تحول سعر الصرف إلى الجسر الذى ربط العامين الجارى والماضى، نتيجة التغيرات الدراماتيكية التى شهدها السوق فى الأسبوع الأخير من العام الماضى وأدت إلى تغيير جذرى فى إدارة سوق الصرف فى العام الجديد.
وشهدت الشهور الأحد عشر الأولى من العام الماضى استقراراً فى علاقة الجنيه بالدولار، لكن الأوضاع تغيرت فى الشهر الأخير بشكل أدى إلى فرض آليات جديدة لإدارة السوق قبل نهاية السنة الماضية بيوم واحد، نتيجة خروج الأوضاع عن السيطرة.
واختفى الدولار تقريباً من السوق فى آخر أسابيع العام الماضى وهو ما ترك آثاره على قيمة الجنيه التى تراجعت بمعدلات سريعة مطلع العام الجديد، وتدفع ثمن الاصرار على سياسة الجنيه القوى خلال العامين الماضيين.
وبدأ العام الماضى بسعر صرف واحد للدولار، لكنه انتهى وعلى نحو مفاجيء بعدة أسعار لصرف العملة الأمريكية نتيجة الضغوط التى تعرضت لها سوق الصرف فى الأسبوع الأخير من العام والتى ستحدد بشكل كبير مسار الاقتصاد المصرى فى العام الجديد.
ووفقا لأسعار الصرف فى الانتربنك الدولارى خسر الجنيه 29 قرشاً خلال العام الماضى، معظمها فى اليومين الأخيرين من عام 2012. وبذلك يكون التراجع فى قيمة الجنيه وفقا لهذه الآلية وحدها 4.8% خلال السنة التى شهدت تعهدات من كل المستويات السياسية والاقتصادية بعدم خفض سعر العملة المحلية لدعم ميزان المدفوعات.
وسجل متوسط سعر الدولار فى الانتربنك الدولارى 6.31 جنيه فى آخر يوم عمل فى 2012، مقابل 6.02 جنيه فى آخر يوم عمل فى سنة 2011.
لكن التراجع فى قيمة الجنيه ستكون أكبر إذا تم قياس أسعار التداول فى سوق الصرف لدى البنوك وشركات الصرافة. وأنهى متوسط سعر بيع الدولار لدى البنوك العام عند 6.42 قرش، مقابل 6.04 قرش فى آخر يوم عمل فى 2011، ما يعنى أن الجنيه خسر 38 قرشا تعادل 6.3% من قيمته خلال العام الماضى لدى البنوك.
وتطورت الأسعار خلال الأسابيع الماضية بشكل كبير ليتجاوز الدولار حاجز 661 قرشا للبيع لدى البنوك، بينما بلغ متوسط أسعاره فى الانتربنك الدولارى 655 قرشا وهو أعلى مستوى له منذ إطلاق هذه الآلية فى العام 2005، فيما رصد المركزى متوسط سعر بيع له فى السوق عند 658 قرشا.
قال اسامة المنيلاوى رئيس قطاع الخزانة ببنك الشركة المصرفية أن ارتفاع او انخفاض اسعار صرف الدولار خلال عام 2013 مرتبط كليا بمسار الاقتصاد القومى بمصر الذى يتاثر بدوره بالاستقرار السياسى للدولة لذلك لا يمكن توقع اتجاه معين لسعر صرف الدولار أمام الجنيه فى ظل هذه الظروف.
واكد المنيلاوى أن البنك المركزى خلال عام 2012 ادى كل ما فى استطاعته ووفقا للامكانيات المتاحة فى البلاد ولما تسمح به الظروف.
وتوقع هيثم عبد الفتاح رئيس قطاع الخزانة ببنك التنمية الصناعية والعمال المصرى استمرار الاتجاه الصعودى للدولار خلال عام 2013.
واكد أن اسعار صرف الدولار مرتبطة باسلوب وقرارات المحافظ الجديد وقرض صندوق النقد الدولى والمساعدات الخارجية ومعدل التضخم.
