تمكنت مصر من الحفاظ على استقرارها الاقتصادي إلى حد كبير خلال الفترة اللاحقة للثورة إلا ان الاقتصاد لم يتمكن من تحقيق تعافي واضح، بحسب تقرير حديث أصدره صندوق النقد الدولي عقب اجتماعاته السنوية التي عقدها في طوكيو مؤخرا.
واوضح الصندوق في تقريره عن اقتصادات دول الربيع العربي، أن الضبابية السياسية والمشاكل الأمنية وتباطؤ الاقتصاد العالمي وراء تراجع النمو في الاقتصاد المصري، كما ساهم إنخفاض الاحتياطات الدولية وارتفاع العجز المالي وصعود أسعار الفائدة على أذون الخزانة المحلية في زيادة الهشاشة المالية في مصر.
آفاق النمو المصري مواتية في الأجل المتوسط وتحتاج إلى سياسات دعم دولي محفزة
اكد التقرير ان آفاق النمو في مصر مازالت مواتية في الأجل المتوسط في ظل البرامج الاقتصادية الشاملة التي تعالج عجز الميزان المالي وميزان المدفوعات وتهدف ايضاً لتحقيق معدلات نمو عالية، إلا أنها في حاجة إلى سياسات الدعم الدولي المحفزة من أجل المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والتعرف على العيوب الهيكلية طويلة الأجل من أجل وضع الأساس لنمو شامل وخلق فرص عمل للشباب وأعداد السكان المتزايدة.
توقع التقرير ان تتمكن مصر من التعافي بصورة كاملة من تآكل الثقة الذي أدى إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع أعداد السائحين وتوقف الاستثمارات بعد ثورة يناير 2011.
استقر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عند مستوى متدني حول 2 % خلال العام المالي 2011/2012، في الوقت الذي وصلت معدلات البطالة 12.6 % مقابل 9 % قبل الثورة، فيما أدى تراجع إيرادات الحكومة وزيادة النفقات إلى إتساع عجز الموازنة والتي وصلت إلى 11.8 % كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ،بإستثناء المنح، خلال العام المالي 2011/2012.
اضاف التقرير ان الإعتماد على تمويل عجز الموازنة من السوق المحلي ادى إلى تزايد حاد في معدلات الفائدة على أذون الخزانة والتي وصلت إلى اعلى معدلاتها في اغسطس الماضي عند 16 %، كما تدهور ميزان المدفوعات بصورة كبيرة نتيجة المحافظ المالية الخارجة وإنخفاض إيرادات السياحة والاستثمار الاجنبي المباشر، ما أدى لهبوط الإحتياطيات الدولية إلى 15.1 مليار دولار بنهاية اغسطس الماضي بعد ان كانت 34 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2010 ، رغم حصول البلاد على دعم دولاري من بعض البلدان وإصدار اذون خزانة بعملات اجنبية.
رأى التقرير انه على المدى القصير فإن استعادة الثقة في الاقتصاد ستحتاج بعض الوقت حتى في ظل التحولات السياسية التي تمر بها مصر، وتوقع ان يشهد العام المالي 2012/2013 تعافيا تدريجيا في النشاط الاقتصادي مع استمرار الضغوط على ميزان المدفوعات رغم تراجعها بصورة طفيفة، وفي الوقت نفسه رجح الصندوق ارتفاع معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3 %.
ورغم آفاق النمو الجيدة إلا ان التقرير توقع صعود معدل التضخم بدفع من ارتفاع اسعار السلع العالمية، كما رشح معدلات البطالة للارتفاع مع عدم القدرة على خلق وظائف جديدة قادرة على تغطية الأعداد الكبيرة من الوافدين إلى سوق العمل حوالي 750 ألف شخص سنوياً.
اوضح صندوق النقد إنه رغم تأثير ضعف الاقتصاد العالمي على آفاق تعافي الاقتصاد المصري إلا ان كل المخاطر الحالية لها علاقة بالمشاكل الداخلية وخصوصاً حالة عدم اليقين السياسي وتدهور الوضع الأمني والفشل في تبني السياسات السليمة القادرة على إستعادة الثقة وتأخر الإنتعاش الاقتصادي، مما أدى إلى زيادة الضغوط على الجنيه والإحتياطات الدولية.
ومع ذلك، أكد التقرير ان تقدم التحول الديموقراطي بصورة أكثر سلاسة سيؤدى إلى نتائج اقتصادية تفوق التوقعات بدعم من البرامج الاقتصادية لمعالجة الاختلالات في البلاد بفاعلية.
حدد التقرير أكثر التحديات قصيرة الأجل إلحاحاً في إحتواء العجز الكبير في الميزان المالي وميزان المدفوعات ودعم التعافي الاقتصادي السريع وخلق فرص العمل وحماية الشرائح الأكثر ضعفاً من السكان، بينما يلزم على الصعيد المالي إتخاذ التدابير اللازمة لتخفيض العجز الذي سيخفض بدوره من عبء الدين الحكومي على المدى المتوسط.
تشمل التدابير توسيع التحويلات الإجتماعية للشرائح الضعيفة من السكان وخفض دعم الطاقة غير الفعال وتعزيز الإيرادات من خلال زيادة ضرائب الدخل وضرائب القيمة المضافة، وفي الوقت نفسه زيادة الإنفاق على البنية التحية والتعليم والصحة من أجل دعم النمو وتحقيق النتائج الإجتماعية وخلق المزيد من فرص العمل.
من ناحية أخرى، دعا الصندوق إلى السماح للعملة بالتحرك بما يتماشى مع إحتياجات السوق مع تجنب التذبذبات قصيرة الأجل مما سيساعد في الحفاظ على الإحتياطيات، كما أن حشد التمويل الاجنبي سيساعد على سد الفجوة في ميزان المدفوعات.
أما التحديات متوسطة الأجل، فقد حددها التقرير في الحفاظ على النمو المتوازن والمرتفع والذي سيتطلب الإستفادة من إمكانات مصر وإطلاق العنان للقطاع الخاص الحيوي، ورأى أن توفير بيئة عمل أكثر شفافية وتنافسية، وتحسين اللوائح المنظمة، وتسهيل الوصول إلى التمويل اللازم للمؤسسات الصغيرة، سيساعد في تعزيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص العمل، فيما ستساعد زيادة الاستثمار في رأس المال البشري والبنية التحتية على توفير فرص متساوية للحصول على فرص العمل والأعمال التجارية لجميع قطاعات المجتمع.
كتبت : عبير على