بقلم: محمد البرادعى
إنه مساء يوم الجمعة فى ميدان التحرير، ورائحة الغاز المسيل للدموع عالقة فى الهواء، وقد قمنا بثلاث مسيرات احتجاجية خلال أسبوع وظل العديد منا بالميدان ليمضى ليله، وبعد كل ذلك وجدت نفسى أتساءل «بعد ثلاثة وعشرين شهراً من الصراع من اجل تحقيق الديمقراطية فى مصر، هل هذا اقصى ما يمكننا فعله؟ رئيس منح نفسه جميع السلطات الدكتاتورية، برلمان مكتظ بالاسلاميين، ومسودة دستور تم وضعها سريعا بطريقة حمقاء دون ان تتضمن أى حماية للنساء والمسيحيين وجميع المصريين؟».
ما هو الخطأ الذى وقع؟ كان الجيش حريصاً على حماية امتيازاته وتجنب الملاحقة القضائية، افسد بحماقة المرحلة الانتقالية، سمح للاخوان المسلمين، الذين كانوا حريصين على الاستفادة من تنظيمهم الميدانى الذى يبلغ عمره ثمانين عاماً، بالاستعجال فى اجراء الانتخابات البرلمانية وكانت النتيجة انتصاراً ساحقاً للاسلاميين، وبعد ذلك قامت المحكمة الدستورية بحل هذا البرلمان غير الممثل لجميع طوائف الشعب.
وأسفر هذا الحكم عن صراع سياسى بين الرئيس الجديد والمجلس العسكرى حيال من يمتلك السلطة المطلقة، ولكن الرئيس هو من حسم الصراع بالضربة القاضية من خلال انقلاب ناعم على جنرالات الجيش واضافة السلطة التشريعية لسلطته التنفذية، وجرد مرسومه الاخير الساحق القضاء من سلطاته وحصن قرارته ضد أى اعتراض، واصبحت الآن سلطة محمد مرسى تفوق تلك التى كان يتمتع بها حسنى مبارك فى ذروة حكمه الدكتاتوري.
فى غضون ذلك، استحوذ الاخوان المسلمون على الجمعية التأسيسية المنوطة بصياغة الدستور الجديد مع الاسلاميين، واحتجاجا على ذلك انسحب ممثلى الاحزاب الليبرالية والاقليات وفصائل المجتمع المدنى الاخرى من الجمعية، وبعدها صاغت الجمعية مادة بالدستور تنتهك حرية الدين وحرية التعبير وفشلت فى صياغة مادة لمراقبة السلطة التنفذية، كما مكنت الجمعية أيضا المؤسسات الدينية من الطعن على أحكام القضاء.
ومن ثم عدنا إلى ميدان التحرير، ولكن الوضع متقلب: فمصر منقسمة بشدة بين الاسلاميين وباقى اطياف الدولة الامر الذى فتح الباب على مصراعيه امام العديد من السناريوهات مثل التدخل العسكرى وثورة الفقراء او حتى الحرب الاهلية.
يسيطر الخوف على غالبية المصريين الذين يرغبون فى الديمقراطية الحقيقية عن الدولة الدينية، حيث دخل القضاة فى اضراب والشباب الذى قاد الثورة حسم الامر فهم لم يواجهوا المخاطر وقدموا العديد من التضحيات بما فيها فقدان ارواحهم ليبدلوا الدكتاتورية العلمانية بالاستبداد الديني، فقد كان قتالهم ومازال من أجل تحقيق الحرية والكرامة للشعب المصري.
ومصر الان مهددة بأربع قنابل موقوتة ظهرت تحت حكم العسكر والاخوان، القنبلة اولا: هى الاقتصاد الذى يتراجع بصورة سريعة فنحن سوف نتعثر فى غضون ستة اشهر خاصة اذا شكل عدم الاستقرار الاخير خطورة على قرض صندوق النقد الدولي.
ثانيا: لم يتحقق بعد القانون والنظام مما له اثر مؤلم على السياحة والاستثمارات الاجنبية.
ثالثا: تحولت شمال سيناء إلى ساحة حرب اذ تواجه تهديداً من قبل الجماعات الجهادية القادمة من افغانستان وأماكن اخري، والان مع هذا الصخب المثار حول مسودة الدستور، تعانى الدولة من استقطاب فى غاية الخطورة.
اتحدت معظم الاحزاب السياسية غير الاسلامية تحت «جبهة الخلاص الوطني» واسندوا لى دور المنسق، ومن المفارقة ان الثوار الذين تخلصوا من مبارك يدعمهم الان اعضاء من حزبه القديم متحدين معهم اعتراضا على «المشروع الاسلامي» الغامض الذى يريد مرسى ومؤيدوه ان يجعلوا بلادنا جزءا منه.
نحن نضغط على مرسى لالغاء مرسومه القاسى الاخير الذى لا يخدم سوى مصالحه الذاتية وأدانته الامم المتحدة والعديد من الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى الدولية، كما نرفض مسودة الدستور غير الشرعية ونحث الرئيس على عدم طرحه للاستفتاء، وندعو الاخوان المسلمين للدخول فى حوار مع جميع الاحزاب بشأن كيفية معالجة التحديات الصعبة التى تواجه مصر والاتفاق على جمعية تأسيسية جديدة تمثل جميع طوائف الشعب لصياغة دستور يتوافق مع الديمقراطية، وخلاف ذلك فنحن مقبلون على مصير مجهول.
منذ عامين فقط استيقظت مصر من غفوتها، وبشكل لا يصدق، يعتقد الرئيس مرسى والاخوان المسلمون انه بجرة قلم واحدة من الممكن ان يعيدونا إلى الغيبوبة مرة أخرى، هذا لن يحدث، واذا استمروا فى محاولتهم، فهم اذن يجازفون بالانزلاق إلى عنف وفوضى من شأنهما ان يدمرا نسيج المجتمع المصرى.
اعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز