بقلم: نبيل فرج
من القواعد القانونية الراسخة والثابتة فى مجال الصناعة البحرية والنقل البحرى هى مسئولية الناقل البحرى عن هلاك البضائع أوتلفها إذا حدث هذا الهلاك أو التلف فى المدة التى تبدأ من تاريخ تسلم الناقل للبضائع فى ميناء الشحن، حتى قيامه بتسليمها إلى صاحب الحق فى تسلمها فى ميناء التفريغ، «مادة 227»، ولكن هذه القاعدة الأساسية تخضع للاستثناءات التى تعفى الناقل البحرى من المسئولية ومن أهم هذه الاستثناءات هى قاعدة توافر حالة السبب الأجنبى والذى يعفى الناقل البحرى من المسئولية القانونية عن هلاك أوتلف البضائع، فقد نصت المادة 229 من قانون التجارة البحرى رقم 8 لسنة 1990 أنه «يعفى الناقل من المسئولية المنصوص عليها فى «الفقرة 1» من المادة 227 من هذا القانون إذا أثبت أن هلاك البضاعة أو تلفها يرجع إلى سبب أجنبى لا يد له أو لنائبه أو لأحد من تابعيه فيه.
فالتزام الناقل البحرى هو التزام بتحقيق نتيجة وهذه النتيجة هى توصيل البضاعة كاملة وسليمة فى الميعاد المتفق عليه أو فى الميعاد المعقول إلى ميناء الوصول.
ووفقاً لإعمال هذه القاعدة فإنه يعفى الناقل البحرى من المسئولية إذا أثبت أن هلاك البضاعة أو تلفها يرجع إلى سبب أجنبى لا يد له أو لنائبه أو لأحد من تابعيه فيها، «والسبب الأجنبى قد يكون قوة قاهرة أو حادثاً فجائياً، بألا يمكن توقعه أو دفعه» ويقع على الناقل البحرى هنا إثبات هذه القوة القاهرة والحادث الفجائى لكى يتوافر معه السبب الأجنبى أى أن إثبات هذا السبب الأجنبى تكون مسؤلية الناقل البحرى فهو المكلف بإثباتها للمحكمة التى تنظر موضوع المطالبة عن هذه الهلاك أو التلف، فهو مكلف بإثبات أن البضاعة المشحونة على السفينة قد تعرضت مثلاً لإحدى الحوادث الطبيعية كالسيول أوالعواصف الشديدة غير العادية أو حالات الحرب أو الثورات والاضطراب الداخلية للدولة التى تواجدت السفينة فى نطاقها الأقليمى وأثرت بالفعل على هذه البضائع المشحونة على ظهر السفينة.
وخلاصة القول فى هذا الشأن أنه يجب أن يثبت الناقل البحرى أن هذا الهلاك أو التلف الحاصل فى البضائع المشحونة على ظهر السفينة قد حدث بسبب هذه الحوادث الطبيعية التى لايمكن له أن يتوقعها ولايمكن له أن يدفعها أو يتجنبها، مما يشكل معه القوة القاهرة والحادث الفجائى وبالتالى تتوافر معه مبدأ السبب الأجنبى الذى يعفى الناقل البحرى من المسئولية القانونية عن هذا الهلاك أو التلف الحاصل فى البضائع المشحونة، ومعظم هذه الحوادث المفاجئة أو القوة القاهرة يسهل إثباتها للمحكمة لكونها معلومة للجميع ويتم نشر أخبار عنها بالصحف والمجلات، وتعتبر ثورة 25 يناير فى مصر نموذجاً مثالياً للقوة القاهرة والحادث المفاجئ مما يتوافر معه السبب الأجنبى، فإذا كانت إحدى السفن قد تعرضت لهلاك أو تلف بالبضائع طوال تلك الفترة، فلايسأل عنها الناقل البحرى بأى شكل من الأشكال إذا أثبت الناقل البحرى أن السفينة كانت متواجدة فى أحد الموانئ المصرية خلال تلك الفترة وأن هذا الهلاك أو التلف للبضائع قد تم خلال هذه الفترة وبسبب هذه الأحداث وبالتالى يتوافر معه السبب الأجنبى ويعفى الناقل البحرى من المسئولية القانونية عن هذا الهلاك أو التلف الحاصل للبضائع وفقاً لنص المادة 227 من قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990.
