مع توقعات نمو سوق الخدمات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 12% سنوياً بحلول عام 2015، وفقاً لتقديرات شركة بوز أند كومباني، بمقدور شركات الاتصالات اغتنام هذا النمو بفعالية من خلال تعظيم الاستفادة من مزاياها التنافسية.
استنادا إلى أداء الشركات العاملة في أسواق الدول المتقدمة والتي توسعت في تقديم الخدمات الرقمية، باستطاعة شركات الاتصالات الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحقيق ما يدنو من 25% من عائداتها الإجمالية من مجموعة الخدمات الرقمية. وفي الواقع، يخلق النمو المتسارع في الطلب على الخدمات الرقمية، بين المستهلكين والشركات والحكومات في المنطقة، فرصة ثمينة لشركات الاتصالات التي تستطيع المنافسة في هذه السوق الناشئة سريعا بفضل شبكاتها واسعة الانتشار، وعلاقاتها الراسخة بالعملاء، ورؤاها حول ميول العملاء. وفي هذا السياق، كشف التقييم الذي أجرته شركة الاستشارات الإدارية الرائدة بوز أند كومباني أنه على شركات الاتصالات بناء مجموعة قدرات جديدة كليا من أجل النجاح في هذا المسعى والتغلب على التحديات القائمة.
فرصة نمو هائلة
توفر الرقمنة في المنطقة إمكانات هائلة لشركات الاتصالات. وفي الحقيقة، تتوقع شركة بوز أند كومباني أن سوق الخدمات الرقمية في المنطقة ستصل قيمتها إلى 35 مليار دولار أميركي بحلول عام 2015؛ وعليه، فإن شركات الاتصالات المهيأة جيدا سيكون لها الأسبقية في تلبية هذا الطلب المتزايد.
وفي هذا الصدد، يفيد بهجت الدرويش، وهو شريك في بوز أند كومباني قائلا ”يظهر جليا التطور الذي تشهده الرقمنة في جميع أنحاء المنطقة. ففي غضون السنوات الأخيرة، تم التوسع في إنشاء البنية التحتية للألياف البصرية التي تمثل العماد الرئيسي للرقمنة، ولاسيما في البلدان الغنية بالموارد في مجلس التعاون الخليجي“.
وفي الوقت نفسه، تنامى طلب العملاء على جميع المنتجات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نظرا لكون معظم سكانها من جيل الشباب إضافة إلى توافر الأجهزة والتطبيقات الذكية، وذلك على مستوى أربع شرائح رئيسية في السوق:
§ المستهلكون: ينضم 36,000 مشترك كل يوم إلى موقع الفيسبوك في المنطقة، فضلا عن نمو غير مسبوق لمستهلكي الخدمات الرقمية الذين سرعان ما ينتظرون الحصول على مجموعة واسعة من الخدمات والمحتويات الرقمية
§ الشركات الصغيرة والمتوسطة: يتزايد اعتماد الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة على التقنيات والخدمات الرقمية لإدارة التحديات التشغيلية الأساسية التي تتمثل في ضعف التدفق النقدي وعدم توافر قدرات داخلية في مجال تقنية المعلومات
§ الشركات الكبيرة: تساهم الرقمنة في تطوير نماذج عمل الشركات الكبيرة في المنطقة. وفي الواقع، يتزايد اعتماد هذه الشركات على النظم القائمة على الاتصالات الآلية (M2M)، كما تتحول مختلف الصناعات المرتبطة بها إلى الخدمات الرقمية لخلق ميزة تنافسية في أسواقها
§ الحكومات: تدرك حكومات المنطقة أيضا المزايا طويلة الأمد للرقمنة. فقد أطلقت مؤخرا بعض الحكومات على غرار قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مبادرات رقمنة واسعة النطاق ينصب تركيزها على رقمنة العمليات الحكومية، وتقديم الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، ورقمنة الخدمات العامة مثل الصحة والمرافق والنقل.
حق المنافسة
حق المنافسة
مع الركود الذي تشهده عائدات خدمات الصوت والبيانات التقليدية، تسعى شركات الاتصالات إلى فرص نمو جديدة، وتبدو الخدمات الرقمية هي الحل الواضح، ولاسيما نظرا لقرب طبيعة السوق الجديدة من خدمات الصوت والبيانات إضافة إلى مستويات الانتشار العالية لخدمة البرودباند المتنقل والثابت في المنطقة.
وتعليقا على هذه المسألة، يوضح لؤي أبو شنب، وهو مدير أول في بوز أند كومباني قائلا ”هناك ست شرائح من الخدمات ذات الصلة التي يمكن لشركات الاتصالات في المنطقة بناء مجموعة خدمات رقمية مرتكزة حولها وهي: الاتصالات الآلية، والتطبيقات والمحتوى، وتطوير النظم، والحوسبة السحابية، وتكامل النظم، وإدارة الخدمات. ويمكن تسويق تلك الخدمات كمنصات أفقية تشمل شرائح العملاء أو القطاعات المختلفة أو كليهما، أو يمكن تسويقها كحزم خدمات تستهدف شرائح محددة من العملاء أو القطاعات المختلفة“.
