خطى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند خطوة نحو الاعتراف بمعاناة الجزائر فترة الاحتلال الفرنسي الذي دام أكثر من قرن دون يقدم اعتذارا رسميا.
وقال أولاند -فى خطاب تاريخي ألقاه صباح الخميس- أمام البرلمان الجزائري بغرفتيه (الأمة والنواب) بقصر الامم بنادي الصنوبر بالعاصمة الجزائرية “إنه لأكثر من قرن خضعت الجزائر لنظام ظالم وعنيف.
واعترف أولاند بالألأم التى سببها الاحتلال الفرنسي للجزائر، ومن بينها الأحداث التى وقعت فى مدينة سطيف عام 1945، فوفقا للمراجع العالمية فقد قتل فى هذه الأحداث أكثر من ستة آلاف شخص خلال يوم واحد بسبب رفض أهالى المدنية المشاركة فى احتفالات فرنسا بالفوز فى الحرب العالمية الثانية وطرد الاحتلال الألمانى من أراضيها.
وقال الرئيس الفرنسي: “إن بلاده تحترم الذاكرة وتضع على عاتقها الإفصاح عن الجرائم والتعذيب، ونفصح عن الحقيقة ولابد أن نسمح للمؤرخين بالاطلاع على الأرشيف الذى تحتفظ به السلطات الفرنسية حتى يعرف الجميع الحقيقية، فى إشارة ضمنية إلى موافقة بلاده على تسليم الأرشيف الذي تحتفظ به فرنسا وطالبت به الجزائر منذ عقود طويلة لتسجيل جميع الأحداث التى ارتكبتها قوات الاحتلال فى الجزائر.
واستطرد فرانسوا أولاند قائلا: “إنه ينبغي على الجميع قول كل الحقيقة” حول الاستعمار الفرنسي للجزائر، مؤكدا أن الصداقة بين الجزائر وفرنسا يجب أن ترتكز على قاعدة أساسية ومهمة، ألا وهى “الحقيقة”، حتى وإن كانت مؤلمة فيجب قولها لأبناء شعوبنا إذا ما اردنا بناء المستقبل بشكل أفضل.
وأشار إلى أن هناك تاريخا إنسانيا مشتركا بين الجزائر وفرنسا، حيث كانت الجزائر العاصمة عاصمة لفرنسا الحرة خلال فترة الاحتلال الألمانى لباريس، كما يوجد 700 ألف جزائري يقيمون فى فرنسا ساهموا فى بناء الدولة الفرنسية فى مختلف المجالات، كما يوجد 25 ألف جزائرى يدرس الآن فى الجامعات الفرنسية.
وأكد فرانسوا أولاند فى خطابه الذى يعد الأول من نوعه لرئيس فرنسى أمام البرلمان الجزائر من استقلال الأخيرة عام 1962 – أن الغرض من زيارته للجزائر هو الحرص والتركيز على مستقبل العلاقات بين البلدين عن طريق دعم التعاون الأقتصادى بين باريس والجزائر للعمل معا لإعادة أحياء الأتحاد من أجل المتوسط .
وعرف الاتحاد من أجل المتوسط في بداية إطلاقه بمشروع الاتحاد المتوسطي، وهو هيئة تضم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلي الدول المطلة علي البحر المتوسط من بينها إسرائيل، بالإضافة إلى الأردن وموريتاني.
وكان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي قد أعلن في 13 يوليو 2008 عن انطلاق هذا الاتحاد الذي يهدف إلى إقامة مشروعات تنموية بشأن البحر المتوسط والدول المطلة على شواطئه.
وأشار أولاند إلى أن وثيقة التعاون التى وقعت -الأربعاء- بين الحكومتين الفرنسية والجزائرية تمتد لخمس سنوات وتشمل شراكة إستراتيجية على قدم المساواة لتعاون فى المجال الأقتصادى ونقل التكنولوجيا والسماح للشركات الفرنسية للاستثمار فى الجزائر، بالإضافة إلى توسيع مجال التدريب للشباب وزيادة المنح الدراسية للجزائريين وتسهيل منح التأشيرات. وأعرب أولاند عن رغبته فى بناء مقر دائم للدارسين الجزائريين فى المجمع الدراسي فى باريس.
وحول موقف فرنسا من ثورات الربيع العربى، أكد فرانسوا أولاند أن بلاده تساند حق الشعوب فى البلاد التى شهدت ثورات الربيع العربى فى الحصول على حريتهم وإنشاء نظم ديمقراطية , مشيرا فى نفس الوقت إلى أن فرنسا والجزائر صوتتا مؤخرا لصالح انضمام فلسطين إلى عضوية الأمم المتحدة كدولة مراقبة، إلا أنه يجب أن يتوقف مظاهر العنف والتوتر وتعيش وفلسطين فى سلام.
ووقعت فرنسا والجزائر -مساء الأربعاء- على سبع اتفاقات تعاون بينهما في مختلف المجالات بحضور الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ونظيره الفرنسي فرانسوا أولاند.
وكان فرنسوا أولاند قد بدأ -الأربعاء- زيارة رسمية للجزائر تعد الأولى لدول عربية منذ انتخابه فى مايو الماضي، على رأس وفد وزاري من وزير الخارجية لوران فابييس ووزير الداخلية مانويل فالس و وزير الدفاع جون إيف لودريان و وزيرة التجارة الخارجية السيدة نيكول بريك، بالإضافة إلى الجنرال بونوا بيجا رئيس الأركان الخاص للرئيس هولاند وأعضاء من البرلمان بغرفتيه و عدد كبير من رجال الإعمال ومائة صحفي ومذيع من مختلف وسائل الأعلام الفرنسية.
أ ش أ