مدينة المحلة الكبرى كانت إحدى قلاع الصناعة المصرية.. و عنواناً لصناعة الغزل والنسيج فى مصر لسنوات طويلة عاشتها هذه المدينة مزدهرة بمصانعها، ولكن مع تحرير التجارة وفتح الباب أمام المنتج الأجنبى تغيرت الأوضاع بهذه المدينة ولم تستطع مصانعها العامرة بآلاف العمال الصمود أمام طوفان الإغراق القادم من الخارج ورغم محاولات المقاومة إلا أن الأوضاع لم تتغير ويوماً بعد يوم ساءت الأحوال بمصانع المدينة على القطاعين العام والخاص.
وأدى سوء الأحوال بالمدينة إلى اندلاع شرارة ثورة 25 يناير من المحلة الكبرى عندما انطلقت مظاهرات عمال المحلة عام 2008 تندد بما آل إليه حال المدينة الصناعية التى توقفت مصانعها وعجز كثير منها عن سداد الأجور والمرتبات للعمال ومنددين بتجاهل الحكومة لإنقاذ صناعة الغزل والنسيج، والآن وبعد الثورة مازالت هذه المدينة تعانى ومصانعها ما بين المغلقة والمتعثرة والأسباب كثيرة منها مشاكل التمويل والتعثر مع البنوك والمنافسة مع المنتج الأجنبى وزيادة حالات التهريب.
«البورصة» ذهبت إلى مدينة المحلة الكبرى لترصد الواقع المر لهذه القلعة الصناعية، خلال ندوة مع جمعية مستثمرى المدينة فإلى تفاصيل الندوة.
● البورصة: فى البداية نعلم أن هناك مشاكل عديدة تعانيها المصانع بالمدينة وتحديداً عقب ثورة يناير نود التعرف عليها؟
● محمد القليوبى: المستثمرون والصناع فى مصر كلها وليس فى المحلة فقط فى حالة ترقب لحين هدوء الأوضاع السياسية والأمنية فى البلاد.
مشيراً إلى ان وضع الاستثمار لقطاع الغزل والنسيج فى المحلة فى تدهور مستمر وان نسبة الإفلاس والتعثر فى المصانع بلغ حدود غير مسبوقة وهناك عدد كبير من المصانع بالفعل بدأت فى التخارج من السوق.
● أسامة الشيخ: عندما تغلق أو تتعثر أكبر مصانع الغزل والنسيج التى تحصل على الدعم وتقوم بالتصدير فمن الطبيعى أن تختفى المصانع الصغيرة ويجب على الدولة أن تدرس سبب إغلاق هذه المصانع، مشيراً إلى أن هذه الشركات مثل شركة «أبو السباع للمفروشات» التى كانت تصدر بـحوالى 450 مليون جنيه فى طريقها للإغلاق الآن بسبب نقص السيولة، وهناك ايضاً عدد كبير من المصانع الكبيرة مثل مصنع السامولى، مصنع فجر المحلة، نهضة المحلة و«إى تى تى للوبريات» تحتاج كل هذه المصانع إعادة هيكلة وتسوية مشكلاتها مع البنوك.
● محمد القليوبى: البنوك تحجم تماما عن تمويل قطاع النسيج والمصانع المتعثرة فى المحلة لأن القطاع لم يعد جاذبا للاستثمار أو التمويل بسبب المخاطر الداخلية والخارجية التى يتعرض لها وعدم وجود اى توجه حقيقى وفعال للدولة لإنقاذ هذه الصناعة.
وأطالب البنك المركزى بإلزام البنوك بتمويل المصانع المتعثرة فى كل القطاعات وليست قطاعات النسيج فقط.
كما أطالب بأن تتحمل الدولة ضخ أجور إضافية لعمال القطاع الخاص للتساوى مع دخول العاملين بالقطاع العام من خلال آلية محكمة لحماية هذه الصناعة وتحفيز العمال لعدم الهروب من هذه الصناعة وتسوية مشاكل المصانع المتعثرة مع البنوك.
