بقلم : فهمي هويدي – الشروق
ليس مفهوما، وأكاد أقول ليس بريئا، ذلك اللغط المثار حول غضب الجيش فى مصر، إذ منذ نشرت إحدى الصحف خبرا مكذوبا عن منع سفر والتحقيق مع بعض القيادات السابقة (المشير طنطاوى والفريق عنان واللواء بدين)، صرنا نقرأ أخبارا وتحليلات عن إهانة الجيش وغضبه، وكتابات أخرى حذرتنا من تداعيات ذلك الغضب، التى تكاد تلوح باحتملات حدوث انقلاب عسكرى فى البلاد.
تعلمنا فى المهنة أن المرء حين يتلقى المعلومة ينبغى أن يتحقق من صحتها أولا وأن يتعرف على أطرافها بعد ذلك. لذلك فإن السؤال الأول الذى يخطر على البال هو: هل هناك غضب فعلا أم لا؟ الأمر الذى يستدعى عددا آخر من الأسئلة من قبيل: ما هى تجليات الغضب؟ ومن يكون الغاضب؟ وذلك الغضب موجه ضد من؟ هل هو ضد الرئيس أم ضد رفاق السلاح من القيادات العسكرية الجديدة، أم ضد وسائل الإعلام التى دأبت على نشر الأخبار الملتبسة والمكذوبة؟
حين حاولت تحرى الأمر من خلال طرح تلك الأسئلة على من أعرف من ذوى الصلة تلقيت الردود التالية:
● إن الحاصل الآن يتعذر وصفه بأنه غضب فى الجيش، وإنما هو شعور بالاستياء وعدم الارتياح إزاء تناول الأبواق الإعلامية للموضوع. خصوصا فى الشق المتعلق بالبلاغات التى يقدمها البعض ضد قيادات المجلس العسكرى السابق، التى يتعلق بعضها بالمسئولية عن قتل بعض المتظاهرين ويتعلق البعض الآخر ببلاغات التى تنسب إلى بعض القادة تصرفات تدخل فى عداد الكسب غير المشروع. وهذه البلاغات لا تعنى الإدانة أو ثبوت التهمة، ولكنها تعد مجرد ادعاءات تخضع للفحص إذا ثبتت جديتها، وقد تؤدى إلى تبرئة المدعى عليه وحفظ القضية، وقد تنتهى بإحالة الأمر إلى النيابة العامة والقضاء.
● إن قيادة القوات المسلحة ساءها تحويل الإدعاءات إلى الأخبار من ناحية، واختلاق الأخبار المتعلقة بقيادات المجلس العسكرى السابق من جهة ثانية. وقد نقلت ذلك الاستياء إلى رئاسة الجمهورية. وفى حالة الخبر المكذوب الخاص بمنع القادة الثلاثة من السفر والتحقيق معهم، فإن الرئاسة أحالت الأمر إلى مجلس الشورى الذى ىفترض أنه المالك القانونى للصحف القومية باعتبار أن الخبر نشرته صحيفة الجمهورية، التى هى واهدة من تلك الصحف.
(ملحوظة: بالغ رئيس مجلس الشورى دون مبرر فى الإجراء الذى اتخذه لتدارك الموقف، حين قرر إيقاف رئيس تحرير الجريدة وإحالته إلى التحقيق، علما بأن الأمر كان يمكن علاجه بصدور تصريح رسمى يكذب الخبر، وبإحالة الموضوع إلى نقابة الصحفيين لتبحث الموضوع إذا استلزم الأمر ذلك).
● ليس صحيحا أن الجيش طرف فى الموضوع. إذ من حسن الحظ أنه يقف خارج السياسة ويتصرف كمؤسسة محترفة مهمتها حماية حدود البلاد وأمنها. ولكن الاتصالات التى تمت معبرة عن الاستياء صدرت عن قيادة الجيش الراهنة الحريصة على سمعة القوات المسلحة وقياداتها، خصوصا أولئك الذين أدوا خدمات جليلة للبلد، وكان المجلس العسكرى ضمن هؤلاء. بأدائه الذى أمن فيه الثورة ووفى بما وعد به بخصوص المرحلة الانتقالية.
● هذا الحرص عبر عنه الرئيس محمد مرسى طوال الوقت، حين أصدر قراره بإقالة قادة المجلس العسكرى ثم كرمهم واحتفظ بهم كمستشارين. وقد دأب على إعلان تقديره لدور القوات المسلحة فى مختلف المناسبات الخاصة بالجيش والتى يحرص على حضورها. وأغلب الظن أن تشديد الرئيس على ضرورة الحفاظ على كرامة وسمعة القادة العسكريين هو الذى دفع رئيس مجلس الشورى إلى المبالغة فى محاسبة رئيس تحرير جريدة الجمهورية، فظلمه الرجل لكى يعدل مع قادة المجلس العسكرى(!).
●صحيح أن المشير طنطاوى والفريق عنان واللواء بدين لم يكونوا سعداء بإقالتهم، وليس مستبعدا أن يكون الحديث عن الغضب محصورا فى دائرتهم الضيقة، وفى كل الأحوال فإن تعميم مشاعرهم تلك على الجيش كله لا يخلو من تعسف وافتعال. علما بأن أولئك القادة كان ينبغى لهم أن يخرجوا من صدارة المشهد بعد تسلم الرئيس المنتخب لمنصبه. ثم انهم أخرجوا بطريقة مهذبة وكريمة، ولم تكن مهينة بأى حال كما ادعى البعض، ناهيك عن انه لم يكن هناك سبيل آخر لإخراجهم إلا بالصورة التى تمت، إلا إذا كان المطلوب الإبقاء عليهم طول الوقت. فى هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن القيادات التى حلت محلهم تحظى بتقدير كبير داخل القوات المسلحة، باعتبارهم من أكفأ الضباط وأكثرهم خبرة على الصعيد المهنى واستقامة على الصعيد الأخلاقى.
إذا كان الأمر كذلك فمن حقنا أن نسأل: لمصلحة من الترويج لمقولة غضب الجيش، وشيوع الغليان فى داخله. وما الهدف من وراء تخويفنا بما يمكن أن يفعله الجيش إذا غضب؟ ثم ــ هل نبالغ إذا تشككنا فى براءة ومقاصد استمرار بث مثل تلك الشائعات؟
إننا إذا وسعنا الدائرة وتطلعنا إلى المشهد من علٍ فسنجد أن ثمة إلحالحا على تفريغ مصر من المؤسسات التى تم انتخابها بعد الثورة (بعد حل مجلس الشعب هناك مسعى يلح على حل مجلس الشورى وإلغاء الجمعية التأسيسية للدستور)، ثم هناك لغط يثار حول دور الجيش وموقفه، وهناك رموز تتحرك فى الداخل والخارج لهدم كل ما تم بناؤه إلى الآن، الأمر الذى يستدعى سؤالا كبيرا هو: إذا لم يصب ذلك فى صالح الثورة المضادة فأى مصلحة يتحراها إذن؟