رسمت التقارير الأخيرة التى جاءت من داخل سوريا صورة قاتمة على مستوى جانبى النزاع ففى حلب، مازالت المعارضة المسلحة منقسمة كالعادة والنهب أمراً شائعاً بينهم، فضلاَ عن ازدياد التنافس بين أعضائها، وفى دمشق فإن الوضع بالنسبة للأسد وحاشيته آخذ فى التدهور، فالرئيس نفسه منعزل وخائف كما تشير بعض الروايات وغالباً ما يكون مختفياً عن الأنظار ولا يغامر بالخروج، كما أن قدرة قوات حلفاء الأسد على شن عمليات عسكرية آخذة فى التراجع، خاصة أن روسيا بدت وكأنها تنأى بنفسها بعيداً عن الأسد إن لم يكن عن سوريا بأكملها.
عادة ما تكون الأساليب المستخدمة لتفسير الأوضاع المعقدة كالصراعات أوالميل إلى القياس على الأحداث التاريخية لتفسير الأحداث الجارية مضللاً فقد فشل كل المتخصصين فى التنبؤ بانهيار الاتحاد السوفيتى، والشىء نفسه يمكن أن ينطبق على المتخصصين فى دراسات الشرق الأوسط، الذى لم يفشلوا فقط فى التنبؤ بالربيع العربى ولكنها بدأت أيضاً فى استخدام مصر وتونس كنماذج يقاس عليها كيف ستنتهى الثورات الأخرى.
وتشير جميع الاحتمالات إلى أن نهاية النظام السورى باتت أمراً حتمياً إن لم يكن فى القريب العاجل، لهو ليس فى المستقبل البعيد، والسؤال المطروح حالياً: ما الذى سيحدث بعد ذلك؟ لا يمكننا القول بأن سوريا بعد الأسد، بتوتراتها الاجتماعية والطائفية، سوف تشبه ليبيا فى مرحلة ما بعد القذافى أو العراق بعد الإطاحة بصدام، فجميع الصراعات وأوضاع ما بعد الصراع غير سعيدة وغير مستقرة، ولكن الأوضاع كانت مختلفة فى كل دولة عن الأخرى.
فما يمكن أن نقوله عن الربيع العربى ليس إلى أين سينتهى بنا ولكن أين وصل بنا الآن، فالسمة المهيمنة عليه حتى الآن هى صعود نوع مختلف من الإسلام السياسى شكلته جماعة الإخوان المسلمين ليكون ظاهرة دولية، ورغم ذلك، نجد أنه من الصعب تعميم صفات الإخوان المسلمين، فحركة حماس، الفرع الفلسطينى فى غزة، قد تشكلت صفاتها من خلال تجربتها مع النزاع المسلح، تماماً كالإخوان المسلمين فى مصر الذين جاءوا على هذه الشاكلة جراء تجاربهم مع حكام مصر السابقين.
الظاهرة الثانية فى الربيع العربى هى النشاط المتزايد من قبل دول الخليج ولاسيما قطر والمملكة العربية السعودية، حيث أصبحت المحاور المختلفة للنفوذ والأموال والمساعدات القطرية الرسمية وغير الرسمية سمة رئيسية من قبل أكثر من حاكم عربى ممن أثارت قطر غضبهم، بأنها محاولة سافرة من قبل حكامها الملكيين، لتكون «داخل المطبح وليس فى قائمة الطعام»، أى لتحصين نفسها ضد التهديدات الداخلية.
والسمة الرئيسية الثالثة للربيع العربى الأشد خطورة هو الاحتقان المتزايد للعداء الطائفى بين السنة والشيعة فى المنطقة، وظهور مصر وقطر وتركيا كمحور للنفوذ السنى فى المنطقة، جعلهم بذلك فى موقف معادى لإيران، الآخذة عزلتها فى الازدياد التى بات سعيها لبناء نفوذها فى المنطقة من خلال تحالفها مع حزب الله والأسد فى سوريا يواجه خطراً شديداً.
وأخيراً، القضية التى تعد أكثر غموضاً حتى الآن هى كيف أثرت التغييرات التى أحدثها الربيع العربى على إسرائيل، فمع تزايد عدم الاستقرار الأمنى فى سيناء ولبنان وتداعيات معاناة الشمال جراء الحرب فى سوريا حتى إن الأردن لم تسلم من الاضطرابات السياسية، جنباً إلى جنب مع قصور واضح فى اهتمام أوباما بكسر الجمود فى عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، ومن المرجح أن يؤدى كل ذلك إلى تدمير آفاق حل الدولتين.
إعداد: نهى مكرم
المصدر ـ صحيفة الجارديان البريطانية