● البورصة: ولكن ما آليات الإنقاذ لهذه الصناعة هل تحتاج تشريعات عاجلة أم ماذا؟
● القليوبى: إن ما يحتاجه بالفعل قطاع الاستثمار والصناعة الآن هو التشريعات التى لم تتغير والتى تعوق العمل وأن أهم هذه التشريعات المطلوبة حالياً هو الخروج الآمن من السوق للمصانع وهو أشبه بقانون “إفلاس” للمصانع المتعثرة لتستطيع الخروج من السوق عندما لا تكون قادرة على المنافسة دون أن يكون عليها أى مساءلة قانونية وتسوية اوضاعها المالية فى البلد التى كان يقيم نشاطه على أرضها لكى لا يظل ملاحقا من هذه الدولة، مشيراً إلى أنه قانون موجود ولكنه غير مفعل وطالب القليوبى بضرورة تفعيله، مؤكدا أنه فى حالة تفعيلة سيساعد كثيراً فى جذب الاستثمارات الأجنبية والمصرية دون الخوف من عملية التخارج إذا لم يفلح نشاط المصنع فى هذه الدولة.
● البورصة: إذا كان هذا حال القطاع الخاص، فماذا عن قطاع الأعمال العام فى هذه الصناعة؟
● القليوبى: الـ 24 شركة التابعة للقطاع العام فى الغزل والنسيج خاسرة ووصلت خسارتها لحوالى مليار جنيه مشيراً إلى أنه يؤثر بالطبع على القطاع الخاص حيث إنه على الرغم من أن القطاع العام يخسر إلا أنه يعطى أجور حوالى 28 ألف جنيه فى السنة فى حين تبلغ إنتاجية العامل فية 55 الف جنيه وأوضح أن إنتاجية العامل فى القطاع الخاص تصل إلى 55 ألف جنيه سنويا مقابل 13ألف جنيه سنويا للأجور وأرجع سبب عدم رضا عمال القطاع الخاص البالغ عددهم حوالى مليون عامل هو الأجور المرتفعة التى تعطيها شركات القطاع العام على الرغم من خسارتها بدعم من الدولة وهو ما لا تستطيع شركات القطاع الخاص توفيرة لعمالها لأن أجر العامل فيها مرتبط بإنتاجه، مشيراً إلى أنه يجب على الدولة تحديد موقفها من هذه الصناعة فإذا كانت الدولة مازالت باقية على هذه الصناعة فيجب أن تدعم الأجور من خلال دراسة احترافية متخصصة.
● البورصة: ما تأثير المنافسة والتهريب على صناعة الغزل والنسيج؟
محمود الفوطى: القطاع يعانى مشكلتين أساسيتين أحدهما متعلق بالسوق الداخلى والأخرى تتعلق بالمنافسة فى الأسواق العالمية. وان مشكلة السوق الداخلى تتمثل فى عملية التهريب وعدم انضباط السوق المحلية، مشيراً إلى أن كل المنتجات المهربة لايوجد لها أى دفاتر أو فواتير متسلسلة وهى بضائع غير معروف المصدر وأن هذه السلع التى تدخل إلى السوق سنويا تتعدى 15 مليار دولار، فعدد المسجلين فى السجلات التجارية لضريبة المبيعات بلغ 200 ألف بينما المسجليون فى السجلات التجارية 4 ملايين سجل تجارى أى أن أقل من 6% من المسجلين هم من يدفعون الضرائب فقط.
وإرى ان المنافسة الخارجية أيضاً غير عادلة بسبب الميزة التنافسية فى الأسواق العالمية التى تتمتع بها عدد من الدول مثل الهند والصين وباكستان وأندونيسيا والتى تجد دعماً كبيراً من حكوماتها سواء زراعياً لزراعة القطن أو تصديرياً من خلال دعم الصادرات الذى تقدمه حكومات هذه الدول، بالإضافة إلى سعر العملة المنخفض وهو ما يضيف لها ميزات تنافسية أكبر بكثير من المنتج المصرى.
