرر أن يبدأ تطبيق الخفض الجديد فى 26 من الشهر المقبل، وبرر المركزى قراره برغبته فى تيسير الأوضاع الائتمانية فى السوق وإتاحة المزيد من السيولة فى الجهاز المصرفي.
وبلغ أعلى عائد على أذون الخزانة أجل 3 أشهر 14.414% وباعت المالية أذوناً لأجل 9 أشهر بقيمة 2.5 مليار جنيه، وبلغ أعلى عائد عليها 15.844% وهى أقل بمعدلات طفيفة من آخر مزاد لهذا الأجل.
ولم تؤد خطوة البنك المركزى بخفض الاحتياطى الإلزامى المرة الأولى إلى تخفيف الضغوط على السيولة فى الجهاز المصرفى الذى يمثل أكبر ممول للحكومة فى الوقت الحالي، وبلغ مجموع ما حصلت عليه البنوك من الخفض الأول أقل قليلاً من عشرة مليارات جنيه، وهى نفس القيمة التى ستحصل عليها تقريباً فى المرة الثانية.
وحاولت الحكومة جاهدة الحصول على تمويلات خارجية إلا أنها فشلت فى الاتفاق مع صندوق النقد الدولى على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار بعد 6 أشهر من المفاوضات بين الجانبين.
وقال نائب العضو المنتدب فى أحد البنوك إن قرار المركزى لن يكون له أثر يذكر فى أسعار الدين الحكومي.
وأضاف أن هامش الحركة بات ضيقاً أمام البنك المركزى ولن يكون بإمكانه القيام بخفض الاحتياطى مجدداً بعد خفضه أربع نقاط مئوية فى شهرين.
وتقول الحكومة إنها بحاجة إلى تمويلات خارجية بقيمة 12 مليار دولار، وحصلت على وعود سعودية بشراء سندات بقيمة 500 مليون دولار، وتتفاوض على اقتراض مليار دولار قيمة الوديعة التى حولتها السعودية إلى البنك المركزى المصري.
ورغم أن نزيف احتياطى النقد الأجنبى قد توقف مؤقتاً الشهر الماضى ويتوقع أن ينمو خلال الشهر الجاري، فإن ذلك لم يعكس أى تحسن فى موارد البلاد الأجنبية.
وتحتاج الحكومة إلى طرح أذون وسندات خزانة بقيمة 150 مليار جنيه خلال الربع الأخير من السنة المالية الذى يتبقى فيه شهر.
وحاولت الحكومة خلال الفترة الأخيرة الاستفادة من المصريين العامين فى الخارج والذين تقدر أعدادهم بسبعة ملايين مغترب عبر طرح شهادات دولارية وأراضٍ.
لكن الحصيلة جاءت متواضعة حتى الآن وبلغت مبيعات الشهادة الدولارية 24 مليون دولار فى الشهر الأول، ويفترض أن يستمر تسويقها لمدة ستة أشهر بهدف جمع ما بين مليارين وثلاثة مليارات دولار.
قال إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزى سابقاً، رئيس مجلس إدارة بنك مصر ـ إيران إن قرار البنك المركزى تخفيض نسبة الاحتياطى الإلزامى دعم لسوق الائتمان من خلال أهم آليات المركزي، مشيراً إلى أن هذا القرار سيسهم فى تخفيض تكلفة الدين الحكومى خلال الفترة المقبلة عقب تفعيله الشهر المقبل.
أكد حسن أن قرار تخفيض الاحتياطى الإلزامى لابد أن يكون مدروساً بشكل جيد من جانب البنك المركزى وقائماً على بيانات دقيقة، متوقعاً إمكانية تخفيض المركزى للاحتياطى مرة أخرى فى حال الحاجة لمزيد من السيولة.
ويرى أحمد الخولي، الخبير المصرفى أن الحكومة حالياً فى وضع لا تحسد عليه وليس لديها الآليات والبدائل فى توفير السيولة لسد عجز الموازنة سوى طروحات أذون الخزانة، مشيراً إلى أن ذلك واضح فى عدم قدرة شهادة الايداع الدولية التى طرحتها فى جذب سيولة المصريين فى الخارج، وكذلك فشل طروحات الأراضى للمغتربين فى تحقيق نفس الهدف، لافتاً إلى أن الطلب على الائتمان بشكل عام حالياً مازال ضعيفاً ومعدلات التوظيف لا تتعدى 45%، ما يشير إلى أن الهدف من عملية التخفيض هو الحد من ارتفاع تكلفة الأموال التى تفاقمت فى البنوك ودعم قدرتها على مواجهة الأزمات التى يمكن أن تواجهها البنوك.
كتب ـ محمود شنيشن وأسماء نبيل