تعافى إنتاج البترول فى العراق بسرعة ادهشت قطاع الطاقة العالمى، فقد كانت الدولة تشكل 5% من الإنتاج العالمى فى قمة مجدها، ولكن دمرتها الحرب التى خاضتها فى إيران عام 1980، وعاصفة الصحراء فى 1991، والغزو الأمريكى فى 2003 قطاعها البترولى، بالإضافة إلى سنوات من العقوبات الدولية.
كل هذا بدا فى التغير فى 2008، عندما وقعت العراق عقودا مع مجموعة من أكبر الشركات الأجنبية لتطوير حقولها الجنوبية، ومع تحسن الأمن وتدفق التكنولوجيا الغربية، ارتفع الإنتاج ووصل إلى أعلى مستوى منذ الغزو الأمريكى فى يناير الماضى.
وفى يوليو الماضي، تجاوزت العراق إيران لتصبح ثانى أكبر منتج للبترول فى منظمة الأوبك لأول مرة منذ أواخر 1980.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتضاعف الإنتاج العراقى لأكثر من الضعف بنهاية العقد، وأن تصبح العراق ثانى أكبر منتج للبترول فى العالم بعد السعودية بحلول 2030.
ومع ذلك تلوح فى الأفق عاصفة تخيم على هذه النظرة المشمسة، فالعنف يتصاعد مجدداً مما يثير مخاوف بعودة العنف الطائفى الذى تفشى فى العراق على مدار العقد الماضي.
دفع هذا العنف شركات البترول إلى الاستثمار بشكل مكثف فى ضمان الأمن، وحصنت شركة «بى بي» قاعدتها فى حقل الرميلة بعشرات المسلحين وأحاطته بأبراج مراقبة.ولكن الأوضاع الأمنية ليست المشكلة الوحيدةـ فبعض الشركات بدأت تيأس من البيروقراطية العراقية والبطء الشديد فى اتخاذ القرار والعائدات الهزيلة التى تضمنها لهم العقود.
كما بدأت تنظر إلى شمال الدولة، كردستان العراق، وهى منطقة غير مستكشفة نسبيا ويقدر احتواؤها علىحوالى 45 مليار برميل بترول، ومعظم الشركات التى وقعت عقوداً مع الحكومة المحلية فى كردستان صغيرة وليست متواجدة بالحقول الجنوبية، باستثناء شركو « إكسون موبيل» التى دخلت المنطقة الشمالية العام الماضى.
ولكن اعترضت بغداد وخيرت «إكسون» ما بين الالتزام باستثماراتها فى الجنوب فقط أو استكشاف حقول جديدة فى الشمال، وفضلت الشركة الخيار الثانى وعرضت حصتها فى مشروع غرب القرنة 1 للبيع.
وهناك شركة واحدة متمسكة بالجنوب وهى «بى بى» البريطانية، فقد كانت الشركة الأولى التى تأتى إلى جنوب العراق وهى ميزة حفظتها كثيراً من المشكلات التى تعرضت لها منافساتها، كما أعطاها عملها فى حقل الرميلة ميزة أخرى، نظرا لأنه ثانى أكبر حقل فى العالم بعد حقل الغوار فى السعودية من حيث الإنتاج.
وصرح مايكل تاونشيند، الرئيس الإقليمى فى العراق لشركة «بى بى»، لجريدة الفاينانشال تايمز أن حقل الرميلة ينتج حوالى نصف الميزانية الفيدرالية للعراق، لذا عندما يزعج الشركة أمر ما نتوجه مباشرة إلى وزير البترول العراقى، مضيفاً أنه يقابله كل أسبوعين أو نحو ذلك.
واكتشفت شركة «بى بى» حقل الروميلة فى 1953، ثم آل إلى الحكومة عندما خصخصت العراق قطاع البترول، وعندما تعرضت الدولة لعقوبات دولية أصبح من المستحيل الحصول على قطع غيار ومعدات صيانة، وتدهور الحقل.
وعندما أرادت الحكومة إعادة الحقل إلى سابق عهده وقعت 19 عقداً فنياً مع شركات بترول دولية، وبموجب هذا الإتفاق، تعهدت الشركة البرطانية وشركائها ـ «سى إن بى سى» الصينية وشركة نفط الجنوب العراقية، بمضاعفة إنتاج الحقل إلى ثلاثة أضعاف عند مستوى 2.85 مليون برميل يوميا، على أن يحصلوا على 2 دولار لكل برميل ينتجونه فوق حد أدنى مبدئي، مما يعنى أن نصيب الأسد من الإيرادات ذهب للحكومة.
وتبقى البنية التحتية مشكلة أخرى فى العراق، بسبب عدم كفاية محطات الضخ وخطوط الأنابيب والمخازن.
ويعد نقص المياه مصدر قلق كبير، لأن العديد من الحقول الكبيرة تحتاج مياهاً للحفاظ على ضغط المخزون، وقامت شركة «إكسون» بقيادة مشروع لمعالجة وضخ مياه البحر من الخليج إلى الحقول الجنوبية، ولكنها واجهت صعوبات بعد انسحاب الولايات المتحدة هذا العام.
كما اشتكت الشركات الأجنبية من تأخير الحكومة العراقية لمستحقاتهم مما أثر سلبا على مشروعاتهم التوسعية، وهدد بعضهم باتباع «إكسون» والتحول إلى الشمال إذا لم تعالج الحكومة مشكلاتها البيروقراطية.
وقال رائد القديرى، شريك فى شركة «بى إف سى إنرجى» للاستشاراتـ إن الحكومة تعترض فى كثير من الأحيان على تكلفة بعض المشروعات، لأنها عاشت 20 عاماً من العزلة وبالتالى تقلل من تكلفة العمل فى بيئة تتطلب إجراءات أمنية عالية.
اعداد – رحمة عبد العزيز