وللأسف، الدولة لا تركز حالياً فى كل تشريعاتها على أصحاب المصانع من ضرائب وخفض دعم للطاقة وتقدر الخامات المستوردة بأسعار جمركية عالية بسبب عمليات التهريب على الرغم من أن الذين يجب أن تشدد الجمارك الرقابة عليهم وتختصهم الدولة بتشريعاتها الصارمة هم التجار المهربون وليس المصنعين.
● البورصة: فى الآونة الأخيرة ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه من تأثير ذلك على القطاع؟
● أسامة الشيخ: ان خفض سعر العملة سيؤدى إلى زيادة اسعار الخامات بشكل كبير وهو ما سيعادل معدلات التصدير او قد يزيد عنها فى بعض الحالات خاصة المنتجات التى تحتاج استيراد كميات كبيرة من مستلزمات الإنتاج.
ولا أفشى سراً إذا قلت أن المستثمرين والصناع يخشون من وضع أموالهم فى البنوك بسبب وضع حد أقصى للمبلغ الذى يمكن سحبه يومياً وهو 30 ألف دولار مما دفعهم لوضع أموالهم فى المنازل لكى يستطيعوا الدخول فى أى صفقة بأى مبلغ يريدونه دون قيود من البنك.
● محمد القليوبى: أن خفض الجنيه سيؤدى إلى نتائج كارثية على السوق الداخلى خاصة فى دولة تستورد كميات كبيرة من احتياجاتها وإن كان سيدعم مصدرى الملابس الجاهزة دون غيرهم من باقى المصنعين بسبب قلة الخامات المستوردة فى هذه المنتجات وزيادة نسبة التصدير فى هذه الصناعة.
● البورصة: لماذا لاتطرحون مشاكلكم على اتحاد الصناعات وغرفة النسجية؟
● القليوبى: الغرفة متحيزة للمصنعين على حساب المصدرين، حتى أن قرار الإغراق الذى خرج بتوصية من غرفة الصناعات ويهدف إلى فرض رسوم على الغزول المستوردة وخامات الإنتاج وعلى المنتج النهائى ولكنه انتهى بتطبيقه على الغزول ولم يطبق على المنتج النهائى.
● الفوطى: كيف يفرض الإغراق على الخامات ويعفى منه المنتج النهائى مشيراً إلى إلى أن ذلك سيأتى بالخراب على المصانع المصرية وقد يؤدى إلى إغلاقها، فقد شوهت غرفة الصناعات صورة المصدرين الذين يعملون بنظام السماح المؤقت والدروباك على أنهم مهربون وأرجع ذلك إلى عدم تمثيل المصدرين بأى عضو فى غرفة الصناعات النسيجية التى يتمثل جميع أعضاؤها فى أصحاب مصانع غزل أو صناع محليين لذلك لا يهتمون سوى بمشاكلهم ومصالحهم.
وللأسف المجلس التصديرى للصناعات النسيجية لا يتمتع بنفس تأثير غرفة الصناعات لأن الغرفة هى الممثل القانونى لصناع الغزل والنسيج فأصبح لا يوجد أحد يدافع عن وجهة نظر المصدرين التى يؤمنون بها فى التصدير بل على العكس تصل عكس الصورة إلى الغرفة.
● البورصة: هل الأمر يقف فقط عند الغرفة أم أن هناك جهات حكومية لا تتعاون معكم؟
القليوبى: أن من أكثر المشاكل التى تواجه المصدرين هى الرقابة الصناعية التى تواجه المصدرين بسببها مشاكل كبيرة خاصة فى نظام السماح المؤقت والدروباك وضريبة المبيعات، وتمر صناعة النسيج بعدد كبير من العمليات حتى تصل للشكل النهائى للمنتج النسيجى وأوضح أن هذه العمليات هى «الزوى والصباغة والتدوير وإعادة التدوير والنسيج والحليج أوالخياطة» وأكد أنه بعد المرور بكل هذه العمليات يصل متوسط نسبة الهالك أو الفاقد حوالى 25% للنسيج العادى وحوالى 35% للقماش القطيفة وهنا تأتى المشكلة من الرقابة الصناعية التى تحسب جمارك بنسبه 7% على كل عملية من هذه العمليات، من المفترض أن تكون هذه النسبة على المنتج النهائى فقط، وأن كل مرحلة من هذه المراحل التى تمر بها صناعة النسيج تخرج نسبة كبيرة من الهالك وبالتالى فإن هذه النسبة تتسبب فى عجز حوالى 18% يتحملها الصانع كفرق على كل 1000 طن من الأقمشة.