تتبوأ شركات الاتصالات في المنطقة مكانة متميزة في السوق الناشئة للخدمات الرقمية، وذلك على النحو التالي:
§ البنى التحتية للشبكات: تستفيد شركة اتصالات الإماراتية من تغطية شبكتها للجيل الثالث وتتشارك مع Pacific Controls لتطوير نظم الاتصالات الآلية
§ معلومات العملاء: تستفيد شركة الاتصالات السعودية من رؤى العملاء لتكييف الخدمات بشكل حيوي مع العروض الترويجية الجذابة الموجهة للعملاء ذوي الاحتياجات المعينة.
§ عرض متكامل وفاتورة موحدة: تقدم شركة اتصالات الإماراتية لعملائها باقة eLife الثلاثية التي تضم خدمات التلفزيون والبرودباند والهاتف الثابت مع التمتع بخصم يصل إلى 20% على الاشتراك الشهري
§ علاقات عملاء راسخة: تتشارك موبايلي مع برنامج يسر للحكومة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية لتوفير البنية التحتية التي تربط الوزارات وبعضها من أجل إطلاق خدمات الحكومة الإلكترونية
وبفضل هذه الأصول التقنية القائمة، تملك شركات الاتصالات في المنطقة دون شك إمكانية المنافسة كشركات لتقديم النظم الرقمية المتكاملة.
أبرز التحديات
على الرغم من أن سوق الخدمات الرقمية في المنطقة جاذبة للغاية، سيكون على شركات الاتصالات مواجهة تحديات لا حصر لها.
وتوضيحا لهذه التحديات، يفيد جاد الحاج، وهو مدير أول في بوز أند كومباني قائلا ”تحتاج شركات الاتصالات إلى تطوير مهارات التقنية ونماذج العمل للاستفادة من فرص الخدمات الرقمية ذات الصلة. وهو الأمر الذي يتطلب أيضا معرفة سلسلة تقديم خدمات الرقمنة. فمع دخول تلك الشركات إلى مجال الخدمات الرقمية، ستواجه منافسة محتدمة من موردي الأجهزة والبرمجيات، ومقدمي خدمات تقنية المعلومات، ومقدمي خدمات الإنترنت. وأخيرا، فإنها تحتاج إلى إشراك شركائها في العمل بطرق جديدة وتعاونية تختلف عن العلاقات التعاقدية القائمة“.
وقطعا فإن شركات الاتصالات التي بمقدورها بناء القدرات التكميلية في هذه المجالات في الوقت المناسب وبشكل متميز، سوف يكون لها الأسبقية والريادة في سوق الخدمات الرقمية على صعيد المنطقة.
مجموعات قدرات جديدة
تحتاج شركات الاتصالات العاملة في المنطقة والتي تسعى لدخول السوق الرقمية إلى استحداث عروض خدمات تميزها عن غيرها من الشركات. ففي أسواق الدول المتقدمة، اتبعت شركات الاتصالات التي توسعت في الخدمات الرقمية أحد منهجي العروض المتميزين وهما: تمكين التقنية الرقمية أو تمكين المنظومة الرقمية.
ويستطرد لؤي أبو شنب قائلا ”سواء اختارت شركات الاتصالات المنهج الأول أو الثاني، فإنها ستحتاج إلى تطوير قدرات محددة من أجل تحقيق النجاح في السوق، وهي القدرات التي يتعين موائمتها لخلق ميزة تنافسية، وتشمل مجموعة من المهارات والمعارف والسلوكيات والعمليات والهياكل والتقنيات. ففي سوق الخدمات الرقمية، ثمة أربعة مجالات تتركز فيها قدرات التميز وهي: الابتكار، وتقديم النظم الرقمية، وإدارة المنصات، وخبرات التسويق، وهي التي إن طورت بشكل قوي ومتكامل، فإنها ترسخ أسس نجاح شركة الاتصالات في الفضاء الرقمي“.
الابتكار
من أجل تطوير عروض الخدمات الرقمية، ستحتاج شركات الاتصالات إلى احتضان ورعاية الابتكار القائم على آليات السوق. كما سيتعين عليها تصور مفاهيم جديدة للخدمات، وخلق ثقافة استباقية تعزز الابتكار، والاستفادة من أوجه التعاون على مستوى قطاعات الأعمال وشرائح العملاء. بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج إلى إجراء دراسات حالة مقنعة، وكسب الدعم الداخلي، والحصول على التمويل اللازم لمفاهيمها الرائدة.