ويكون تقدير توافر هذه الظروف والملابسات التى يتوافر معه السبب الأجنبى من القوة القاهرة أو الحادث الفجائى من اختصاص محكمة الموضوع التى تنظر النزاع، فالمحكمة هى التى تقدر مدى توافر علاقة السببية فيما بين حدوث هذه القوة القاهرة والحادث الفجائى وبين هذا الهلاك أو التلف، أى يجب أن تتبين المحكمة كون هذا السبب الأجنبى أدى لحدوث هذا الهلاك أو التلف مباشرة، فإذا تبين أن هذا الهلاك أو التلف قد حدث بسبب آخر غير هذه الحوادث المفاجئة فلايعفى الناقل البحرى من المسئولية، فعلى سبيل المثال، إذا ثبت أن هذا الهلاك أو التلف الحاصل فى البضائع قد حدث مثلاً بسبب سوء تخزين البضائع على ظهر السفينة أو بسبب شحنها وتفريغها من وعلى السفينة فلا يتوافر معة هنا هذا الإعفاء من المسئولية للناقل البحرى حتى ولو كان هذا الهلاك أو التلف قد وقع أثناء حدوث القوة القاهرة والحادث المفاجئ، وذلك لكون هذا الهلاك أو التلف لم يحدث بسبب هذه القوة القاهرة والحادث المفاجئ بل كان بسبب إهمال الناقل البحرى ذاته وتقصيره فى المحافظة على البضائع التى توجد فى عهدتة، وهو ما يتوافر معه مسؤلية الناقل البحرى عن هذا الهلاك والتلف.
ويجب أيضاً لكى يتوافر معه إعفاء الناقل البحرى من المسئولية عن هلاك أو تلف البضائع أن يثبت أن هذه الحوادث الفجائية لايمكن توقعها ولايمكن دفعها، فإذا ثبت أن الناقل البحرى مثلاً كان يعلم بحدوث ميعاد طوفان أو سيول متوقعة قد تؤثر على البضائع المشحونة أثناء عملية النقل وأنه مع ذلك قام بالإبحار فى هذه الظروف السيئة فلا تتوافر معه الإعفاء من المسئولية، ويجب على الناقل البحرى أيضاً أن هذه الظروف الطبيعية كان لا يمكنه دفعها أو تجنبها وأنه لم يقصر فى ذلك لكى يتوافر معه الإعفاء من المسئولية عن هذا الهلاك وهذا التلف للبضائع، فإذا ثبت أنه كان من الممكن أن يتجنب هذه الظروف أو أن يدفعها فلم يفعل فلا يتوافر معه الإعفاء من المسئولية ويكون مسؤلاً عن هذا الهلاك أو التلف الحاصل بالبضائع وهكذا.
وقد يثور السؤال عما إذا حدث هذا الهلاك أو التلف ليس بسبب توافر السبب الأجنبى وهى القوة القاهرة والحادث الفجائى بل كان بسبب فعل وخطأ من الغير وهو ما نصت عليه المادة رقم 165 من القانون المدنى بقولها ” اذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبى لا يد له فيه، كحادث مفاجىء أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك “.
فنص المادة رقم 229 من قانون التجارة البحرى قد نص على إعفاء الناقل من المسئولية إذا توافر السبب الأجنبى فقط وهو القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ أما نص المادة 165 من القانون المدنى جاء أكثر اتساعاً بأن أضاف حالات أخرى يعفى فيها المدين «الناقل البحرى» من المسئولية إذا توافرت معه حالتان آخريان وهما هنا حالة خطأ المضرور ذاته، أى إذا حدث هذا الهلاك أو التلف للبضائع بسبب خطأ الشاحن نفسه، بأن قام بشحن بضائع منتهية الصلاحية أصلاً أو أن صلاحيتها قد إنتهت أثناء الرحلة البحرية فهذا الهلاك أو التلف هنا قد حدث بسبب المضرور ذاتة «أى الشاحن»، والحالة الثانية هى إذا حدث هذا الخطأ من الغير وهى كثيرة الحدوث.