الخطأ الخامس الذى وقعت به خلال العام ونصف من العام الماضية من الانشغال بالعمل العام هو عدم توظيف طاقة سياسية كافية وجهد إعلامى منظم لبناء توافق وطنى واسع حول قضايا مؤثرة للغاية فى تطور مصر الديمقراطى. والأمثلة هنا كثيرة، من اعتماد برنامج طموح ومحدد للعدالة الانتقالية والضغط لإنهاء محاكمة المدنيين عسكريا، مرورا بالتأسيس بالمعنيين القانونى والسياسى لإطار شراكة وتفاوض حول شروط العمل بين العمال وأصحاب الأعمال لتجاوز مأزق العدالة الغائبة والاحتجاجات المستمرة، إلى إنجاز تشريعات تضمن استقلال السلطة القضائية وحيادية مؤسسات الدولة، وتكافح الفساد والسلطوية الضاربين
فى جذور الدولة العميقة وكذلك البحث عن بدائل دستورية لإلغاء الإعلان الدستورى المكمل وتركيز السلطة فى يد العسكر.
لم أوفق قبل الانتخابات البرلمانية وبدء انعقاد مجلس الشعب فى الإسهام الفعال لتحويل رؤى متقاربة للغاية بشأن هذه القضايا لدى قوى وأحزاب الإسلام السياسى والتيارات الليبرالية واليسارية إلى أجندة توافق وطنى واضحة المعالم والإجراءات، كما لم أعمل بمجلس الشعب بالسرعة الكافية
لإنتاج مقترحات قوانين تترجم التقارب إلى عمل تشريعى منظم، والاستثناءان الوحيدان على هذا الإخفاق، كانا أولا مقترح قانون جديد للجمعيات الأهلية بنينا حوله بمجلس الشعب وانطلاقا من عمل لجنة حقوق الإنسان توافقا واسعا بين القوى والأحزاب المختلفة ومع منظمات المجتمع المدنى المصرية والأجنبية وكان قاب قوسين أو أدنى من أن يرى النور (أى أن يجاز كقانون)، وثانيا مقترح قانون لضمان حريات النشر والحريات الإعلامية كنا نعده بلجنة حقوق الإنسان أيضا.
أضاع عدم توظيف طاقة سياسية كافية وجهد إعلامى منظم لبناء توافق واسع حول قضايا كهذه فرصا كثيرة لتغيير الواقع ولترجمة قناعتى المبدئية بأن الاختلاف الفكرى والسياسى بين الإسلاميين والليبراليين لا يعنى انتفاء القدرة بالكامل على العمل المشترك (أو على الأقل بين بعضهم) فى إطار أجندة وطنية ترفع أهداف العدالة الانتقالية إلى ضمان استقلالية مؤسسات الدولة، والعبرة التى أستخلصها هنا للمستقبل هى عدم السماح مجددا لضغوط أجندة السياسة اليومية بإلهائى عن الاهتمام بالقضايا الحاكمة أو التقاعس عن البحث عن مساحات العمل المشترك نظرا لشدة التجاذبات بين الإسلام السياسى والتيارات الليبرالية واليسارية.
وهناك أوجه قصور أخرى شابت عملى خلال العام ونصف من العام الماضية، أصنفها مجتمعة كالخطأ السادس والأخير، تمثلت إما فى التشرنق داخل الحالة المصرية وعدم الانفتاح الجاد على ما يدور حولنا فى الإقليم والتواصل مع العالم أو فى الوقوع فى مصيدة صراعات جانبية ومواجهات كلامية لا طائل منها، كلفنى التشرنق داخل مصر فقدان بوصلة موضوعية لفهم التطورات الإقليمية والعالمية وتداعياتها علينا، ولم يقل خطورة من حيث الأثر السلبى توقفى إلى حد كبير عن المشاركة فى مؤتمرات ومنتديات دولية تناقش التجارب العالمية للتحول الديمقراطى وتستخلص من الدروس المقارنة ما قد يفيدنا فى مصر، أما بشأن الصراعات الجانبية والمواجهات الكلامية، وبعضها ارتبط بآراء لى لم تعجب كثيرين (الزواج المدنى) والبعض الآخر بشائعات ومعلومات زائفة طاردتنى (عضوية أمانة السياسات وطليقة ملفقة وماسونية والذى منه)، فقد أخطأت حين سمحت لها بأن تأخذ حيزا ليس بالهامشى من وقتى وجهدى وقبلت الدخول فى دوائر الردود المتوالية وعدم الاكتفاء بتوضيح الموقف لمرة واحدة وبشفافية كاملة.
أحمد الله أن بعض التواصل مع العالم من حولنا ما زال قائما وقابلا للتنشيط، وأن الصراعات الجانبية لم تحولنى إلى أحد هؤلاء الشتامين والمقرعين من الأكاديميين والسياسيين، إلا أن العبرة المستخلصة من الأخطاء الأخيرة هى أن أتذكر دوما أن القدرة على الانفتاح على العالم ميزة نسبية كبرى للأكاديمى والسياسى (حتى فى مصر)، وأن كلفة الانجرار إلى الصراعات الجانبية عالية، سواء على الشخص ذاته (برفع درجة المعاناة منها) أو على دوره العام والسياسى (فكثرة الدفاع عن النفس ونفى الشائعات قد يذهب برونق السياسى المتطلع بثقة إلى مستقبل أفضل لوطنه ودور هام له فى صياغة هذا المستقبل).
بقلم : عمرو حمزاوى – الوطن