فتحت كارثة قطار الصعيد التى راح ضحيتها 52 طفلاً شهية خبراء النقل للمطالبة بضرورة إعادة النظر فى استراتيجية إدارة منظومة النقل، حيث تباينت وجهات النظر حول جدوى إقالة أو استقالة وزير النقل على اثر كل حادثة، لأن هذا الابعاد الذى يمارس ضد الوزير لمسئوليته السياسية عن هذه الكوارث لا يحسن أداء المرفق بقدر ما يترتب عليه من تغطية للأعمال داخل الوزارة، التى تعانى منذ عدة سنوات عدم استقرار يترتب عليه تراجع ملحوظ فى الأداء نتيجة القصور الواضح فى التمويل.
قال اللواء سيد هداية، رئيس قطاع النقل البحري، إن التغيير الوزارى المتعاقب لا يشكل أى أزمة بالنسبة للمشروعات التى تحتاج موافقات، حيث إن لكل القطاعات والهيئات فى وزارة النقل خطة خمسية ملتزمة بها، وان القائم بأعمال الوزير من الممكن ان يوقع على الموافقات العاجلة للمشروعات الحيوية التى تحتاج إلى توقيع وزير النقل عليها والقرارات الأخرى يؤجل النظر فيها لحين تعيين الوزير الجديد.
وأضاف أن تأثير الأحداث السياسية الجارية بالاضافة إلى حادثة قطار أسيوط متساوٍ على جميع قطاعات النقل، وان النقل البحرى يتأثر بأى أحداث تمر بها البلاد من شأنها ان تعكر صفو الاستقرار الذى بدأنا نشهده لذلك من الضرورى اتخاذ كل التدابير التى تستهدف استقلال النقل البحرى عن وزارة النقل.
من جهته، اقترح المهندس هانى حجاب، الرئيس السابق للهيئة القومية لسكك حديد مصر، ان تعتمد هيئات وقطاعات النقل بالوزارة خاصة هيئة السكك الحديدية على الخطط العشرية وليست الخمسية، وان تكون ذات استراتيجية ثابتة ولا تتأثر بتغيير القيادات فى الوزارة.
وأوضح ان أبرز المشروعات المتعطلة فى الوقت الحالى لعدم اعتماد خطة عشرية طويلة الأمد مشروع تطوير المزلقانات، الذى لم يتم الانتهاء منه بعد، فإنه من الضرورى الآن البدء فى انشاء كبار علوية تمر فوق المزلقانات كثيفة حركة السير وتجريم المرور من أسفل الكوبرى ومعاقبة القانون للمخالفين.
وأشار حجاب إلى ضرورة ان يتم الاتفاق على الخطة العشرية بالاجماع، وان يكون مصدر تمويلها معروفا وتوقيع الاتفاقيات الخاصة بذلك، وان أكثر الخطط احتياجاً لتحويلها من خمسية إلى عشرية هى خطة إعادة هيكلة السكك الحديدية.
ولفت إلى ان أبرز المصادر غير التقليدية لتمويل خطة هيكلة السكة الحديد ان تعتمد الهيئة على استغلال ممتلكاتها تجاريا كمبانى المحطات والأراضى الشاسعة التى تمتلكها بالاضافة إلى تنمية اعمال نقل البضائع بكثافة.
وقال الرئيس الاسبق للهيئة إن مقترح الاقتراض من البنوك مطروح وبقوة على مكتب كل رئيس جديد للهيئة وأن بنك الاستثمار القومى هو البنك الذى تقوم هيئة السكة الحديد بالاقتراض منه وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة، ومن الممكن الاقتراض منه لخطة إعادة الهيكلة، لكن الاعتماد على موارد الهيئة الذاتية أفضل لأنها ستوفر تمويلا ضخما اذا تم استغلالها الاستغلال الأمثل.
وطالب بضررة انفصال القطاع البحرى بوزارة منفصلة ومستقلة بكامل هيئتها عن وزارة النقل باعتباره قطاعا استثماريا يعتمد بالأساس على دعم الدخل القومى بأرباحه وزيادة الرقعة الاستثمارية فى مصر، وان تضم وزارة النقل فقط الهيئات الخدمية التى تمس حياة المواطنين بصفة يومية كهيئة النقل النهرى والسكك الحديدية بما فيها المترو وهيئة الانفاق وهيئة الطرق والكبارى، لأن حمل الوزير يكون ثقيلاً للغاية.
وعلق حجاب على استقالة محمد رشاد المتينى من منصبه كوزير للنقل بسبب كارثة قطار أسيوط، والتى أودت بحياة 52 طفلا قائلاً: إن استقالات وزراء النقل تكون بسبب مسئوليتهم السياسية عن الحادث برغم ان نتائج التحقيقات النهائية من الممكن ان تأتى فى صالح الوزير الا ان الاستقالة أو الإقالة الفورية للمسئولين فى مثل هذه الظروف تكون بمثابة المسكنات للرأى العام وأهالى الضحايا والمصابين لحين انتهاء التحقيقات.
ولفت اللواء سامى عبدالله، الرئيس السابق للهيئة العامة للنقل النهري، إلى ان نجاح أداء وزارة النقل يعتمد على سلوكيات المواطنين والعاملين بجميع هيئات الوزارة على حد سواء، وان وزير النقل بصفته بجانب المختصين ورؤساء الهيئات يرسمون الخطة الاستراتيجية التى ستعتمد عليها هيئات الوزارة، وكشف ان هذه الهيئات التابعة لوزارة النقل فى حاجة ماسة إلى متطلبات مالية معينة لن يتم توفيرها الا فى وجود الوزير المتخصص فى موقعه.
