كما أن هناك متنطعين فى الدين، يوجد أيضا متنطعون فى السياسة، وكما يوجد تافهون وسطحيون فى الخطاب الإسلامى، هناك بالقدر نفسه أتفه منهم فى التعبير عن قيم الديمقراطية والليبرالية.
وكما واجهنا بكل أشكال الإدانة والتقزز هؤلاء الذين جلدوا واحدة من أشرف بنات مصر فى أحداث مجلس الوزراء بسؤالهم الخبيث «إيه اللى وداها وليه لابسة العباية بكباسين» فإن الواجب يقتضى التعبير عن الامتعاض والاستنكار لمسلك هؤلاء الذين اختزلوا مبادئ وأهداف الثورة فى مسيرة للقصر الرئاسى وتداعوا عبر مواقع التواصل الاجتماعى للخروج فيما أطلقه عليه «مسيرة ستيلا» رافعين أمام الرئيس الجديد شعار «البيرة خط أحمر».
إن أحدا لا يطالب بتقليص الحريات فى مصر، غير أن المشكلة أن البعض يختصر قيمة الحرية فى مظاهر شديدة الابتذال والسطحية، ويقيسها بمعايير مثيرة للضحك المرير، كأن يقال مثلا فى أسباب معارضة مرسى إنه لو جاء سيتم منع المايوه البكينى فى الشواطئ، وحظر الخمور فى المحلات والفنادق.. وكأن ثورة ٢٥ يناير قامت فقط من أجل تحقيق مثل هذه المطالب المضحكة.
وما يثير الدهشة أن هؤلاء الذين يخوضون معركة البيرة والمايوه ببسالة لم يحزنهم أو يثير غضبهم ــ على سبيل المثال ــ ما أقدمت عليه صحيفة الأهرام الأسبوع الماضى من جريمة فى حق حرية الإبداع، حين عبثت بواحدة من أشهر اللوحات فى تاريخ الفن التشكيلى المصرى وهى لوحة الفنان الراحل عبدالهادى الجزار «الكورس الشعبى» وغطت أجزاء منها وهو ما اعتبرته جبهة حرية الإبداع اعتداء مشينا على الفن والثقافة.
كما أننا لم نر هذه الروح القتالية الوثابة من المدافعين عن حرية البيرة والمايوه عندما كان الثوار الرائعون يدعون لمسيرات ووقفات دفاعا عن حريات المعتقلين أمام النيابة العسكرية، وفى المناسبات القليلة ــ عن تقصير منى ــ التى شاركت فيها استجابة لدعوات من مجموعة « لا للمحاكمات العسكرية» كانت أعداد الحاضرين منخفضة إلى حد يشعرك بالخجل والأسى، وكأن حرية التعاطى مقدمة على حرية الرأى والتعبير، فى نظر هؤلاء الغيورين على مستقبل « ستيلا والبيكينى» فى عصر الرئيس الجديد، وهو ما يجعل من غير المستبعد أن نصحو يوما على مؤتمر موسع فى أحد الفنادق الفاخرة بالقاهرة لبحث هذه القضية الجوهرية المفصلية فى حياة الشعب المصرى.
وإذا كان هؤلاء «الأحرار» قد وجدوا أن البيرة هى قضية مصر المحورية فى هذه اللحظة التاريخية فإن أحدا لا يصادر حقهم فى ترتيب أولوياتهم كما يشاءون، مع الوضع فى الاعتبار أنهم لا يمثلون سوى نقطة فى محيط هادر كان يهتف فى ميادين مصر أمس فور إعلان النتيجة «الشهدا يا مرسى»
إن معارضة الرئيس واجب ومراقبة أدائه فريضة، والكل له بالمرصاد إن اقترب من الحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطن بسوء، لكن أن يجرى ابتذال المعارضة على هذا النحو الفج فهذا مؤشر خطر على أن جحا وولده أصبحا مصدر إلهام المعارضة الجديدة فى مصر، تلك التى من فرط شراستها تعتبر أن سمير جعجع مجرم صبرا وشاتيلا وصنيعة الاحتلال الصهيونى فى لبنان ملهمها وسيدها!
بقلم : وائل قنديل – الشروق