بقلم: محمود شنيشن
بمجرد إقرار الدستور الذى أعطى حق التشريع المؤقت لمجلس الشورى حولت الحكومة للمجلس قانونين، الأول يضع قواعد تنظيم الانتخابات النيابية فى أبريل المقبل، أما الثانى فكان الصكوك.
وبينما كانت الحكومة مجبرة لعرض قانون الانتخابات على المجلس لسرعة البت فيه وتنظيم انتخابات سريعاً وفقاً لنص الدستور، إلا أنها لا تملك مبرراً لتحويل قانون الصكوك فى الوقت الحالى وبهذه السرعة للعرض على برلمان يمارس التشريع بشكل مؤقت.
وفى الوقت الذى كان يتعين فيه التفرغ لازاحة مخلفات المرحلة الانتقالية وتراكمات المرحلة المباركية، وإصلاح خطايا الحكم الجديد، لتجاوز الانقسامات واتمام عملية التحول الديمقراطى التى بات مشكوكا فيها كانت الحكومة على عجلة من أمرها لاقرار قانون لا يحظى بأى أولوية فى الوقت الحالى.
وبدلا من التعجيل بانشاء مفوضية مكافحة الفساد كما ينص الدستور الجديد قبل أن يفسد الحكام الجدد، أو الاسراع بوضع قواعد قانونية متوازنة للاحتجاج والتظاهر تحمى المحتجين ومؤسسات الدولة اختارت الحكومة أن تبحث عن «التايهة» وضغطت لتمرير قانون لم يأخذ حقه من الدراسة أعده أشخاص فى حزب الحرية والعدالة لا يمتلكون المعرفة الكافية بهذه الاداة الجديدة فى العالم كله، بل حتى جرى استبدال وزير المالية بآخر يقال إنه خبير فى التمويل الاسلامى لمجرد أنه ألف كتابين حول الموضوع.
الأداة التى جعلتها الحكومة ثانى أهم أولوياتها بعد قانون الانتخابات لم ينته العالم من كتابة القواعد المنظمة لها حتى الآن بالرغم من مرور أكثر من 10 سنوات على إطلاقها، وهو ما جعل القانون يحوى العديد من المشاكل التى لم توجد لها الممارسة حلولاً فى العالم كله حتى الآن، ناهيك عن دولة لا تعرف شيئا عن هذه الاداة حتى الآن.
وبدلا من تأجيل القانون لمناقشته باستفاضة بعد انتخاب مجلس النواب حيث سيكون هناك متسع من الوقت يجرى الضغط حاليا لتمرير القانون وترويج الاوهام حوله باعتباره الحل السحرى لكل مشكلات الاقتصاد المصرى.
ويتجاهل من يقفون خلف مشروع القانون حقيقة أن الصكوك أداة مالية معقدة يجرى إصدارها وتداولها بقواعد معدلة لإصدار وتداول السندات، وهو ما يجعلها أداة ليست فقط مكلفة بل ومعقدة أيضا.
ويكفى أنه لا توجد قواعد واضحة للتعامل مع حالات التعثر حتى الآن، ومنذ بداية اطلاق الصكوك ظهرت ثلاث حالات تعثر فى العالم جرى التعامل مع كل واحدة منها بشكل مختلف تماما عن الاخرى، ومشكلة الصكوك الأساسية أنها أداة مشاركة مؤقتة يجرى استخدامها كأدة استدانة متوافقة مع الشريعة، وهى نفس فكرة أدوات التمويل الاسلامى الأخرى تقريبا، لكن تطبيق الشكل العصرى على أدوات التمويل الاسلامية الأخرى أسهل، بينما الصكوك تبدو حتى الآن «من وجهة نظر شخصية» محاولة لتقليد السندات ليس إلا، تكاد تفتقر إلى أى خصوصة اسلامية، وكأنه يفترض بالتمويل الاسلامى أن يحذو حذو أدوات التمويل الأخرى وألا يكون مختلفا عنها فى الهيكلة أو فى الشكل.
الصكوك الماليزية التى يجرى الاشارة إليها كنموذج يحتذى لا يقول الكثيرون أنها كانت فقاعة شرعية كبرى واعتبرت على نطاق واسع فى الفترة ما قبل الازمة المالية فى 2008 مخالفة للشريعة الاسلامية بسبب اعتمادها على بيع الديون استنادا لاجتهادات فقهية فى مذهب الامام الشافعى وكانت النتيجة أن تجنبها مستثمرو الخليج ولم يتم تداولها الا فى أسواق شرق آسيا ولندن، لكن تعرض تلك الاسواق لهزة فى الازمة المالية العالمية اجبر الماليزيين على مراجعة قواعدهم الشرعية لجذب مستثمرى الخليج ويجرى حاليا التخلص من بقايا تلك الفقاعة الشرعية «والتحول إلى الشكل الاسلامي» الحقيقي.
ومن بين الأوهام الأخرى التى يجرى الترويج لها هو أن هذه الاداة لازمة لعملية التحول إلى النظام المالى الاسلامى أو على الاقل تشجيعه، وهو كلام صحيح جزئيا إلا أنه لا يبرر العجلة التى تتصرف بها الحكومة خصوصا أن هذا يحتاج وقتا طويلا، وللتذكير فإن بنكا مصريا صغير الحجم هو البنك الوطنى للتنمية يجرى عملية تحول للنظام الاسلامى منذ 5 أعوام ولم ينته بعد ولن يتمكن من اتمام عملية التحول قبل عامين إضافيين على الأقل وحتى هذه اللحظة فهو مضطر للاستثمارفى ادوات الدين الحكومى التقليدية.
الأزهر هو الآخر كانت بدايته مع صلاحياته الجديدة فى الدستور خاطئة وأظهر إلى أى مدى يمكن أن تصل اعتراضاته رغم أن دوره استشارى فقط فيما يخص مسائل الشريعة، واعتراضاته كلها تقريبا لم يكن لها علاقة بالشريعة، ووفقا لتعليقات الازهر على النسخة الاولى من القانون فإن الاستثمار الاجنبى المباشر محرم والخصخصة صارت حراما، والاستثمار فى أصول الدولة صار من المحرمات وحيازة المستثمر الواحد لمقدار معين من الصكوك هى أيضا لا تجوز، المضحك فى هذه المسألة تحديداً أن شيخ الأزهر أظهر كل هذه الاعتراضات فى وجه اداة تمويل اسلامى يجرى الترتيب لاطلاقها، بينما لم يعترض على نفس النقاط فى الادوات المالية غير الاسلامية التى تعتمد عليها الدولة كليا فى الوقت الحالى.
وقال الأزهر رأيه فى هذه المسألة رغم أن عدد المشايخ الذين لديهم خلفية فى فقه المعاملات المالية فيه محدود للغاية، أغلب الظن أنهم لم يطلعوا على القانون او اطلعوا عليه بعد ان قال مجلس البحوث الاسلامية وهو هيئة واسعة النطاق تضم تخصصات متعددة بعيدة غالبا عن موضوع القانون رأيه فيه.