عند قيام حركات إحتجاجية تسقط بعض الأنظمة وتتمكن أخري من البقاء في حالات أخري. القوي المنهزمة لا تسحق بشكل تام إذ أنها تحاول تجميع الصفوف مرة أخري والعودة للكفاح , فدائما ما يكون ميزان القوي غير واضح المعالم والنصر لا يعني بالضرورة تعزيز سلطة المنتصر.
كانت السلطة الحاكمة مسيطرة علي مقدرات الأمور لكنها عانت من تآكل شرعيتها، وقوة الدولة أصبحت في تراجع بعد حدوث الإنتفاضات.
أدت الإنتفاضات العربية إلي صعود جماعة الإخوان المسلمين، حيث تم انتخاب محمد مرسي القادم من صفوفها، كما أنها تحكم في تونس وتسيطر علي قطاع غزة، وتمكنت من كسب المعركة في المغرب ومن المحتمل أن تصعد في سوريا والأردن في وقت ما.
كان صعود الإخوان للسلطة محض خيال لوقت طويل ,ونجت الجماعة أثناء فترة طويلة من القمع عن طريق العمل تحت الأرض وفي خنادق، حيث تعرضت للمطاردة والقتل والتعذيب. واضطرت لتقديم تنازلات وقتما كانت المعركة حامية الوطيس بين الإسلام السياسي والقومية العربية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل شارفت تلك المعركة علي النهاية؟
تمكنت الإمبراطورية الأوروبية من ايقاف قطار الخلافة العثمانية بعد أربعة قرون من الحكم الإسلامي، ثم صعدت القومية العربية لسدة الحكم وفي غضون تلك الفترة اضطر الإسلاميون إلي ضبط العديد من وجهات نظرهم.
ساعد الإسلاميون في اسقاط رؤساء مصر وتونس وكانوا اللاعب الأجدر علي الساحة السياسية، ويبدو أنهم حريصون علي عدم التصادم مع المجتمع الدولي ولكنهم في الوقت نفسه سيسعون للتغيير من القواعد عن طريق لفت انتباه المواطنين لهويتهم الإسلامية مع تجنب فرض أفكارهم بالإكراه وتحقيق تحولات إجتماعية وفاءاً لأيدولوجيتهم.
وقد وافقت قيادات الإسلام السياسي علي عقد صفقة مع الغرب، يتم بموجبها الحصول علي مساعدات اقتصادية ودعم سياسي مقابل عدم تهديد المصالح الغربية التي تتلخص في الإستقرار الإقليمي، وحماية إسرائيل، ومكافحة الإرهاب وإستمرار تدفق الطاقة للعالم الغربي.
ويعتقد العديد من المحللين أن الإطاحة بمبارك جاءت بسبب دعم الغرب، وذلك لأن الإسلاميين سيقدمون له صفقات أكثر إستدامة, بالإضافة لوجود تكهنات يقتنع بها كثيرون تفيد بأن أمريكا شريك هاديء فيما حدث وسيحدث من صعود للإسلاميين.
ويسعي صانعي السياسة الإسلاميون إلي ترسيخ المشروع الإسلامي وعدم الدخول في مواجهات مبكرة مع الغرب. كما أن وجود دولة إسرائيل يعد جزء من عقيدة الإسلام السياسي لكنهم سيتجنبون المعارك المبكرة المحفوفة بالمخاطر مع الدولة العبرية.
ونظراً لوجود رفض قاطع لإقامة دولة فلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية، يعتقد الإسلاميون بوجود حل آخر يقتضي اتفاق مؤقت وهدنة طويلة الأمد وينطوي الإتفاق علي جعل الضفة الغربية مقاطعة كونفدرالية مع الأردن مع تحرك غزة نحو مصر، مع السعي نحو أسلمة المجتمع الفلسطيني وتطويق الدولة العبرية.
ويواجه الإخوان معضلة داخلية تتمثل في إستخدامهم لغة معتدلة مع الغرب ورغبة في عدم الصدام معه والتي تثير اعتراض المواطنين المؤيدين لها مما دفعهم لوصف الجماعة بأنها “نظام مبارك المزين بآيات القرآن الكريم”. وأي تغيير في تلك الخطابة ستجعلهم في موقف من إتخذ الإعتدال كخيار تكتيكي مما قد يستعدي قوي غربية ضدهم.
كما أن الدخول في أزمة اقتصادية قد يتسبب في إستفادة النظام القديم من موجة الحنين إلي الماضي التي ستنتاب المصريين، وذلك في ظل ضعف القوي الليبرالية وإفتقارها للدعم الشعبي والتنظيم.
المعضلة الأخري تظهر في إزدهار الإسلاميين في المعارضة لإلقاءهم اللوم علي السلطة، لكن الوضع تغير الآن بوصولهم السلطة وتحمل المسئولية.
ومن المحتمل أن تعود القومية العربية في ثوب جديد في ظل تهمش قوي الإسلام السياسي للمشاعر القومية وتجاهل تحقيق العدالة الإجتماعية وذلك بعد ظهور شعارات “الكرامة” و”الإستقلال”و”العدالة الإجتماعية”- كلمات تنتمي لمعجم النظام القديم- في الإحتجاجات الأخيرة علي طريقة إدارة الاخوان للأمور.
كتب : محمد فؤاد