لا يعيب الحكومة الجديدة فى مصر أن تكون غالبيتها من «الخبراء»، حتى أزعم بأنها أفضل «منتج» فى الظروف الراهنة. ذلك أنه فى أعقاب سقوط نظام مبارك الذى دمر مؤسسات البلد وقواه السياسية، ولم يسلم من هيمنته على المجتمع التى استمرت ثلاثين عاما سوى جهاز الإدارة، فقد أصبح ذلك الجهاز الأخير هو الوعاء الأكثر أمانا لتشكيل حكومة ما بعد الثورة. وإذا قال قائل بأن فى مصر ثوارا ووطنيين كان ينبغى أن يكون لهم حضورهم فى الحكومة الجديدة، فلن أختلف معه.
لكن هؤلاء وهؤلاء لم يتحولوا بعد إلى قوى سياسية قادرة على أن تفرض نفسها على جهة القرار. إن شئت فقل إنها قوى جنينية لاتزال فى مرحلة التشكيل. وقد أثبتت الانتخابات أن القوى الحقيقية، التى لها حضورها التنظيمى والفاعل على الأرض هم الإخوان المسلمون والسلفيون، والأولون غير جاهزين لإدارة البلد والآخرون غير مقبولين من قطاعات واسعة فى المجتمع المصرى. وليس خافيا على أحد مدى اللغط الذى أثير جراء تمثيلهم فى مجلس الشعب والجمعية التأسيسية لوضع الدستور. لذلك أزعم أنه كان من الحكمة، بل من ضرورات الحفاظ على وحدة الجماعة الوطنية، ان يكون رئيس الوزراء من غير الإخوان وأن تشكل الحكومة من 35 وزيرا جاء خمسة منهم فقط من الإخوان، وليس فيها تمثيل للسلفيين. وذلك موقف متوازن إلى حد كبير. لأن تقليص تمثيل الإسلاميين إلى ذلك الحد الأدنى، عزز فكرة تقديمها بحسبانها حكومة خبراء بالدرجة الأولى. وليست حكومة إخوان أو إسلاميين ــ ورغم الفتور الذى قوبلت به تشكيلة الحكومة من جانب الناشطين السياسيين ووسائل الإعلام، فإن الأصداء السلبية كان يمكن أن تتضاعف لو جاء التشكيل معبرا عن توازنات القوى التى أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتى وصلت فيها حصة الإسلاميين إلى حوالى 75٪ من مقاعد مجلس الشعب. ولتجنب ذلك الشرخ أصبح التكنوقراط هم الحل. وكأن ذلك أصبح شعار رئيس الوزراء الجديد، الذى حل محل الشعار الشهير «الإسلام هو الحل».
خلو التركيبة الحكومية من ممثلى الهويات السياسية، والاكتفاء فى تمثيل أغلبية الإسلاميين بالحد الأدنى يعد من إيجابيات الخطوة التى تمت. ولأن الحكومة لم تعلن برنامجا ولم نر لها أداء، فليس لنا أن نتناولها إلا من حيث الشكل فقط. الأمر الذى يسوغ لنا أن نسجل ملاحظاتنا فى تلك الحدود، وفى مقدمتها ما يلى:
• إن أغلب الوزراء جاءوا من داخل الجهاز الحكومى وليس من خارجه. الأمر الذى من شأنه أن يحدث نوعا من الاستقرار داخل مختلف الوزارات.
• إن تثبيت المشير محمد حسين طنطاوى وزيرا للدفاع بدا كافيا فى طمأنة القوات المسلحة إلى استقرار أوضاعها، بعد اللغط الذى أثير فى وسائل الإعلام حول دورها وأنشطتها الاقتصادية.
• إن تثبيت وزير الخارجية السيد محمد كامل عمرو فى منصبه يعد إشارة إلى ثبات توجهات السياسة الخارجية، وهو أمر مفهوم فى ظل إعطاء الأولوية فى الوقت الراهن لمتطلبات السياسة الداخلية، التى هى الأصل وتعد توجهات السياسة الخارجية انعكاسا له.
• بالمثل فإن تثبيت الدكتور ممتاز السعيد فى منصبه وزيرا للمالية يعد قبولا باستمرار السياسة التى كانت متبعة فى ظل حكومة الدكتور كمال الجنزورى. التى نجحت فى تجنيب البلاد الوقوع فى أزمات كثيرة.
• فهمت أن استياء الإخوان من الحملة الإعلامية الشرسة التى تستهدفهم منذ فوزهم فى الانتخابات وراء حرصهم على حمل حقيبة وزارة الإعلام. وهو ما وضع زميلنا الأستاذ صلاح عبدالمقصود الذى شغل المنصب فى موقف حرج، لأنه ليس بوسعه أن يفعل شيئا إزاء تلك المشكلة التى تخرج عن نطاق اختصاصه.
الملاحظة المهمة فى هذا السياق أن المجلس العسكرى ظل بعيدا طول الوقت عن مساعى تشكيل الحكومة، حتى أزعم أن العملية كلها تمت بالتفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ولم يكن حزب الأغلبية بعيدا عن ذلك، الأمر الذى يعد قرينة على أن عملية نقل السلطة إلى المدنيين دخلت طور التنفيذ.
تستطيع أن تقول إن ذلك يمثل النصف الملآن من الكوب، الأمر الذى يثير أسئلة عدة حول طبيعة النصف الآخر. وهو ما يدعونا إلى التريث وانتظار الأداء، خصوصا أننا بإزاء فريق لم يختبر بعد، ولا أكاد أجد مبررا وطنيا أو أخلاقيا يرجو له الفشل الذى تمناه له البعض فى تسرع غير محمود، لأننى أزعم أن نجاحه هو نجاح للثورة ولنا جميعا.
بقلم : فهمى هويدى – الشروق