● محمود الفوطى: أطالب وزير الصناعة والتجارة بتشكيل لجنة متمثلة فى هيئة الرقابة الصناعية والمركز القومى للبحوث والرقابة على الصادرات والواردات تقوم بالنزول للمصانع وتحديد نسبة الهالك والفاقد الحقيقية فقد تم إتخاذ قرار من السيد أبو القمصان مستشار وزير الصناعة والتجارة الخارجية بتشكيل هذه اللجنة منذ أكثر من شهرين لكنها لم تفعل حتى الآن.
● البورصة: البعض طالب بإنشاء وزارة خاصة بصناعة الغزل والنسيج لضمان حل مشاكلها.. هل الوزارة كافية أم ماذا؟
● أسامة الشيخ: من الضرورى وجود كيان مستقل وكبير يختص بقضية الغزل والنسبج وقطاع النسيج ككل مصنعين ومصدرين وقال ان انشاء وزارة للغزل والنسيج ستكون الحل الامثل لمعرفة مشاكل القطاع والوقوف على اسباب تدهوره.
● القليوبى: تفعيل المجلس الاعلى للصناعات النسيجية سيكون بمثابة وزارة للغزل والنسيج لأنه سيخضع لرئاسة وزير التجارة والصناعة وسيضم بداخله كل المصنعين والمصدرين ورؤساء شركات القطاع العام وبالتالى سيكون هناك جهة موحدة قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة فى شتى القضايا المتعلقة بالقطاع.
● البورصة: هل استفادت المحلة من اتفاقية الكويز؟
● القليوبى: إن اتفاقية الكويز وفرت ما يزيد على 150 الف فرصة عمل بالقطاع ووهى بمثابة قناة تصديرية مهمة لقطاع النسيج فى مصر وقال إن سبب انخفاض عدد المصانع المصدرة فى المحلة عن طريق الإتفاقية بالنسبة لعدد المصانع المسجلة هو عدم قدرة هذه المصانع على توافر المواصفات فى جودة التصنيع او الإلتزام بالعقود التصديرية والمواصفات وبالتالى هى مصانع غير كفء ولا ترتقى لتصدير منتجاتها إلى السوق الأمريكى الذى يتطلب جودة عالية جدا.
● البورصة: هناك استثمارات سورية تطرق أبواب السوق المصرى بسبب الثورة هناك؟
● القليوبى: إن السوق المصرى واسع ويمكنه استيعاب المزيد من الاستثمارات فى قطاع النسيج ولكن لا بد من أخذ الضمانات الكافية لبقاء هذه الاستثمارات فى مصر وتوقع ان تتركز انشطة المصانع السورية فى الملابس الداخلية والعبايات.
● أسامة الشيخ: الاستثمارات السورية الجارى إجراء مباحثات لدخولها السوق المصرية فى قطاع صناعات الغزل ستواجه مشكلة كبيرة فى العمالة، والمصانع المصرية فى الأساس تواجه مشكلة كبيرة فى العمالة نظرا لتدنى الأجور فى هذه المهنة وتساءل هل ستفتح هذه المصانع فى مصر وتفاجأ بعدم وجود عمالة ثم تضطر إلى اللجوء إلى العماله.
لذلك يجب على الدولة أن تقوم بحل مشاكل مصانعها قبل أن تقوم بجلب مصانع واستثمارات من الخارج.
خاص البورصة