وأكد ان %90 من حوادث السكة الحديد تقع نتيجة العامل البشرى وليس الاخطاء الفنية وان اقالة الوزير غالبا ما تكون غير ضرورية بالاضافة إلى انها تعوق الموافقات اللازمة للعديد من المشروعات المهمة فى جميع القطاعات، حيث إن اللجنة التى تشكلت برئاسته لدراسة طرح مناقصة لانشاء ثلاثة موانئ نهرية جديدة بقنا وسوهاج وأسيوط بنظام P.P.P بدلا من B.O.T أفادت بتعطل الموافقة على نظام طرح المناقصة نظرا لاستقالة المتينى من منصبه وانهم الآن فى انتظار الوزير الجديد لمناقشته فى المشروع.
وقال رئيس هيئة النقل النهرى سابقا إنه من الأجدى عدم إقالة وزير النقل تحت أى مسمى أو ظروف الا اذا ثبتت ادانته وعلى الحكومة اصدار قرار بهذا الشأن ليتمكن الوزير من متابعة عمله دون الخوف من الإقالة أو المساءلة القانونية عن حوادث ليس له دخل بها.
وطالب بضرورة تخصيص وزارة منفصلة للسكة الحديد لكى تتولى هذه الوزارة إدارة شئون السكة الحديد بميزانية مستقلة، بالاضافة إلى مطالبته بوزارة للنقل النهرى والبحرى معا للارتقاء بمستوى خدمة المواطن.
من جانبه، قال اللواء محمد عبدالقادر جاب الله، رئيس الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر، إن الخطط الخمسية لمشروعات تطوير موانئ البحر الأحمر الأربعة نويبع وسفاجا والادبية والغردقة التى بلغت تكلفتها نحو 600 مليون جنيه منذ عام 2007، لم تتأثر الأعمال بها بسبب حدوث تغييرات وزارية، لكن تعطيل الأعمال كان بسبب بعض العقبات البسيطة الخاصة بشركات المقاولات العاملة فى الموانئ.
وأشار إلى أن هناك خطوات تتخذ بشأن مشروع انشاء محطة الصب الجاف بميناء الأدبية، والتى فازت بها شركة «تشاينا هاربر» الصينية باستثمارات تتخطى الـ2.5 مليار جنيه وان الهيئة بدأت فى تسليم أرض المشروع للشركة الفائزة، ما يدلل على الالتزام الكامل بالتعاقدات المبرمة مع جميع الجهات وان إقالة الوزير أو استقالته لم تؤثر سلبا على سير الأعمال.
وأوضح جاب الله ان الدكتور طارق وفيق، وزير الإسكان والقائم بأعمال وزير النقل يستطيع الموافقة على أى مشروعات عاجلة بالوزارة وان المشروعات الموجودة بالخطة الاستراتيجية يتحتم تأجيلها لحين تعيين وزير مختص.
وأشار إلى ان معظم شركات وهيئات الموانئ بالقطاع البحرى تتبنى اتجاهاً باستقلال القطاع بوزارة جديدة على غرار وزارة الطيران المدني، حيث إن «روتين» وزارة النقل يعيق كثيرا الاستثمار الأمثل داخل القطاع البحرى نتيجة تكدس القطاعات داخل الوزارة.
واقترح رئيس هيئة موانئ البحر الأحمر ان تدير الوزارة الجديدة كوادر بحرية على دراية بكل مشاكله والا تتم الاستعانة بالوزراء التكنوقراط فى هذه الوزارة الوليدة.وتساءل كيف تكون لدولة بحجم جيبوتى وزارة للنقل البحرى ومصر ليس لديها؟
ولفت إلى ان الوزارة الجديدة ستعمل على تطوير الموانئ وتحسين الخدمات التى تقدمها للخطوط الملاحية العالمية، وانشاء محطات الحاويات الجديدة والمناطق اللوجيستية وانه خلال خطتين خمسيتين من انشاء وزارة النقل البحرى ستتبوأ موانئ مصر مكانة متميزة فى مصاف الموانئ العالمية.
وقال الدكتور محمد بلح، أستاذ هندسة النقل بجامعة عين شمس، إن عدم الاستقرار داخل أى وزارة من الوزارات يعرقل خطط التنمية المستدامة والخطط الاستثمارية للقطاع ان حيوية قطاع النقل لابد أن تجبر مسئولى الحكومة على عدم إقالة الوزير بعد وقوع الحادثة أو المشكلة، حيث إن القطاع سيزداد سوءا بعد إقالة الوزير المختص.
وطالب بضرورة دراسة طرق عديدة لمعالجة مشكلات قطاعات النقل وإدارة المخاطر، فضلاً عن محاسبة جميع المخطئين فى حق خدمة المواطن، لأن تأجيل التحقيق فى الحادث أمر وارد الا ان ارجاء التطوير لا يمكن التهاون فيه بأى شكل من الاشكال.
ولفت بلح إلى أهمية وضع خطة كاملة من جانب الحكومة لهيكلة جميع قطاعات النقل وان هذه الخطة لابد ان تحتوى على مقترح باستقلال هيئة السكك الحديدية عن وزارة النقل بهيكل إدارتها الحالى ورصد ميزانية مستقلة خاص بها من أجل تفعيل اللامركزية فى اتخاذ القرار.
كتب – إسلام عتريس