تدرك شركات الاتصالات الرائدة أن القدرة على الابتكار ركيزة أساسية لنجاحها، وبالفعل تعكف العديد من شركات الاتصالات في المنطقة على تطوير قدراتها التنظيمية سعيا نحو الابتكار في الخدمات الرقمية.
تقديم النظم الرقمية
يعتبر تقديم النظم الرقمية ركنا أساسيا لتطوير خدمات رقمية شاملة ومخصصة، حيث يخلق الأرضية المشتركة اللازمة لتجميع الموردين وتمهيد الطريق للاستعداد التشغيلي. وتبدأ عملية تقديم الخدمات الرقمية بتحديد الوصف المفصل لخصائص الخدمة الأساسية من منظور المستخدم النهائي. علاوة على ذلك، يساهم الوصف في صياغة كيفية تفاعل وتعاون مختلف وحدات الوظائف والأعمال لتقديم خدمة شاملة وضمان توافق أي خدمة جديدة مع الشبكات القائمة لشركات الاتصالات ونظم تقنية المعلومات المطبقة لديها.
ويستطرد جاد الحاج قائلا ”على الرغم من امتلاك شركات الاتصالات في المنطقة لقدرات قوية على استحداث خدمات الاتصال التقليدية، فإنها ستحتاج على الأرجح إلى استقدام خبراء في تصميم النظم يتمتعون بسجل حافل في تطوير خدمات تقنية شاملة لدعم دخولها إلى سوق الخدمات الرقمية. وقد استهلت بالفعل بعض الشركات الإقليمية تطوير هذه القدرات من خلال إبرام شراكات اقتصادية“.
إدارة المنصات
ستحتاج شركات الاتصالات التي اختارت تطوير مجموعة شاملة من الخدمات الرقمية إلى بناء منصة شاملة وعامة من خلال التطوير الداخلي، والشراكات، وعمليات الاستحواذ. فضلا عن أن نموذج التشغيل المعد بإحكام ضروري أيضا لضمان استيعاب الجهات المعنية للتوجه الاستراتيجي، والمهام والاختصاصات، وواجهات تفاعل العمليات، وعملية نقل المسؤوليات.
وقد شرعت بعض شركات الاتصالات بالفعل في تطوير منصات عامة، ويمكن لتلك الشركات التي تعجز عن بنائها داخليا الاستفادة من وحدات الاستثمار الاستراتيجي لديها في عمليات الاستحواذ على الشركات المنافسة. كما تحتاج شركات الاتصالات أيضا إلى إجراء تقييم دقيق لما يعوزها من قدرات وتحليل الخيارات المتاحة أمامها عند اتخاذها لقرار البناء أو الشراكة أو الشراء.
خبرات التسويق
ستحتاج شركات الاتصالات إلى خبرات تسويق قوية للنجاح في تقديم الخدمات الرقمية. ولحسن الحظ، تمتلك الشركات الإقليمية قدرات جيدة نسبيا في مجال تقديم خدمات الاتصالات التقليدية، كما نجحت معظمها في طرح منتجات اتصالات متطورة في السوق الشاملة.
وقد تحتاج شركات الاتصالات التي تقدم خدماتها إلى المؤسسات التجارية إلى تشكيل فرق مبيعات تتمتع بخبرات في قطاعات الأعمال وقادرة على تصميم وبيع الخدمات التي تعالج مشاكل الأعمال الملحة. علاوة على ذلك، يتعين عليها أن تكون قادرة على دمج النظم الرقمية التي سيتم إنتاجها على نطاق كبير لتلبية احتياجات المستهلكين والشركات الصغيرة، أو تكييفها خصيصا لتلبية احتياجات الشركات الكبرى والحكومات ومقدمي الخدمات.
ويختتم بهجت الدرويش حديثه معربا ”مع اقتراب تشبع الأسواق الأساسية لخدمات الصوت والبيانات، تحتاج شركات الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى برنامج نمو جديد، وبالفعل توفر سوق الخدمات الرقمية فرصة جذابة لتحقيق غاية النمو المنشودة. وستكون شركات الاتصالات الرائدة في عالم الغد هي تلك التي تبادر باغتنام فرص النمو في سوق الخدمات الرقمية في اللحظة الراهنة. وستضمن تلك الشركات مستقبلا مزدهرا من خلال تحديد وتطوير مجموعات القدرات في المجالات الأربعة الموصوفة أعلاه، مما يسمح لها بتمييز نفسها بنجاح في شرائح السوق والمناطق الجغرافية التي اختارت المنافسة فيها. وهذه هي شركات الاتصالات التي سوف تربح السباق في المنطقة في خضم سوق ناشئة سريعة النمو للخدمات الرقمية“.
تنشر بالاتفاق مع فوربس الشرق الاوسط