أصبح مصطلح التقشف شائعاً بعد أزمة الديون السيادية فى أوروبا، فعندما ارتفعت مستويات الديون بشكل غير مقبول اضطرت العديد من الدول إلى اتخاذ تدابير ضخمة لتخفيض عجز الموازنة وتجنب التعثر فى السداد.
وتطبق إجراءات التقشف حتى تتمكن الحكومات من تمويل أعمالها، وتشمل تخفيض الإنفاق الحكومى، مما ينتج عنه خفض فورى للديون المستقبلية وبالتالى تتراجع نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالي، فى حال بقاء الناتج مستقرا، ولكن فى بعض الأحيان تكون لإجراءات التقشف أثر سلبى، حيث تؤدى إلى انخفاض الناتج المحلى الاجمالى على مدار الوقت.
وتتضمن أيضاً رفع الضرائب لزيادة إيرادات الدولة، ولكن هذا يضع قيوداً على دافعى الضرائب والشركات العاملة داخل الدولة، وعلى النقيض قد يكون تخفيض الضرائب طريقة لدفع النمو من خلال تشجيع إنفاق القطاع الخاص والاستثمار.
وتقع أوروبا فى قبضة إجراءات تقشفية صارمة وتمر بأكبر تخفيضات فى القطاع العام منذ عقود طويلة، فالديون الهائلة والنمو المنعدم تقريبا لدول منطقة اليورو الطرفية ـ خاصة اليونان وإيطاليا وأسبانيا ـ هز ثقة الأسواق، وفى ظل ارتفاع أسعار الفائدة على السندات السيادية أصبح من الصعب بل من المستحيل عليهم الاقتراض من الأسواق العالمية.
وتلقت اليونان وأيرلندا والبرتغال حزم إنقاذ واسعة من الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولي، وتستهدف دول منطقة اليورو تخفيض عجز الموازنات إلى 3% من الناتج المحلى الإجمالى كحد أقصى بحلول السنة المالية 2014 ـ 2015، ويتبقى السؤال: ما تلك الإجراءات التى تتخذها الدول؟
تعد اليونان مصدر القلق الأكبر للاتحاد الأوروبى، فهناك مخاوف من عدم قدرتها على الالتزام بالإجراءات التقشفية، وتكهنات باحتمالية خروجها من منطقة اليورو، بعدما حصلت على حزمة انقاذ، احتاجت إلى أخرى جديدة بقيمة 130 مليار يورو، وأخذت المفاوضات مع المقرضين الدوليين شهورا قبل التوصل لاتفاق مارس الماضى.
واتخذت الحكومة اليونانية السابقة برئاسة لوكاس باباديموس المزيد من إجراءات التقشف لكى تحصل على حزمة الإنقاذ الثانية، فقد التزمت بتخفيض الإنفاق بما يعادل 1.5% من ناتجها، وتعهدت بتخفيض الحد الأدنى للأجور وجعل سوق العمل أكثر مرونة لزيادة تنافسية الاقتصاد.
كما تتضمن التدابير التى اتخذتها الدولة ضريبة عقارية جديدة وتعليق عمل 30 ألف موظف حكومى براتب جزئي، بالإضافة إلى تشديد شروط الائتمان وتهدف هذه الإجراءات إلى تخفيض نسبة الدين اليونانى من 160% من الناتج المحلى الإجمالى إلى 120% بحلول 2020.
ووصل الدين العام فى إيطاليا إلى 1.9 تريليون يورو أى حوالى 120% من إجمالى الناتج المحلي، مما أطاح بحكومة برلسكونى وحل محله ماريو مونتى الذى تعهد بإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح.
وكانت حكومة برلسكونى قد تبنت بالفعل حزمة تقشف فى يوليو 2011 تضمنت زيادة رسوم الرعاية الصحية وتخفيض الدعم الحكومى والمعاشات وتقليل المزايا الضريبية للأسر، ثم جاءت حكومة مونتى بالمزيد من إجراءات التقشف من بينها زيادة الضرائب على الأثرياء، ورفع سن التقاعد، ونظمت حملة واسعة لمكافحة التهرب الضريبي، كما خفضت الأجور فى القطاع العام وعلقت التعيينات الجديدة، وقررت توظيف واحد فقط لكل خمسة أشخاص يرحلون، وتهدف الحكومة إلى تخفيض الإنفاق العام 4.2 مليار يورو هذا العام.
وتبنت أيرلندا أقسى خطة تقشف فى تاريخها حيث تعهدت بتخفيض العجز فى الموازنة بمقدار 6 مليارات يورو فى 2011 من خلال تخفيض الإنفاق الحكومى بمقدار 4 مليارات يورو، وتعرض جميع العاملين بالقطاع الحكومى إلى تقليل رواتبهم بنسبة 5% على الأقل، كما رفعت ضريبة القيمة المضافة 23%، وقللت إعانة الأطفال وأغلقت بعض مبانى الشرطة.
أما البرتغال فقد اتبعت سلسلة من إجراءات التقشف من بينها تخفيض أجور كبار موظفى القطاع الحكومى بنسبة 5% ورفع ضريبة القيمة المضافة 1%، وزيادة ضريبة الدخل على ذوى الدخول المرتفعة، كما خفضت الإنفاق العسكرى وأجلت مشروعين سكة حديد كبيرين.
كما تبنت أسبانيا موازنة تقشفية فى 2011 تضمنت زيادة الضرائب على الأغنياء والتبغ وتخفيض الإنفاق الحكومى بنسبة 8%، وقررت هذا العام تخفيض ميزانيات الوزارات بنسبة 16.9% من اجل تخفيض العجز للمستوى المتفق عليه مع المفوضية الأوروبية إلى 5.3% من الناتج المحلى الإجمالى خلال العام الجارى.
اعداد ـ رحمة عبدالعزيز ونهى مكرم