بقلم: جيرارد ايريرا
هل أصبحت ألمانيا الدولة الديجولية الجديدة فى أوروبا؟ فقد عارضت بشدة مساعدة دول منطقة اليورو بشكل كلى مما دفع اوروبا إلى اتخاذ القليل من الإجراءات بعد فوات الآوان مرارا وتكرارا، وقد قامت انجيلا ميركل، المستشارة الالمانية، بايقاف مفاعلات ألمانيا النووية قاضية بذلك على احتمالية وجود سياسة للطاقة الاوروبية.
تزامن ذلك مع تعديل صفقة اندماج شركتى «اى إيه دى إس» الألمانية و«بى إيه اى» البريطانية لتضيع «برلين» بذلك على نفسها فرصة إنشاء شركة طيران عالمية، وفى الوقت الذى تدعى فيه «ميركل» حاجة منطقة اليورو إلى التوحد، فإنها تماطل فى إتمام مشروع الاتحاد المصرفى، لذلك يمكن القول انه من الان فصاعد، اصبحت ألمانيا تبحث عن مصالحها القومية ولم تعد تأبه بالمصالح الاوروبية.
وعلى الرغم من ذلك، يعد هذا الجدل قصير النظر، فقد يشعر العديد من الالمان بالاهانة عند اتهامهم بأنهم أوروبيون سيئون، منذ انشاء الاتحاد الاوروبى وهم يقومون بواجبهم ماليا وسياسيا، ومن المنطقى انه بعد تقييد سعيها لتحقيق مصالحها القومية بعد الحرب العالمية الثانية، أن تبدأ ألمانيا فى تحديدها والدفاع عنها، وليس من الغريب انها تقوم بذلك ولكن ما يثير الدهشة أنها اخذت وقتا طويلا فى القيام بذلك.
السؤال الاكثر اهمية هو هل ستوجه ألمانيا انظارها إلى العالم الاوسع نطاقا كروسيا والصين وغيرها من الأسواق الناشئة؟ حتى وقتنا هذا، لا يعد هذا الامر ضمن اهتمامات ألمانيا حيث إن اكثر من نصف تجارة ألمانيا مع دول منطقة اليورو، وفى المستقبل.
وبالرغم من أن مستقبل اوروبا لم تضح صورته بعد، الا انه ينبغى على شركاء ألمانيا الرئيسيين فى اوروبا- بريطانيا وفرنسا وايطاليا- أن يدركوا المخاطر التى تتعرض لها اوروبا ويكونوا اكثر حزما وابتكارا حيال رؤيتهم لاوروبا، وكلما كانوا قادرين على تقديم أفكار جديدة، كلما كانوا فى وضع اقوى يمكنهم من التوصل إلى حوار بناء مع ألمانيا بشأن مستقبل أوروبا، وكلما كانت اقتصاداتهم اقوى، كلما كانوا اكثر قدرة على تحدى رؤية ألمانيا المتشددة حيال السياسة المالية والنقدية لاوروبا.
ومن سوء الحظ أن بريطانيا فى طريقها إلى وداع اوروبا وإقصاء نفسها من التأثير فى مصير الاتحاد الاوروبي، وعلى النقيض، ايطاليا تحت قيادة ماريو مونتى فى طريقها إلى التعافى وسوف تكون قادرة على القيام بدورها التاريخى كدعامة المشروع الاوروبي، ذلك الدور الذى فقدته تحت قيادة سيلفيو بيرلسكونى، رئيس وزراء ايطاليا السابق.
وماذا عن فرنسا؟ اعرب الرئيس الفرنسي، فرانسوا اولاند عن ترحيبه بالمساهمة فى تعافى الاقتصاد الاوروبى من خلال إصراره على الحاجة إلى اضافة ميثاق النمو إلى المعاهدة المالية التى ترعاها ميركل.
وأشار أولاند بشكل ضمنى إلى أن نسيج العلاقة بين فرنسا وألمانيا ودورهما فى اوروبا فى حاجة إلى اعادة نظر ليتواءم مع الحقائق الاقليمية الجديدة، فما نحن على دراية به الآن هو ما لا تريد فرنسا الاعتراف به وهو تراجع المستوى السيادى لفرنسا داخل اوروبا، كما أن باريس فى حاجة إلى اجراء اصلاحات هيكلية واقتصادية حتى لا تتسع الفجوة التنافسية بينها وبين ألمانيا.
ولكن الوقت ينفد من ايدى فرنسا، فقد قدم مؤخرا لويس جالوي، الرئيس التنفيذى السابق لشركة اى ايه دى اس واحد الشخصيات المرموقة فى فرنسا، تقريرا بشأن سبل إصلاح النظام الفرنسى لتتمتع فرنسا بصناعات اكثر تنافسية وتستعيد ابداعها وابتكارها ونجاحها، ولكن إذا لم ينفذ «أولاند» ما جاء فى هذا التقرير سريعا واذا لم يقرر الشروع فى القيام باصلاحات مؤلمة لا مفر منها، لن يحق لفرنسا أن تشكو من اتخاذ ألمانيا مسارا منفصلا عنها.
الكثير قد قيل حيال إقرار ألمانيا وحدها لمستقبل اوروبا، ولكن تقع على عاتق فرنسا مسئولية تحديد هذا النهج الالماني، ويتعين عليها القيام بذلك قبل أن تدير ألمانيا ظهرها للقارة.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز