أمام جهاز الشرطة المصرية اختبار مصيرى وفرصة ذهبية للتصالح مع الشعب والتاريخ فى مظاهرات بعد غد الجمعة، وعلى ذلك ينبغى أن تعيد وزارة الداخلية التفكير بتمعن فى دلالات اختيار الخامس والعشرين من يناير ٢.١١ موعدا لإطلاق ثورة الغضب المصرية.
لقد اختار شباب مصر هذا التاريخ تحديدا لإعلان أن انتفاضتهم بالأساس موجهة إلى دول القمع وإهانة الكرامة الإنسانية، ولذا كان يوم عيد الشرطة هو موعد الثورة عليها، بعد سلسلة من الوقائع التى أدمت كرامة المصريين وأهانت إنسانيتهم.. ومن باب التكرار القول إنها كانت ثورة خالد سعيد وسيد بلال وغيرهما من أبناء مصر الذين انتهت حياتهم بالتعذيب الوحشى على يدى شرطة مبارك وحبيب العادلى.
ويذكر التاريخ القريب أيضا أن أحد أسباب اتساع رقعة الغضب ونجاح الثورة كان الأداء البوليسى العنيف مع بداياتها، فحين سألت الدماء انفتحت شهية المصريين لاقتلاع الدولة الباطشة من جذورها، فتفاقم الغضب وامتد فى كل الاتجاهات حتى انتفضت مصر كلها وشاركت فى الثورة التى صنعها الشباب.
ومن هنا ينبغى أن تقدم الشرطة المصرية بعد غد أداء مختلفا بحيث تنفذ ما عليها من واجبات حماية حياة البشر قبل تأمين الحجر، وأن تكشف عن عقيدة جديدة تحترم آدمية الناس وكرامتهم، دون تفريط فى تطبيق القانون بعدل وصرامة على كل من يسعى للحرق والتخريب.. غير أنها قبل ذلك عليها أن تعى أن الخارجين إلى الميادين فى ذكرى الثورة إنما يهدفون بالأساس إلى إحياء ذكراها والمطالبة باستكمال أهدافها وأحلامها فى دولة العدل والكرامة والمواطنة المتساوية بين جميع المصريين.
باختصار ينتظر المصريون أن يروا وجها مختلفا للشرطة، بلا عبوس أو تلمظ أو اعتبار المتظاهرين مجموعات من المشاغبين والمخربين، وهذا الوجه الجديد والمختلف لن يتأتى عبر الإعلان عن دخول الشرطة عصر الطيران قبل ٤٨ ساعة فقط من عيد الثورة، بل الأحرى أن يأتى من الغوص فى قاع المجتمع المصرى والتصالح مع ثورته.
لقد توقفت أمام بيان رسمى صدر آمس عن وزارة الداخلية يقول إنها قامت بالتنسيق مع وزارة الدفاع بتخصيص 4 طائرات هليكوبتر مزودة بعلامات وألوان الشرطة، للبدء فى تنفيذ المهام الأمنية المختلفة لإدارة الشرطة الجوية بوزارة الداخلية والتى ستساهم بشكل فعال فى مجال الأعمال الأمنية المختلفة ومتابعة الحالة المرورية على المحاور الرئيسية بالقاهرة الكبرى ومداخل ومخارج العاصمة.
ويلفت النظر هنا توقيت صدور هذا الإعلان، فى لحظة مشحونة بكل أنواع القلق والتربص والغضب قبيل ذكرى ٢٥ يناير.
إن المصريين يحتاجون الشرطة على الأرض أكثر مما يحتاجونها محلقة فى السماء.. الانفلات هنا وليس فوق السحاب.. كما أن التطوير المطلوب ينبغى أن يشمل العقيدة وليس المعدات.