السعودية صاحبة أكبر موازنة فى العالم العربى التى أقرت بـ 170 مليار دولار لعام 2012، تحتضن مصرف «الإنماء» الأكثر نمواً فى صافى الأرباح، بنسبة بلغت 2737%، ونسبة 0% للقروض المتعثرة، يقول الرئيس التنفيذى للمصرف عبدالمحسن الفارس: «الإنفاق الحكومى والأزمة المالية، أسباب النمو الرئيسية».
يواجه الشرق الأوسط العديد من الاضطرابات وعدم اليقين، بشأن الحالة السياسية والاقتصادية لبعض دوله، إلا أن السعودية تبرز كصخرة صلبة تسلك مساراً واضحاً لتحقيق أجندة اقتصادية طموحة بالرغم من كل ما يحيط بالمنطقة، بدعم من أكبر اقتصاد فى الشرق الأوسط، كان يراهن عبدالمحسن الفارس، الرئيس التنفيذى لمصرف «الإنماء» أن الاستراتيجية التى اتبعها المصرف ستجعله فى نهاية العام صاحب البنك الأكثر نمواً، لقد كسب الفارس الرهان حيث استطاع بنكه أن يحتل المركز الأول فى قائمة «فوربس – الشرق الأوسط» لـ «أسرع 75 بنكاً نمواً فى الأسواق المالية العربية».
يومك كالجمل إن أمسكت أوله تبعك آخره، قاعدة يتبعها الفارس الذى يصل مكتبه فى الـ 8 صباحاً ليبدأ متابعة أعمال المصرف ويتحضر لاجتماعاته التى تنتظره، بدءاً من اجتماعات لجنة الائتمان، والاجتماع مع المدير العام للاضطلاع بأهم القضايا التى تواجه عملاء المصرف بنوعيهما، شركات وأفراد،، يحرص الفارس على حضور الاجتماعات مع الإدارة العليا للمصرف، والتى تتم بشكل أسبوعى وشهرى وربعى، ويعتبرها الأهم ضمن جدول أعماله المزدحم، يقول: «أقرأ كل التقارير اليومية والأسبوعية والشهرية التى تخص عمليات المصرف»، ويضيف: أنظر للأمور بعين شمولية، إلى الرؤية والطموح، وليس للقضايا الفرعية»، و«بهذه الطريقة تتعرف إلى المصرف الذى تتعامل معه من الداخل إلى الخارج»، التقارير التى تتوارد إلى مكتب الفارس يومياً تحمل بين طياتها تفاصيل النمو العام فى العملاء، وفى الودائع، وحجم السيولة المتاحة، وأهم تمركزات الائتمان، يقول: «هذه التقارير تؤكد اتجاه استراتيجية البنك التى يتبعها كما هو مخطط لها».
استطاع مصرف «الإنماء» الذى يعتبر أكبر ثالث مزود للخدمات المصرفية الإسلامية فى السعودية بعد «مصرف الراجحى» و«ساب»، أن يطور نفسه ليصبح قوة يحسب لها حساب، فى أقل من عقد من الزمن فى عالم الأعمال المصرفية الإسلامية، حيث تجاوزت عتبة الإنماء معظم البنوك، ففى نهاية العام 2011 حقق نمواً لافتاً فيما يخص إجمالى الموجودات بلغ 38%، لتستقر عند 9.8 مليار دولار مقارنة مع 7.1 مليار دولار عام 2010.
لكن الأكثر إثارة للإعجاب، هو أرباح البنك الصافية التى بلغت 115 مليون دولار، التى جاءت مغلفة بنسبة زيادة فلكية بلغت 2737%، مقارنة بـ 3.9 مليون دولار عام 2010، فما السر؟، إن صافى الأرباح التى تحققت كان مفتاحه نمو عمليات التشغيل وارتفاع الدخل، وبالنظر سريعاً إلى التقرير السنوى للنتائج المالية فى نهاية الفترة 2011 لمصرف «الإنماء» نرى أن هناك قفزة نمو فى محافظ التمويل بلغت 62% حيث وصلت إلى 6.7 مليار دولار مقارنة 4.1 مليار دولار، فى 2010 والتى كانت لا تتجاوز فى نهاية العام 2009 حدود الـ 296.5 مليون دولار.
هذه الأرقام ليست بالمستغرب فى القطاع المصرفى السعودى حيث كانت 2011 بالنسبة له فترة ازدهار بسبب الإنفاق الحكومى الكبير الذى أقر بأكبر ميزانية فى تاريخ المملكة بلغت 170 مليار دولار، انعكس خصوصاً على التسهيلات الائتمانية الممنوحة للشركات، ووفقاً لتقرير «الأهلى كابيتال» الذى صدر فى نهاية 2011 الذى أفاد بأن القروض ستواصل نموها، لاسيما قروض الشركات لانحسار المخاطرة فيها، مع الاستفادة من فرصة نمو القروض الاستهلاكية. حيث يقول رئيس بحوث الأسهم فى «الأهلى كابيتال» فاروق ميا: سينمو هذا النوع من القروض بنسبة 12.4%، مدعومة بنمو تجارة التجزئة التى ستنمو أيضاً بنسبة 16%، ويرجع ميا هذا التوسع إلى جودة الأصول وقاعدة رأس المال لدى البنوك السعودية.
لكن بصرف النظر عن هذه العوامل السابقة، لا يخفى أن الرئيس التنفيذى يتمتع بعين ثاقبة تدير الأمور طبقاً للفرص المتاحة، يقول: «لقد بدأنا بوضع استراتيجية المصرف فى 2006، ثم ذهبنا للاكتتاب العام فى 2008 وبعد ذلك بدأنا عملياتنا فى العام 2009»، ويضيف: إذا نظرتم إلى كل ربع فى السنوات الـ 3 الماضية فسوف تجدون نسب النمو ممتازة فى كل مفردات الميزانية العمومية ليس فقط فى الأرباح ولكن أيضاً الإيرادات، والودائع، والاستثمارات التمويلية.
تبعات الأزمة المالية التى اجتاحت العديد من البلدان فى المنطقة، كان لها تأثير عكسى على السعودية، حيث استفاد «الإنماء» منها، حيث يعطى الفارس الفضل ولو جزئياً فى نمو البنك للأزمة، يقول: «أدت الأزمة المالية إلى خلق الفرص، بسبب انحسار قدرة معظم البنوك الدولية على التمويل»، يشير الفارس إلى مشاريع البنية التحتية والطاقة القائمة فى المملكة والتى تحتاج إلى التمويل، وبسبب الأزمة أتيحت الفرصة أمام البنك أن يكون شريكاً فى تمويلها.
وعودة إلى الأرقام، يثبت الفارس مرة أخرى دقة كلامه، حقق المصرف دخلاً إجمالياً بلغ 370 مليون دولار مقارنة بـ 176.5 مليون دولار عام 2010، بنسبة نمو وصلت 110% فى إجمالى الدخل التشغيلى، وبفضل هذه الزيادة فى الدخل والإيرادات للبنك التى تتوافق وحجم المصروفات بشكل متوازن، حسب الفارس، الذى يشير إلى أن المصرف فى مكانة مالية جيدة اليوم، وأنه شريك لكبريات الشركات السعودية التى تستثمر فى مشاريع الطاقة والبنية التحتية العملاقة، باعتبار هذه الشراكة جزءاً م
ن استراتيجية المصرف التى تمتد 7 سنوات بديلة من العام 2010.
الخدمات المصرفية وتطويرها جزء مهم ضمن رؤية المصرف، حيث عهد الفارس ورفيقه إلى تطوير منظومة من المنتجات والخدمات، عبر إدخال التقنيات الحديثة فى مجال تقديم الخدمات المصرفية للشركات والأفراد، إذ يتحرك المصرف فى نشاط دائم من أجل زيادة الحصة السوقية الخاصة ولتوسيع قاعدة العملاء، إذ يخطط الفارس لزيادة أعداد أجهزة الصراف الآلى فى جميع أنحاء المملكة العربية السعودية من 480 إلى 600 جهاز، وزيادة الفروع التى تبلغ – حالياً – 74 فرعاً إلى 81، إضافة إلى حرص الفارس على تطوير مجموعة متنوعة من القنوات المصرفية، مثل الصيرفة عبر الانترنت والهاتف المحمول، الهدف منها تلبية احتياجات العملاء المتزايدة، يقول: «فيما يخص الخدمات المصرفية للأفراد، نركز على بناء وتوسعة هذا الجزء، لأنه إضافة مهمة فى ميزانية المصرف»، يبدو أنه فى طريقة للوصول إلى الهدف «نمو فى العملاء».
فى الواقع أن أهداف الفارس كثيرة حيث تمتد إلى الاستثمار فى كوادر المصرف البشرية لاهتمامه فى تطوير دوائر الامتثال وإدارة المخاطر والتدقيق الداخلى والسياسات والإجراءات، التى تعتبر جوهر العملية الإدارية فى المصرف الذى بدأ عملياته فى العام 2009 متخذاً قراراً مهماً وهو اتباع نهج إقراضى حذر يتسم بالتحفظ العقلانى، يقول: «منذ أن بدأنا، قررنا أن تكون محفظة «الإنماء» الائتمانية ذات جودة عالية، لأننا لم نكن نريد تحمل المخاطر».
بمزيج من الحكمة والخبرة اللتين استمدهما الفارس من عمله لمدة 18 عاماً فى مؤسسة النقد السعودى، استطاع البنك الوافد إلى القطاع المصرفى حديثاً أن يستمتع بنسبة 0% فيما يخص القروض غير العاملة «NPLs»، وهو البنك الوحيد الذى يتمتع بها – حالياً – بين بنوك المنطقة. وعن ذلك يقول فادى محمد، مدير إدارة الاستثمارات فى شركة «ING» لخدمات الأصول الذى يفترض المسألة أنها مجرد حظ لا أكثر: «بدأ المصرف عملياته بعد الذروة، الأزمة العالمية، لذلك ليس لدية أى قروض قبل ذلك، وأنه لم ينكشف على القطاعات التى عانت التسعير غير العادل»، يضيف السعيد: إن البنك لم يتعرض إلى القروض التى مرت فى فترتى ما قبل وبعد الأزمة وحدث لديها تعثر فى بعض المحافظ، إذ إنه لم يكن فى وسط ذروة سوق العقارات أو محافظ الأوراق المالية.
المثل القائل «الحظ ليس أكثر من فرصة لتحضير الاجتماع»، وهذا لا ينطبق على معادلة «الإنماء» التى نمت بشكل مميز خلال الـ 6 سنوات الماضية لتصبح قدوة تحمل ميزتها التنافس الإيجابية عبر تقديم الخدمات التى تتوافق مع الشريعة الإسلامية 100%، الأمر الذى جعل البنك مساهماً فى بناء أكبر المشاريع الوطنية فى بلد هو الأكبر اقتصادياً فى المنطقة، إضافة إلى أنه بطل الأكثر نمواً بامتياز، فهل هو محظوط أم لا؟.