بقلم: محمد صبرى
التقت فى يونيو من العام الماضى، 200 دولة فى مؤتمر الأمم المتحدة للاستدامة (ريو+20)، من ضمنها جمهورية مصر العربية، من أجل تقييم التقدم الذى تم تحقيقه والوصول إلى عالم أكثر استدامة، ووضع رؤية واضحة لما يجب القيام به فى العشرين سنة المقبلة.
وصدر عن هذا المؤتمر تقرير يحمل اسم”المستقبل الذى نريده”، حيث شدد التقرير على أن التنمية المستدامة تقوم على “المشاركة الفعالة” لكل من القطاعين العام والخاص.وحثت الدول الأعضاء القطاع الخاص بالتحديد على “المشاركة والتعاون فى تبنى الممارسات التجارية المسئولة”.كما شدد التقرير على أهمية التقارير الدقيقة عن الاستدامة والتى يتم إعدادها ضمن التقارير الدورية للشركات.
وبدأ العديد من الدول فى الشرق الأوسط وأفريقيا العمل على تمهيد الطريق من أجل تشجيع الممارسات التجارية المستدامة، وذلك من خلال المشاركة فى مبادرات خاصة بصناعات محددة. أما فيما يخص مصر، فلقد تم اعتماد مبادرتين رئيسيتين فى هذا المجال، المبادرة الأولى تعتمد على خطة طويلة الأمد لإنتاج الطاقة من الرياح ومبادرة ثانية تعتمد على الخطة الخمسية السادسة.
وعملاً على تحقيق الخطة الأولى، أعلن المجلس الأعلى للطاقة بمصر أنه سيتم توفير نحو 20% من متطلبات الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، حيث سيتم توليد 12 % من الكهرباء من طاقة الرياح.
أما الخطة الثانية، وهى الخمسية السادسة، والتى تعتبر المحور الرئيسى الثانى فى مجال الاستدامة بمصر، حيث توفر إطاراً شاملاً يعتمد على عدد من الأهداف مثل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والاستراتيجيات والسياسات المهمة، التى تهدف إلى توسيع القدرة الإنتاجية وتحسين الخدمات العامة والبنية التحتية.
وتتضمن هذه الخطة سبعة برامج لحماية البيئة منها: الطاقة المتجددة، إدارة المخلفات، تحسين جودة الماء والهواء، القضاء على التلوث الصناعي، حماية البيئة، التدريب، التوعية، واللامركزية فى إدارة البيئة.
ويمكن القول إن مثل هذه المبادرات،تعتبر مؤشرًا ممتازًا على التزام الدولة بمتابعة جدول أعمال الاستدامة.وبالرغم من ذلك، لا يزال تعريف الاستدامة من منظور الأعمال التجارية يثير الكثير من الجدل والتساؤلات، ولكن بكل ثقة يمكننا القول إن الاستدامة هى أكثر من مجرد معالجة الآثار البيئية والاجتماعية الخاصة بنا.
بل يجب على الشركات الكبيرة والصغيرة أن تأخذ بعين الاعتبار كل قرار متعلق بالمستقبل وتتجاوز خلافاتها من أجل أن تكون قوة دافعة لاحداث تغيير إيجابى.
وبمعنى آخر،يجب أن يترجم تطبيق منهج الاستدامة على الأعمال التجارية أيضًا، بحيث يتم تحويلها إلى مبادرات تهدف لتلبية احتياجات السكان المتزايدة فى جميع أنحاء العالم، ومعالجة أصعب التحديات المتمثلة بالطاقة وتغير المناخ والمياه والغذاء والمسكن والصحة.
ويجب علينا أن ندرك أن الممارسات التجارية المستدامة ذات قيمة اقتصادية عالية. فالاستدامة ليست فقط بالتركيز على الاقتصاد والكفاءة والموثوقية، كما أن تنفيذ هذه الممارسات المستدامة لا يتطلب أى تكلفة إضافية إلى وسائل الإنتاج، فعلى العكس من ذلك، تتقيد الاستدامة بالحاجة إلى إنجاز المهام بكفاءة أعلى من أجل التأثير إيجابيًا على النشاط الأساسي. فعلى سبيل المثال فى عام 1996 عندما أطلقت شركة داو أهدافها للبيئة والصحة والسلامة (EH&S) لعام 2005، لم تكن الاستدامة مصطلحًا معروفا كما هى اليوم، مما جعلها من أولى المبادرات من نوعها.
وأتت نتائج السنوات العشر اللاحقة لتؤكد مدى أهميتها من خلال تقليص التأثير السلبى على البيئة، فقد تم خفض النفايات بمقدار 83 مليار كيلو، وتوفير 900 مليون وحدة حرارية بريطانية من الطاقة، وهو ما يكفى لتشغيل حوالى ثمانية ملايين منزل لمدة عام.
والملفت للنظر أن الشركة وفرت أيضًا 5 مليارات دولار عبر هذه المبادرة.وبذلك تؤكد النتائج صحة القول بأن الاستدامة مجدية للغاية من الناحية التجارية والاقتصادية، فضلا عن الأثر البيئى والاقتصادى الملموس. ولذلك حرصنا على أن تكون الاستدامة فى قلب استراتيجية النمو لدينا، ووضعنا أهداف الاستدامة لعام 2015.
وكشف استطلاع شركة “ماكينزى جلوبال”، خلال العام الماضي، حول “الاستدامة التجارية والاقتصادية “تغيّر المواقف خلال عام واحد فقط. بينما ذكر أغلب المشاركين فى الاستطلاع عام 2010 أن صورة الشركة وسمعتها هما السبب الأساسى للإقبال على الاستدامة، قال ثلث المشاركين فى استطلاع عام 2011 إن الحاجة إلى تحسين كفاءة التشغيل وخفض التكاليف هى السبب الرئيسى للإقبال على مبادرات الاستدامة.
وكشف الاستطلاع أيضًا أن المديرين التنفيذيين بدأوا يدركون مزايا الاستدامة وما تحققه من »مساهمة إيجابية فى قيمة شركاتهم على المديين القريب والبعيد».
وبالرغم من أنه يجب بذل المزيد من الجهد لضمان انتقال تطبيق الممارسات التجارية المستدامة من مستوى «واسع النطاق» إلى المستوى العام، يمكن وبكل ثقة القول إن القطاع يسير فى الاتجاه الصحيح، وبكل المقاييس يُعَد التطبيق المبكر للممارسات التجارية المستدامة اتجاهًا واعدًا يتنامى بسرعة كبيرة.
وإذا كان يجوز لنا استخدام عدد الشركات التى تشترك فى مبادرات مثل “مجلس الأعمال العالمى للتنمية المستدامة” كمصدر يعتمد عليه، نستطيع القول إن الشركات بجميع أحجامها أصبحت الآن أكثر وعياً من ذى قبل بمسئولياتها الشاملة تجاه المجتمع والأرض.
وإذا عدنا إلى تاريخ التنمية البشرية نجد أن التقدم الاقتصادى كان دائمًا يتحقق على حساب البيئة. ولكن فى واقع الأمر نحن نعيش على كوكب واحد بموارد محدودة، ولم يعد مقبولاً أن نستمر فى العيش كما كنا نعيش.