كشفت مصادر مسئولة بقطاع البترول أنه رغم الاتفاق بين مسئولين مصريين وعدد من الخبراء حول مدى صحة ترسيم حدود المياه الاقتصادية لمصر مع الدول المجاورة، على إحالة بعض من التفاصيل الفنية التى طرحها الخبراء إلى اللجنة القومية العليا لأعالى البحار لدراستها من الناحيتين الفنية والقانونية، إلا أن المجتمعين لم يبحثوا سبل التعامل المستقبلى مع هذه القضية الحساسة، سواء فى حالة اقرار الخبراء بصحة خط الترسيم الذى قدمته الحكومة أو اكتشاف أخطاء فى هذا الترسيم.
أكدت المصادر أنه فى كلا الحالتين فان ما يتم التوصل إليه يمثل وجهة النظر المصرية فقط والتى يجب الدفاع عنها ومخاطبة الدول المشتركة فى المياه الاقتصادية للموافقة عليها.
أضافت المصادر أن الاجتماع لم يتطرق أيضا إلى الخطوات التى سوف تتخذ إذا ما رفضت اسرائيل او قبرص قبول اى تعديلات يمكن ان تقدمها مصر فى حالة التأكد من عدم صحة خط الترسيم الحالي.
وقالت المصادر، التى طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن المشكلة الأخطر التى غابت عن الاجتماع تتمثل فى أن الدول المجاورة لمصر يمكن ان تجرى عمليات البحث عن البترول والغاز داخل حدودها وفقا لخط الترسيم إلا أنه من الوارد جدا وبقوة أن تجرى عمليات الانتاج من خزانات تمتد إلى داخل الحدود المصرية، وهى الحالات التى يطلق عليها الحقول المشتركة وهناك أمثلة واضحة على ذلك مثل حقل الرميلة بين الكويت والعراق وحقل غاز الدخان بين قطر وايران، بل إنه داخل مصر توجد خزانات متداخلة بين مناطق امتياز الشركات وبعضها مثل منطقة عش الملاحة التى تتداخل بين ثلاث شركات عاملة فى مصر.
وأضافت المصادر أنه فى حالة امتداد الخزان بين دولتين وقيام احداهما بالانتاج منه دون اتفاق مع الدولة الأخرى فعلى الدولة المتضررة أن تثبت امتداد الخزان داخل حدودها، وفقا لما يعرف ببصمة الغاز التى توضح نوعيته وضغوط الخزان والطبقة الجيولوجية علاوة على حفر بئر داخل حدودها لإثبات امتداد الخزان.
وفى حالة اتفاق الدولتين على امتداد الخزان يتم اقتسام الانتاج منه بنسبة ما يقع من الخزان داخل حدود كل منهما وعلى سبيل المثال اذا كان ثلث الخزان يقع داخل حدود احدى الدولتين ويقع الثلثان داخل حدود الدولة الثانية فانه يقسم الانتاج بنسبة الثلث إلى الثلثين.
وأشارت المصادر إلى انه فى حالة رفض أى دولة الاعتراف بامتداد الخزان إلى دولة مجاورة فإنه يتم الاحتكام إلى اتفاقية الامم المتحدة التى تنظم استغلال الثروات بالمياه الاقتصادية للدول وفى هذه الحالة تتم الاستعانة بشركة متخصصة فى تقدير الخزانات وامتدادها باتفاق الدولتين ويكون قرارها ملزما للطرفين كما يمكن للدولة المتضررة الحفر والانتاج من الخزان داخل مياهها الاقتصادية اسوة بما فعلته الدولة الأخرى حتى يتم التوصل إلى اتفاق مرض للطرفين.
من جانبه، قال الخبير النفطى ابراهيم زهران، إنه انسحب من الاجتماع الذى عقده وزير البترول المهندس اسامة كمال الأسبوع الماضي، نتيجة اصرار الجهات الحكومية المشاركة على وجهة نظر واحدة تفيد بأن خط ترسيم الحدود الحالى سليم، وهى وجهة النظر التى أرفضها استنادا إلى الخرائط التى فى حوزتى، علاوة على استشعارى عدم جدية المسئولين الحكوميين تجاه تلك القضية.
وأوضح الدكتور رمضان ابو العلا، الخبير النفطى، إنه غير مقتنع بما قدمته الجهات الحكومية حتى الآن من دلائل تنفى قيام اسرائيل بالتنقيب فى المياه الاقتصادية المصرية، إلا ان ذلك وفقا لرأيه لا يمنع أن المسئولين بقطاع البترول أبدوا أستعدادهم إلى تبنى وجهات النظر الأخرى فى حالة ثبوت صحتها، متهماً الحكومة التى وقعت على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص بأنها أهدرت الحقوق المصرية بتلك الاتفاقية، وتحاول الحكومة الحالية الدفاع عنها، فهناك اجماع من قبل الخبراء والمختصين بضرورة الغاء تلك الاتفاقية أو تعديلها.
