بقلم: مصطفى بيومى
اليوم تحل الذكرى السادسة لغياب نجيب محفوظ، كاتب العربية الأول والشاهد الأعظم على الحياة المصرية فى القرن العشرين، فازت به جائزة نوبل واقتحمت به الثقافة العربية المعاصرة ساحة العالمية، وانتشرت أعماله المترجمة فى قارات العالم جميعاً فإذا بالبشر من مختلف الديانات والثقافات والأجيال يستمتعون بإبداعه المتوهج نادر المثال، أخلص فى التعبير عن الهموم المحلية، فحلق إلى ما بعدها، واندمج فى الواقع فالتقط الخلاصة الصافية للفلسفة والحكمة الإنسانية.
قلائل هم الذين يشبهون الكاتب الكبير فى تاريخ الآداب العربية والعالمية، فقد عاش الرجل مخلصاً للإنسان والعمل والنظام الدقيق، زاهداً فى التفاهات والصغائر التى يتكالب عليها الأدعياء قصيرو النظر محدودو الموهبة، مؤمناً بأن الرسالة الاسمى للمبدع هى أن يضيف ويجدد ويبتكر ويكتشف ويبحث بلا توقف عن لحظة التوهج التى تمنح رؤية ممتعة تتجاوز كل عطايا البذخ المادى الذى لا يدوم ولا يعرف الخلود.
يعلمنا أدب نجيب محفوظ أن نؤمن بالعقل والعلم والديمقراطية، بالإنسان قبل هذا كله، وبعده وجوهر الإيمان أن تُتاح له حرية الفكر والعقيدة، وأن يكون له حق الاجتهاد بلا قيد أو وصاية.
فى ظل الارتباك الذى نعيشه الآن ونكتوى بناره، يبدو الاحتياج عظيماً إلى نجيب محفوظ، فمعه وبه نستعيد الثقافة ويحقق التوازن ويغمرنا دفء الأمل واليقين بأن الحياة لابد أن تستمر، وأن سنين الطغيان والاستبداد قد تطول وتتوحش لكن الانتصار فى نهاية المطاف للشعب وإرادة الحياة الحرة.
مرت مئوية ميلاد نجيب محفوظ دون احتفال يليق بعظمة الرجل ومكانته الشامخة، وأغلب الظن أن الذكرى السادسة لغيابه ستمر بلا انتباه، فالبطولة الشائعة الآن للاعتصام والاحتجاج والضجيج الزائف، يبحث عنه مراهقون نرجسيون لا شاغل لهم إلا النجومية الإعلامية، دون نظر إلى مصلحة الوطن ومستقبله.
ندين لنجيب محفوظ باعتذار عن الإهمال الذى يسئ إلينا ولا يخدش روعته وجلاله، فهو شمس لا تغيب وزهرة جميلة يافعة لا يطالها الذبول.
هل يموت أمثاله؟!
اليقين الراسخ أنهم لا يعرفون الموت.