أكدت الحيثيات الكاملة لحكم محكمة القضاء الإدارى الصادر الثلاثاء ببطلان عقد استغلال منجم السكرى، إنه لمن العجيب أن تنص الاتفاقية بين مصر والشركة الإسترالية أن لمصر إذا رغبت فى شراء المنتج من الذهب أن تشتريه بالسعر العالمى، رغم أن كل ما يقدمه الشعب المصرى الكريم يكون مدعما من قوته وثرواته بينما ما يرغب فى الحصول عليه يكون بالسعر العالمى.
كما استندت المحكمة فى حيثيات حكمها، إلى تقرير اللجنة المشتركة بمجلس الشعب المنحل، وما توصل إليه من أن السيطرة الفعلية والعملية فى تنفيذ عمليات استخراج الذهب وصهره ووزنه للشركة الفرعونية، فى ظل وجود غياب يثير الشك والريبة ودواعى المساءلة للدور الضعيف الذى تقوم به هيئة الثروة المعدنية، والتى تمثل الحكومة المصرية فى تنفيذ هذا التعاقد، وكانت النتيجة المؤسفة هو ما تنطق به أوراق الدعوى ألما وحسرة، من أن كل ما ثبت إنتاجه وبيعه من ناتج الذهب والمعادن المصاحبة من هذه الاتفاقية لا يتجاوز مبلغ 875 مليون دولار، حصلت مصر من هذا الناتج على مبلغ لا يتجاوز 19 مليون دولار فقط.
أما ما تضمنه من تحديد مساحة 160 كليومترا مربعا بمنطقة السكرى، وعدم الاعتداد بما صدر عن هيئة الثروة المعدنية بمنح الشركة الفرعونية 30 سنة قابلة للتجديد لمدة 30 سنة أخرى، لكل المناطق التى تغطيها الاتفاقية، قالت المحكمة رفضت أن إنهاء العمل بالاتفاقية المبرمة بين وزارة الصناعة والشركة الفرعونية لمناجم الذهب الأسترالية، جاء لأنها رأت أنه لا يوجد أى سند للقول بأن الشركة قد أخلت فى تنفيذ أحكام الاتفاقية، كما أن مركزها القانونى وحقها التعاقدى المكتسب قد قام وثبت، والتزاما بالدولة القانونية فلا يمكن تحميل الشركة أوجه العوار التى شابت الاتفاقية وإنما يقع وزرها والمسئولية على عاتق الحكومة لمنع تكرارها عند إبرام مثلها مستقبلا واستنهاض الهمم المخلصة فى متابعة ما تبقى من فترة زمنية لتنفيذ العقد بما يحفظ المال العام ويصون الثروات المستغلة.
وذكرت المحكمة فى حيثيات حكمها أوجه العوار التى صاحبت التعاقد وعملية البحث والتنفيذ وعلى رأسها الضعف الشديد الذى اتسم به البنيان القانونى لأحكام الاتفاقية، وخلوها من المعايير والضوابط الحاكمة لآليات التنفيذ واتساع مساحات مناطق البحث، والتى قاربت مساحة 5380 كيلومترا مربعا، فى مناطق متباعدة، مع إعطاء الشركة الفرعونية لحق البحث فيها، دون تقنين الآليات الكافية لضمان جدية الشركة فى تنفيذ عمليات البحث، باستثناء مبلغ مالى تنفقه الشركة سنويا معظمه ينفق على رواتب موظفيها وبدلات انتقالهم وخلافه، مما لا يتصل بالعمل الفنى اللازم لضمان جدية عملية البحث.
كما تساءلت المحكمة، عن كيفية قيام الحكومة المصرية بتقديم السولار المدعم لعمليات استغلال واستخراج الذهب، بمبلغ يصل إلى مليون و600 ألف جنيه مصرى يوميا، فضلا عن سيل الإعفاءات الجمركية والضريبية المقدمة للشركة المتعاقدة، وبالطبع فإنه لا يمكن القول بوضوح الجدوى الاستثمارية لمثل هذا التعاقد.