وأضاف أن اتفاقية مصر وقبرص وقعت فى فبراير عام 2003، ودخلت حيز التنفيذ مارس 2004، وسجلت فى 14 يناير من عام 2008، أى أنها استغرقت 5 سنوات، بينما الاتفاقية بين قبرص واسرائيل تم توقيعها فى 17 ديسمبر عام 2010، ودخلت حيز التنفيذ 25 فبراير 2011، وتم تسجيلها 9 مارس 2011، اى فى اقل من 3 أشهر، مشيراً إلى أن الهدف من الاسراع بتوقيع الاتفاقية واعطاء مصر فرصة حق الاعتراض أو التشاور حول الاتفاقية، حيث تنص الاتفاقية الموقعة بين مصر وقبرص على أن يتم التشاور مع مصر قبل التوقيع مع اى طرف ثالث.
وكان المهندس أسامة كمال، وزير البترول والثروة المعدنية قد عقد اجتماعا الاسبوع الماضى بمشاركة مجموعة من الخبراء والمسئولين بوزارتى الخارجية والدفاع والمساحة البحرية المصرية.للوقوف على مدى صحة قيام اسرائيل وقبرص بالبحث عن الغاز داخل المياه الاقتصادية المصرية.
وأكد أسامة كمال فى بداية اللقاء حرص الوزارة على إجراء حوار علمى للتوصل إلى رؤية مصرية حول ترسيم الحدود موضحاً أن قطاع البترول جهة تطبيق وليس مسئولاً عن ترسيم الحدود ولكن وزارة البترول تطرح مزايدات للبحث عن البترول والغاز فى مناطق محددة بإحداثيات دقيقة، تجنباً للدخول فى أى منازعات قد تحدث.
وطرح عدد من الخبراء خلال الاجتماع رؤيتهم وأبدوا مخاوفهم من ضياع حقوق مصرفى ثرواتها الطبيعية الواقعة فى المناطق الاقتصادية، وشرح المسئولون بصورة تفصيلية ترسيم الحدود وفقاً للاتفاقيات الدولية التى تحدد الإجراءات التى يتم اتخاذها عند ترسيم الحدود والتى أقرتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وأكدوا أن اللجنة القومية العليا لأعالى البحار التى تضم مجموعة من الخبراء والمسئولين فى جميع أجهزة الدولة هى المسئولة عن ترسيم حدود مصر مع أى دولة أخرى.
وأوضح الخبراء أن هناك 17 جهة تصدر الموافقات اللازمة لأى حفار بترولى أو سفينة أبحاث بحرية ووجوب الحصول على موافقات من الجهات المختصة لاصدار الموافقات البحرية الدائمة والمؤقتة للحفاظ على سلامة هذه الوحدات البحرية، مؤكدين أن هناك استحالة لدخول أى وحدات بحرية أو مراكز بحثية لمياه مصر الاقليمية أوالاقتصادية دون موافقات مسبقة من هذه الجهات المسئولة.
وأخيرا فإنه سواء تم الاتفاق على سلامة خط الترسيم الحالى بين مصر وقبرص او وجود خطأ به فإن الحكومة مطالبة بوضع سيناريو واضح لاستكمال ما تم البدء به حيث يجب استكمال ترسيم الحدود مع بقية الدول المشتركة فى حوض البحر المتوسط وكذلك التوقيع على اتفاقيات تحدد طريقة التعامل بين مصر واى دولة مجاورة فى حالة وجود خزان من البترول او الغاز يمتد مع أى دولة.
يذكر ان قضية المياه الاقتصادية بين مصر وعدد من الدول المجاورة بدأت فى الظهورعلى السطح بقوة مع قيام هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية بالاعلان عن احتمالات قوية لوجود الغاز بكميات كبيرة جدا بحوض البحر المتوسط وان المياه الاقتصادية لمصر تحتوى على حوالى 230 تريليون قدم مكعب من الغاز، وقد جاء هذا الاعلان متزامنا مع تكثيف اسرائيل عمليات البحث عن البترول والغاز امام سواحلها وامتداد انشطتها بالقرب من الشواطئ الفلسطينينة واللبنانية مما حذا بقبرص السير فى نفس الاتجاه وكذلك اليونان إلى ان تحركت تركيا للحفاظ على حقوقها خاصة ما يتعلق بالقبارصة الأتراك.
بينما دخلت مصر المشهد مع تخلى شركة «شل» العام الماضى عن منطقة امتياز «نميد» التى تقع بمياه مصر فى البحر المتوسط والتى تبعد عن حقل تمار الذى اعلنت اسرائيل اكتشاف كميات كبيرة من الغاز به حوالى 120 كيلو مترا ثم اعلان اسرائيل وقبرص عن اكتشافات جديدة للغاز بمياههما الاقتصادية، وهو ما أثار مخاوف الخبراء المصريين من وجود مخطط لسرقة ثروات مصر من البترول والغاز الكائنة تحت مياهها الاقتصادية بالبحر المتوسط.
كتب – أحمد طلبة