بقلم : وائل قنديل – الشروق
لماذا يكون السادات عظيما وبطلا جسورا وهو الذى أدخل مصر كلها بيت الطاعة الصهيونى، بينما محمد مرسى منعدم الوطنية وزعيما للمفرطين لأنه أرسل خطابا دبلوماسيا بروتوكوليا لرئيس الكيان الصهيونى حمل عبارات عاطفية لا تجوز مع هؤلاء الأوغاد؟
إن البكائية التى امتدت بالطول والعرض بمناسبة المظاهر الإخوانية التى طغت على احتفالات نصر أكتوبر هذا العام رفعت السادات إلى مراتب الرسل، وتغنت فيها بطلا للسلام والحرب، ولم تر فى كل ما فعله إلا أشياء عظيمة، ولم يتوقف أحد للتفكير بهدوء فى الانهيار والتقزم اللذين أصابا مصر إثر التحاقها بالركب الأمريكى الصهيونى على يد السادات.
إن المفارقة تبدو مدهشة حين يعتبر البعض إن ارتحال السادات إلى المعسكر الأمريكى الصهيونى كان عملا بطوليا كبيرا، وفى الوقت ذاته يعيبون على محمد مرسى هذا الخطاب الردىء إلى قادة العدو بمناسبة تعيين سفير لديه.. وهو الأمر الذى يضعك مباشرة أمام ازدواجية معايير بغيضة وكيل بمكيالين، وعدم اتساق مع الذات، حين يرى هؤلاء الأصل جميلا ورائعا، بينما الفرع غير ذلك.
وهذا كله يأتى منسجما مع حالة السيولة التى تعيشها مصر، وأوجدت ميوعة فى المفاهيم والمصطلحات، فصارت المعارضة مجرد مكايدة ومهارشة، وعرفنا تعريفا جديدا لمفهوم الإقصاء، دفع ببقايا الدولة العميقة والفلول إلى اعتبار رفض مشاركتهم فى مظاهرات التحرير نوعا من الإقصاء.
وفى هذا بدا صاعقا أن يقبل بعض المحسوبين على أحزاب وتيارات من المفترض أنها ثورية بمجاورة ومشاركة أطراف تنتمى قلبا وقلبا إلى معسكر العداء للثورة، بل ويدينون حرمانهم من الانضمام لتظاهرات القوى الليبرالية واليسارية ضد الرئيس وجماعته وتياره.
وشىء من ذلك يظهر أثره على المواقف من ثورة الشعب السورى الباسلة، حيث يغضون الطرف ويباركون هذا القتل الوحشى الذى يمارسه نظام بشار الأسد ضد شعبه، لا لشىء إلا لمجرد اتخاذ مواقف معاكسة ومناوئة ومناقضة لموقف محمد مرسى وتيارات الإسلام السياسى من ثورة الأشقاء فى سوريا.
وليس بعيدا عن ذلك هذا الانشغال المفرط بأسماء أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، على حساب التركيز على ما يصدر من مواد.. واعتبار أن حل الجمعية فى حد ذاته نصر كبير، حتى وإن تمت إعادة تشكيلها على نحو لا يختلف كثيرا عن تركيبتها الحالية.
وأحسب أن هذا النوع من المعارضات يهوى بالقضية الوطنية والقومية إلى أعماق سحيقة، ويبتذل المعارضة الحقيقية، بما يفقدها الكثير من مصداقيتها لدى الجماهير، ما يصب فى نهاية المطاف فى مصلحة الممسكين بالسلطة، إذ يوفر لهم مادة ثرية للغاية للنيل من خصومهم والطعن فى منطلقاتهم.
ويبقى أن المعارضة المصرية هذه الأيام فى حاجة إلى «بيروسترويكا» تنهض بمهمة الفرز السليم بين الحقيقى والمزيف، وتصنع خطوطا فاصلة بين التافه والرصين.