وضربت المحكمة أمثلة بعدد من الوقائع التى تشير إلى العديد من الشبهات حيث أعلنت الشركة الفرعونية عن انخفاض أسعار الذهب خلال عام 2010 وبيعها بمبلغ 900 دولار للأوقية، فى حين أن سعر معدن الذهب هو سعر عالمى معلوم للكافة ولم يعرف أنه خلال تلك الفترة هبط لمثل هذا المستوى، بل أنه دوما كان مجاوزا لسعر 1370 دولار للأوقية، وواقعة إعلان الشركة الفرعونية عن إنفاقها مبلغ 425 مليون دولار لشراء مصنع لاستخلاص الذهب، فى حين أن هذا المصنع قديم ومن أحد مناجم الذهب فى بوليفيا ولا يتجاوز سعره 15 مليون دولار – كما ذكر الفخرانى – وأهابت المحكمة، الحكومة متمثلة فى الجهة الإدارية القائمة على إدارة مرفق الثروة المعدنية، باتخاذ كافة الإجراءات التى من شأنها معالجة أوجه العوار، وضبط إيقاع تنفيذ هذا التعاقد، ولعل من أبرز تلك الإجراءات التى تراها المحكمة ضرورية فى هذا الصدد، هو تشكيل لجنة دائمة تعمل تحت إشراف الوزير المختص، تكون ممثلة للحكومة المصرية فى كل ما يتعلق بتنفيذ هذا التعاقد، وبصفة خاصة متابعة عمليات استخراج الذهب وصهره ووزنه.
وبخصوص عقد الاستغلال الذى أبطلته المحكمة فقد أكدت أنه وفقا لنص المادة الثانية من الاتفاقية أنه عقب الاكتشاف التجارى مباشرة يتم الاتفاق بين الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية والشركة الفرعونية بموافقة وزير الصناعة لتحديد منطقة الاستغلال وتحويلها من منطقة بحث لاستغلال، وقد خلت الأوراق ما يفيد موافقة وزير الصناعة على هذا العقد، وبالتالى يكون قد فقد شرطا أساسيا لصحته، كما أن الثابت من الأوراق وما انتهت إليه تحقيقات هيئة النيابة الإدارية فى القضية المقيدة لديها برقم 496 لسنة 2002 أن ما اعتمده أحمد حمدى سويدان رئيس الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية فى ذالك الوقت من بيانات غير حقيقية بالكتاب الموجه للشركة الفرعونية فى 4 نوفمبر 2001 عبارة “أنه طبقا لاجتماع مجلس إدارة الهيئة فى 21 أكتوبر و 28 أكتوبر 2001 فقد تمت الموافقة على دراسة الجدوى المقدمة من الشركة، وأن ذلك يحرك الاتفاقية من مرحلة الاستكشاف إلى مرحلة الاستغلال، ومنح الشركة 30 سنة قابلة للتجديد 30 سنة أخرى لكل المناطق التى تغطيها اتفاقية الامتياز، قد تم بالمخالفة لقرارى مجلس إدارة الهيئة ولما هو وارد ببنود الاتفاقية، وطلبت النيابة الإدارية إلى المحاكمة التأديبية وإبلاغ النيابة العامة بشأن ما اقترفه من جرم جنائى، وبالتالى فإن عقد الاستغلال قد صدر دون أى سند من صحيح القانون ومنعدم بحكم اللزوم، ومن ثم فهو لا يعدو إلا أن يكون قولا أو إجراءا باطلا لا يعتد به قانونا.
كما ردت المحكمة على الدفع بعدم توافر شرط الصفة والمصلحة فى المهندس حمدى الفخرانى مقيم الدعوى بأن قالت فى حيثيات حكمها، إن القضاء الإدارى يقوم بدوره فى حراسة الشرعية وسيادة القانون ومنجم السكرى من الملكية العامة التى هى ملكية الشعب والملكية العامة لها حرمتها وحمايتها، ودعمها واجب على كل مواطن وفقا للقانون، الأمر الذى يجعل لكل مواطن من أفراد هذا الشعب حقا فى هذه الأموال، وعليه أن يهب للدفاع عنه وفق ما يقرره القانون منها اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم قضائى يكون بمثابة السند التنفيذى الذى تتحقق به الحماية المنشودة، وبالتالى فإن للمهندس حمدى الفخرانى مصلحة حقيقية دفاعا عن حقه فى هذه الثروة كأى مواطن مصرى.
وقالت المحكمة إن الواقع المصرى يلزم كل مواطن مصرى أن يدافع عن الملكية العامة وحرمتها، خاصة فى ظل غياب أليم للسلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل فى الاضطلاع بمراقبة كل نواحى الخلل فى التنفيذ السياسيات والبرامج الحكومية، وضمان تحقيق كافة السبل المتعلقة بالحفاظ على ثروات الوطن وماله العام ومنها مسائلة الحكومة واستجوابها عن مناحى الخلل فى تنفيذ مثل هذا التعاقد.
اخبار مصر