واكد أن ادراة البنك المركزى السابقة خلال عام 2012 حققت كل ما فى وسعها فى ظل عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى والامنى التى تشهده البلاد وانها حافظت إلى حد كبير على الحد من ارتفاع الدولار.
وشهدت الأيام الثلاثة الأخيرة من 2012 تحولات مثيرة فى سياسات البنك المركزى القائمة على المحافظة على استقرار الأسعار والتى تعنى ضمنيا المحافظة على جنيه قوى، وتغيرت هذه السياسة تحت ضغط اختفاء الدولار من السوق إلى توفير السيولة بأى ثمن لإعادة تشغيل العمليات الدولارية للاقتصاد والتى أصيبت بالشلل قبل نهاية العام بإسبوع.
واضطر البنك المركزى إلى ابتكار اليات جديدة تساعد السوق على تجاوز العجز فى السيولة وإعادة ضخ الكاش مجددا، كما وضع عدة قواعد لتنظيم سوق التداول للسيطرة على المضاربات وانعاش السوق.
وتوقع أحمد عبد العاطى مدير العمليات المركزية ببنك فيصل الاسلامى زيادة أسعار صرف الدولار خلال عام 2013، لكنه توقع ألا تتجاوز سقف 7 جنيهات.
وقال أحمد الخولى رئيس قطاع الخزانة ببنك التعمير والاسكان أن الدولار سيستمر فى الارتفاع لنه لن يتخطى مستوى السبعة جنيهات، وقد يتراجع مرة أخرى إذا حصلت مصر على قرض صندوق النقد الدولى.
فى المقابل توقع اسماعيل حسن رئيس بنك مصر – ايران أن يأخذ الدولار منحى هبوطى مجددا فى وقت لاحق من العام، وقال إن أى زيادة فى الأسعار يتبعها استقرار فى السوق.
واستمر سعر صرف الدولار مستقرا، وارتفع بمعدلات بطيئة قاربت الـ 1% خلال الشهور الأحد عشر الأولى من العام الماضى، قبل أن يبدأ ارتفاعاته الجدية مع بداية شهر ديسمبر وبالتزامن مع الاحتجاجات الحاشدة وحالة الانقسام السياسى التى سببها إصدار رئيس الجمهورية إعلانا دستوريا يحصن فيه قراراته من الطعن عليها أمام القضاء.
وطبق المركزى قبل نهاية العام بيومين آلية تتيح شراء وبيع الدولارات فى السوق مباشرة بدون الاعتماد على صانع للسوق كما كان يحدث سابقا، وتخلى عن فكرة الضخ غير المباشر فى السوق والتى كانت تتم عبر بنكى العربى الافريقى الدولى وقناة السويس.
وشجع المركزى البنوك وشركات الصرافة على زيادة أرباحها من عملية تغيير العملة الأمريكية من خلال السماح لهم برفع الهامش بين البيع والشراء إلى 7 قروش لتقليل عمليات المضاربة وتشجيع هذه الجهات على بيع الدولار وعدم الاحتفاظ به.
كما فرض عمولة على التغييرات الشخصية وقلص من هامش السحب لأغراض تجارية لتقليل الطلبات غير الأساسية على تغيير العملة.
كان تخفيض قيمة الجنيه قد استغرق جزءا كبيرا من الجدل المحيط بقرض صندوق النقد الدولى، وأنهى كمال الجنزورى رئيس الوزراء السابق العام 2011 متعهدا بعد المساس بقيمة الجنيه، بينما أنهى رئيس الوزراء الحالى العام 2012 متعهدا بعدم تعويم الجنيه، لكن الواقع على الأرض كان مختلفا عن تصريحات المسئولين السابقين والحاليين.
كان صندوق النقد الدولى قد طلب خفض قيمة الجنيه أثناء مفاوضات الحكومات المتعاقبة معه للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، وأعلنت الحكومة رفضها هذا المطلب، كما صرح رئيس الجمهورية المنتخب بعدم تخفيض قيمة الجنيه فى مواجهة الدولار، وهو نفس الموقف الذى أعلنه البنك المركزى قبل أن تجبره الظروف على الأرض على تغيير سياسته.
كتبت – سحر الزرقانى