بقلم: خالد حسنى مدبولى
الباحث والمحلل الاقتصادى والمصرفى
يحيط بالمشهد الاقتصادى حالة من الضبابية وعدم الوضوح لا تقل عن تلك المحيطة بالمشهد السياسى، والذى نتج عن حالة التخبط فى القرارات وتراجع أداء الإدارة السياسية والاقتصادية مما أوصلنا إلى وضع يتسم بالانقسام السياسى والتخبط الإدارى والتراجع الاقتصادى الواضح.
ويواجه الاقتصاد عدداً من الأزمات تـعد بمثابة الألغام أو القنابل الموقوتة التى من الممكن أن تنفجر فى أى لحظة، بداية من ارتفاع عجز الموازنة العامة، وتفاقم حجم الدين العام المحلى، وتسجيل عجز كبير فى ميزان المدفوعات، مروراً بتراجع قيمة الجنيه، وزيادة الضرائب، وتخفيض الدعم عن السلع الأساسية ومنتجات الطاقة، ثم وصولاً إلى الارتفاع المتوقع فى أسعار نسبة كبيرة من السلع والخدمات بنسب متفاوتة. وأخيراً تأتى القضية الأكثر جدلاً وهى الصكوك الاسلامية.
عجز الموازنة العامة
فيما يتعلق بالموازنة العامة، تضاربت الأرقام حول قيمة هذا العجز ونسبته إلى الناتج المحلى الإجمالى، تُظهر بيانات النشرة الشهرية للبنك المركزى المصرى المنشورة فى ديسمبر 2012 تسجيل هذا العجز مــا يقرب من 166 مليار جنيه بنسبة 10.7% من الناتج المحلى فى نهاية 2011-2012.
فى الوقت الذى تشير فيه معظم التوقعات إلى بلوغ هذا العجز نحو 200 مليار جنيه نهاية هذا العام بما يمثل 12.5% من الناتج المحلى الإجمالى.
ويعتبر عجز الموازنة العامة من القضايا الاقتصادية المهمة فى مصر حالياً لأنه أحد الأسباب الرئيسية للجوء مصر للاقتراض من صندوق النقد الدولى.
تفاقم حجم الدين العام المحلى
أما أرقام وبيانات الدين العام المحلى فيحيط بها ذات التضارب والتخبط المحيط بعجز الموازنة، ففى حين تشير أرقام وزارة المالية عن بلوغ إجمالى هذا الدين نحو 1.2 تريليون جنيه فى نهاية سبتمبر 2012، تشير بيانات البنك المركزى عن بلوغ الدين المحلى ما يتعدى 1.3 تريليون جنيه فى ذات الفترة بما نسبته 75% من الناتج المحلى.
ومما يزيد المشهد غموضاً هو عدم معرفة حدود ذلك الدين مع احتمالية تزايده بشكل كبير خلال الفترة القادمة وتأثير ذلك على قوة وسلامة الوضع الاقتصادى المحلى.
تراجع سعر الجنيه
أما سعر الجنيه خاصة أمام الدولار فيعتبر من أكثر الموضوعات الاقتصادية والمالية فى مصر غموضاً بل وعبثية، حيث فقد الجنيه نحو 5% من قيمته خلال أقل من شهر (فى ديسمبر 2012) وسجل أدنى مستوياته منذ عام 2004.
وتشير غالبية التوقعات أن يتخطى الدولار حاجز الـ 7 جنيهات خلال عام 2013 خاصة مع زيادة ضبابية مشهد سوق الصرف الأجنبى فى مصر خلال الفترة القادمة.
زيادة الضرائب
ولا يقل مشهد الضرائب ضبابية عن ما سبقه، ففى حين تم إقرار زيادة الضرائب على قائمة كبيرة من السلع والخدمات ونُشرت فى الجريدة الرسمية فى منتصف شهر ديسمبر الماضى، تم العدول عن القرار فى ذات اليوم وإرجاؤه إلى أجل غير مسمى.
وهو الأمر الذى تسبب فى بلبلة كبيرة فى الشارع المصرى خاصة بعدما قام العديد من البائعين والتجار فى السوق بزيادة أسعار سلعهم بالفعل رغم عدم إقرار الزيادة الرسمية فى الضرائب على تلك السلع (أهمها السجائر والكحوليات والأسمنت والحديد).
تخفيض الدعم
ولم تسلم قضية الدعم أيضاً من ضبابية المشهد، حيث يتزامن تخفيض الدعم عن بعض السلع الأساسية وخاصة المنتجات البترولية (البنزين والسولار) خلال الفترة القادمة مع التفعيل المنتظر للزيادات الضريبية لتحقيق هدف الحكومة المعلن وهو تقليص عجز الموازنة العامة.
ولكن من غير المعروف حتى الآن ما هى طبيعة الإجراءات والآليات المتخذة لخفض الدعم، وما هى طبيعة السلع التى سيتم تخفيض الدعم عنها؟ ومانسبة هذا الخفض؟ وهل سيتم تعويض المواطن العادى بعد ذلك؟ وكيف؟ وهى أسئلة لا توجد إجابات واضحة لها من قبل المسئولين بالدولة حتى الآن.
ارتفاع كبير فى أسعار السلع والخدمات
وكل ما سبق سوف يقودنا إلى نتيجة حتمية مؤداها حدوث ارتفاع واضح وكبير فى أسعار العديد من السلع والخدمات مع اختلاف نسبة هذا الارتفاع.
إلا أنه من غير الواضح إلى أى مدى سيكون هذا الارتفاع ؟ وما هو تأثيره على دخل ومستوى معيشة المواطنين؟.
الصكوك الإسلامية
ونأتى إلى الموضوع الأكثر جدلاً وهو إصدار الصكوك الاسلامية والتى من المفترض أنها آداة مالية تستخدمها الدولة لتوليد إيرادات عامة وتمويل العجز الحكومى.
حيث أثارت قضية الصكوك – ومازالت – غموضاً كبيراً وجدلاً واسعاً بدأ بالاختلاف حول تسميتها هل هى صكوك اسلامية، أم صكوك سيادية اسلامية، أم صكوك فقط ؟ ثم كيفية تطبيقها وآليات تنفيذها.
وهو من أخطر الموضوعات الاقتصادية المطروحة حالياً نظراً لأنه يمس سيادة الدولة على مرافقها وممتلكاتها، وكذلك حق المواطن المصرى وحق الأجيال القادمة فى هذا الوطن.
إن نقطة الانطلاق من أجل حل المشكلات والأزمات الاقتصادية التى تشهدها مصر حالياً تبدأ من العمل على محورين أساسيين :
الأول هو ضرورة وضوح الرؤية فيما يتعــلق بالقرارات والسياسات المالية والاقتــصادية المتخذة من قبل المسئولين فى الدولة وخــاصة وزراء المجموعة الاقتصادية والتــى يجــب أن تتسم بقدر أكبر من الشــفافيــة والمصارحة.
أما المحور الثانى فيتمثل فى وجوب مشاركة الجميع فى تحمل مسئولياتهم تجاه الوطن وأن يكون هناك نوع من التوافق والاتفاق بشكل كبير حول القرارات الحاسمة وبالأخص ما يتعلق بحق المواطن المصرى فى مستوى معيشة مناسب وحياة كريمة.