“كل رمضان وإنت بخير يا محمد.” بادرت صديقي محمد الميكانيكي. “وإنت طيب يا عمنا، هو فيه سياسة في رمضان ولا هنأخذ أجازة؟” سألني صديقي. “بصراحة نفسي نأخذ إجازة، ونركز في أصل السياسة وهدفها.” قلت له. “يعني إيه؟” سألني وأجبت: “أصل السياسة هي الإنسان وهدفها هي الإنسان، وما يميز الإنسان عن الحيوان هو أن يكون على حد أدنى من أخلاق. ولكن هذا الإنسان ضاع في منتصف المعركة لأن بعضنا اعتبر أن الإنسان هو نفسه وأسرته الصغيرة وأصدقاؤه المقربون، وليس الإنسان، كل إنسان، قرب أو بعد، على نفس دينك أو على غير دينك، تعرفه أو لا تعرفه.”
“يعني هتعمل إيه في رمضان؟” سألني محمد. “قلت له ما تيجي نغير شوية، ونتكلم في ما هو سابق على السياسة وهي أخلاق الإنسان. يمكن لما نكون على خلق أفضل، نقدر نكون بشر أفضل.” قلت له ووافقني متذكرا كلاما كنت قلته له من قبل من أن القرآن الكريم حين أمرنا أن نتفكر في خلق السموات والأرض وفي خلق أنفسنا كان يقصد أن يعلمنا أن العبادة التقليدية الميكانيكية التي نؤديها أحيانا ليست هي المطلوب من الإنسان. وإنما المطلوب هي العلاقة المباشرة التي يقف فيها الإنسان من خالقه موقف الضعيف الذي هو بحاجة لمن يقويه، الخائف الذي هو بحاجة لمن يطمئنه، الذليل الذي هو بحاجة لمن يعزه، المريض الذي هو بحاجة لمن يشفيه. وهذا هو معنى “لا إله إلا الله” في ما أظن: أن الإنسان يترجمها في مواقف الحياة المختلفة لتعني عند النعمة: “لا رازق إلا الله” وتعني عند المرض: “لا شافي إلا الله” وتعني عند الضعف: “لا قوي إلا الله” وتعني عند الضلال: “لا هادي إلا الله” ومجموع ذلك هو ما جاء في الأثر من أن معنى “لا إله إلا الله” أنه “لا معبود بحق سواه.”
“يااااااااااه، ده إنت طلعت بتفهم وأنا اللي كنت بأقول عليك كلمنجي على الفاضي.” قال صديقي. “الحقيقة أنا مش متأكد أنا بأفهم أم لا، لكن على الأقل عارف إن أنا مش هأقدر أعيش حياتي إلا إذا كنت مستوعب تناقضات هذه الحياة وهو ما جعلني فكرت وقرأت وجمعت العبارات التي كلما احترت وجدت فيها الإجابة على حيرتي.” هذا كان ردي، ولكنه سأل: وما هي هذه العبارات؟
“لا تحمدن أحدا على فضل الله، ولا تذمن أحدا على ما لم يعطك الله، فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص، ولا ترده عنك كراهية كاره، وإن الله بفضله وعدله قد جعل الروح والفرج في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في السخط والشك. سبحانه يعطي من يشاء بفضله ويمنع من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله، سبحانه قد يعطي وهو يمنع وقد يمنع وهو يعطي، وقد تأتي العطايا على ظهور البلايا وقد تأتي البلايا على ظهور العطايا وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شرا وهو خير لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير، وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد.” قلتها لصديقي، ووجدته متأثرا. وقال لي: “هل ممكن تخلي شهر رمضان فرصة لأن تكتب في هذه الروحانيات والأخلاقيات؟” وعدته بأن أحاول. وجعله الله شهرا مباركا علينا جميعا.
بقلم : معتز بالله عبد الفتاح – الوطن