بقلم: دايفيد ليبتون
رغم مرور ما يقرب من عامين على الصحوة العربية، إلا أن مستقبل الشرق الأوسط وشمال افريقيا لم تتحدد ملامحه بعد، مع ديمقراطيات ناشئة تناضل من أجل العثور على طريقها وأعمال عنف تندلع مجددا تزيد من صعوبة التحديات التى تواجهها المنطقة حتى بدأ القلق ينتاب البعض من أن الثورة تسير فى طريق مسدود.
عندما نتمعن فى الوضع الراهن من الأفضل أن ننظر إلى ثلاثة مسارات من الممكن أن ينتهى الأمر بالمنطقة بإحداها وفيما يتعلق بمستقبلها الاقتصادي.
أولاً: إذا أدى النزاع على السلطة إلى الحيلولة دون تحقيق الاستقرار سوف ينهار الاقتصاد.
ثانياً: تحقيق الاستقرار من خلال إعادة التأكيد على المصالح المكتسبة فى عالم الأعمال، وهو ما سوف يمنح المنطقة هدنة من تدهور الأحوال ولكنه كفيل بأن يعيد المنطقة إلى حالة الركود أو إلى النمو الضعيف فى أحسن الأحوال.
ثالثاً: فى حال توصل الحكومات المنتخبة إلى طريق جديد لإنهاء الاضطرابات السياسية وتبنى الإصلاحات سوف تفتح الطريق أمام فرص اقتصادية أعظم لشعوبها.
وعلى الرغم من أن المسارين الأولين غير مرغوب بهما إلا أن احتمال حدوثهما مازال قائما ولست فى حاجة لأن أقول بأن المسار الثالث سيكون الأفضل.
من المؤكد أن الدول العربية التى تمر بمراحل انتقالية سوف ترسم ملامح مسارها الخاص ولكننى أؤمن بأن المجتمع الدولى عليه أن يلعب دوراً كبيراً فى مساعدتها لتجنب النتائج السيئة وها هى بعض الأفكار حيال كيفية تقديم الدعم اللازم لتلك الدول.
حتى تستطيع دول الشرق الأوسط من تحقيق نمو دائم على نطاق واسع، يتعين عليها الانتقال من الاستثمار الذى تسيطر عليه الدولة إلى الخاص ومن الصناعات المحمية إلى النمو القائم على التصدير ومن هنا ستتوفر فرص العمل.
ولاطلاق عنان إمكانيات النمو الهائلة بالمنطقة، ينبغى أن يكون القطاع الخاص مصدراً رئيسياً للنمو، ولن يحدث ذلك إلا إذا تمكن من النفاذ إلى الأسواق العالمية وليس ـ فقط ـ المحلية، لذلك حان الوقت لإجراء حوار بناء مع قادة السياسة والفكر حيال مستقبلهم الاقتصادي، يهدف إلى وضع خارطة طريق واستراتيجية توجه من خلالها طاقات الشعوب نحو هدف مشترك.
ويجب أن ترتكز عملية تحديد أجندة الإصلاح فى كل دولة بالمنطقة على المشاركة الحقيقية والاستفادة من وجهات نظر كل الأطراف المعنية، فلا يمكن فرض خطط الإصلاح مهما كانت صحيحة من الناحية التقنية دون أن يكون هناك إدراك وموافقة شعبية على نطاق واسع، وتعد تركيا خير مثال على الدولة الإسلامية التى اختارت مسار الإصلاح الاقتصادى الجوهرى حتى صارت اقتصاداً ناشئاً مفعماً بالحيوية فضلاً عن وجود طبقة متوسطة قوية ومتنامية.
وبالنظر إلى مساوئ أول مسارين ومزايا المسار الثالث التى لا تعود ـ فقط ـ على المنطقة بل على الاقتصاد والأمن العالمي، يتضح أنه يجب تضافر جهود المجتمع الدولى عن طريق توفير التمويل الكافى وفرص التجارة وتقديم المشورة السياسية.
وبالنسبة لصندوق النقد الدولى فهو يحاول أن يكون على مستوى التحديات التى تمر بها المنطقة، فقد منح العام الماضى وحده نحو 8.5 مليار دولار فى صورة قروض إلى الأردن والمغرب واليمن، وقد توصل مؤخرا إلى اتفاق مع الحكومة المصرية لتقديم حزمة دعم بنحو 4.5 مليار دولار، كما يقدم العون لتونس من خلال المشورة السياسية أو المساعدات الفنية وعلى استعداد لتقديم الدعم المالى إذا لزم الأمر وكذلك الحال بالنسبة لجميع دول المنطقة بما فيها ليبيا.
ولكن ينبغى على صندوق النقد الدولى التركيز على مهمته الأساسية وهى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، كما أن دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا فى حاجة إلى المزيد، لذلك سيكون من الضرورى أن يقدم المجتمع الدولى بما فى ذلك مجموعة دول الثمانية ودول مجلس التعاون الخليجى وبنوك التنمية الدولية والإقليمية الدعم الكافى ليس ـ فقط ـ لتحقيق الاستقرار ولكن ـ أيضاً ـ لإحياء التجارة و الاستثمار وينبغى أن يدعم الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة من خلال فتح الأسواق أمام التجارة فى السلع والخدمات للبلدان العربية الراغبة فى تحقيق تحولات جوهرية فالشيء الوحيد الذى لا غبار عليه بالنسبة لى هو أن المنطقة فى حاجة إلى دعمنا الآن
اعداد: نهى مكرم
المصدر: أى إم إف دايريكت