حظت ثورات الربيع العربى العام الماضى بإعجاب العالم حيث اطاحت بالدكتاتوريين من تونس حتى صنعاء، ولكن الشيء الذى لم يقوموا به حتى الآن هو جعل الحياة أفضل بشكل ملموس بالنسبة لهؤلاء الذين تحرروا من قيود الطغاة.
قد يكون ثمن الحرية لا يقدر بثمن ولكن يبدو أنه من الصعب أيضاً أن نعد أو نحصى الثمن الحقيقى لما يطلق عليه الربيع العربي، فكم شخص تم قتله أو تشريده فى هذه الصراعات؟ إلى أى مدى تأثرت اقتصاداتهم ومستويات معيشتهم؟ هل جعلوا مجتمعاتهم اكثر استقرارا أم اقل استقرارا؟ وعندما ننظر الى الارقام فى هذه الدول نجد الصورة قاتمة الى حد كبير، حيث قتل ما يقرب من خمسين الف شخص منذ اندلاع الثورات فى اكثر اربع ثورات عنفا فى مصر وليبيا وسوريا واليمن، كما تبخر حوالى 20 مليار دولار من اجمالى الناتج المحلى العام الماضى فى البحرين ومصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن، فضلا عن 35 مليار دولار من المالية العامة وذلك طبقا لبيانات صندوق النقد الدولى.
وسوف تقوم كل دولة بتقييم حصيلتها الثورية على طريقتها الخاصة، ففى ليبيا من الواضح ان اعداد القتلى المذهل جراء الحرب الاهلية تخطى اى خسائر اخرى بالنسبة لهم، بينما تعد التوترات السياسية المتنامية والانهيار الاقتصادى بالنسبة لغالبية المصريين يفوق فى خطورتهم اعمال العنف بين المتظاهرين وقوات الأمن، أما اليمن فقد كانت على حافة الهاوية والانهيار الاقتصادى قبيل الربيع العربى وهى الان تحاول الاستفادة من حركتهم الاحتجاجية باى طريقة ملموسة، وفى سوريا يدفعون جميع أثمان هذه الثورات حتى الآن بما فى ذلك الاف من القتلى ومئات الالاف من المتشردين وانهيار اقتصادى وشيك، واذا كانت هناك أى ثمار جراء الانتفاضة السورية فلن تدركها سوريا الا على مدى المستقبل البعيد، فهل يستحق الربيع العربى هذا العناء؟
يستطيع الكهان والدجالون فقط الاجابة عن هذا السؤال وذلك لان معظم التحولات الجذرية التى تشهدها بلاد الربيع العربى لم تنته بعد،على الرغم من استمرار العنف والفوضى فى ليبيا الا ان الحنين الى معمر القذافى يكاد يكون شبه معدوم، نفس الشيء ينطبق فى مصر حيث ان هؤلاء الذين يطوقون الى حسنى مبارك مازالوا ينحصروا فى بقايا النظام السابق.
وفى هذه الدول التى كانت الخسائر بها فادحة، يمكن ان يُقال إن هذه الثورات تستحق هذه التضحيات بالرغم من فداحة الخسائر التى شهدتها تلك الدول، ولكن الجواب اكثر تعقيدا فى اليمن حيث ان انغماس الدولة فى الازمات جعل من الصعب تحديد اين بدأت هذه الفوضى وكيف ستنتهى؟.
ومن المرجح ان تكون سوريا اكثر دولة تجيب بالنفى عن هذا السؤال، فالاطاحة ببشار الاسد لن تتم إلا عن طريق دفع ثمن باهظ من الدم والمال، ولكن وحشية القمع التى يقوم بها الاسد تجعل السوريين يؤمنون بانهم ممكن ان يتحملوا اى شيء الا بقاء الاسد فى الحكم.
وها هى بعض الخسائر التى تكبدتها اكثر اربع دول عربية شهدت عنفا اثناء ثورات الربيع العربي، ففى مصر قتل ما لا يقل عن 846 مصرياً فى اول ثلاثة اسابيع من الثورة العام الماضى ولقى ما لا يقل عن 150 شخصاً مصرعهم جراء حوادث عنف بالشوارع وذلك وفقا لبيانات الحكومة المصرية.، وبالنسبة للاقتصاد فبعد ان حقق الاقتصاد المصرى نموا بنسبة 5% خلال عام 2010، نما اجمالى الناتج المحلى بنسبة اقل من 2% خلال عام 2011.
وفى ليبيا لا توجد احصائيات محددة للاعداد التى قتلت اثناء الحرب الاهلية هناك الا ان الحكومة الجديدة تدعى ان هناك ما لا يقل عن 30.000 قتيل من الجانبين كما ان الصراعات التى وقعت بعد الحرب اودت بحياة عشرات آخرين، فضلاً عن أن ليبيا خسرت ما يقرب من 60% من اجمالى الناتج المحلى حيث انخفضت قيمة صادرات البترول بنحو 40%.
وفى اليمن قدرت الحكومة اليمنية مؤخرا اعداد الاشخاص الذين قتلوا اثناء الثورة التى ادت الى استقالة على عبد الله صالح بنحو 2000 شخص، وانكمش الاقتصاد اليمنى الى حد كبير ووصل معدل التضخم الى حوالى 20%، ووصلت نسبة البطالة لأكثر من 50%.
أما سوريا فعدد القتلى منذ اواخر مارس الماضى يتعدى 9.000 شخص وفقا لاخر تقديرات الامم المتحدة، فضلاً عن اكثر من نصف مليون سورى تركوا ديارهم ولجأوا الى الدول المجاورة فى الاردن ولبنان وتركيا، وبلغت معدلات التضخم ذروتها إضافة إلى انهيار التصدير وفقدان ما يقرب من 6 مليارات دولار من اجمالى الناتج المحلى بداية من اكتوبر 2011.
نهى مكرم
المصدر: فورين بوليسي