قال الدكتور على لطفى، رئيس الوزراء الأسبق والاقتصادى المعروف إن التباطؤ الحكومى فى ضبط الأوضاع السياسية والأمنية «المنفلتة» يقود البلاد إلى اقتصاد مظلم.
شدد لطفى فى حوار مع «البورصة» على خطورة الوضع الاقتصادى بشهادة جميع مؤشراته، فعجز الموازنة يتوقع أن يبلغ 200 مليار جنيه نهاية العام المالى الجاري، والحكومة لم تضع حلولاً لفرملته حتى الآن، ما يحبط اى محاولة لزيادة معدلات النمو، بالاضافة إلى تفاقم العجز فى ميزان المدفوعات والميزان التجارى الذى تخطى 26 مليار دولار نهاية العام المالى السابق.
قال إن تراجع الاحتياطى الأجنبى بوتيرة متسارعة ليفقد أكثر من نصف قيمته ويصل إلى ما دون 15 مليار دولار حالياً مقابل 36 مليار دولار مطلع 2011، زاد من حجم الضغوط على الجنيه المصرى ليتراجع امام الدولار إلى مستويات غير مسبوقة ويرفع فاتورة الاستيراد وبالتالى أسعار السلع والمنتجات، ما يزيد من أوجاع الفقراء.
وطالب لطفى الحكومة بالتحرك بشكل عاجل للحد من التدهور العنيف فى قيمة الجنيه، وذلك بإعادة النظر فى الواردات من الخارج التى تتجاوز 55 مليار دولار سنوياً، ومنع استيراد بعض السلع الترفيهية التى لا تؤثر على الانتاج لفترة عامين لحين الخروج من عنق الزجاجة، لأن «حرية الفرد فى المجتمع تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين» على حد قوله.
واضاف ان هناك بنداً فى اتفاقية تحرير التجارة الموقعة عليها مصر يسمح بحظر استيراد سلع معينة لفترة محدودة إذا كانت الدولة تعانى نقصاً فى ميزان مدفوعاتها وسعر صرف عملتها.
وشدد لطفى على ضرورة مراجعة جميع الاتفاقيات التجارية التفضيلية بين مصر وجميع الدول التى سمحت لدول اخرى بتسويق منتجاتها بالسوق المصرى ما أثر سلباً على المنتجات المصرية، مع الاسراع بتقييم تلك الاتفاقيات التى تكشف حاليا عن عجز كبير ومتزايد فى الميزان التجارى مع جميع الدول، بالتوازى مع إجراء مراجعة شاملة للهيكل الانتاجى المصرى المشوه وما هو قابل للتصدير، فلا جدوى من تلك الاتفاقيات دون دراسة وافية لما يتطلبه العالم الخارجى، فالصينيون يدرسون احتياجات السوق المصرى أكثر لاقتحامه بشكل أكثر دقة من المصريين.
كما طالب الحكومة بأن تراقب جيداً جودة المنتجات التى تدخل السوق المصرى تجنبا لاغراق السوق بسلع ذات جودة متدنية وغير مطابقة للمواصفات الصحية.
وقال لطفى ان حكومة قنديل لم تقدم حلولاً حتى الآن للخروج من الوضع الاقتصادى المتأزم، ومنها معدلات البطالة المتزايدة حتى بلغت 12.9% مؤخرا وفقا للجهاز المركزى للاحصاء، إلى جانب تزايد حالات الاعتداء على الاراضى الزراعية وصلت إلى 640 ألف حالة لتبويرها، بدفع من الانفلات الأمنى وغياب الشرطة ما يهدد بفقدان آلاف من الأفدنة الزراعية الطينية.
يرى رئيس وزراء مصر الأسبق أن الحكومة الحالية لابد أن تحظر توصيل المرافق للمبانى المخالفة إلى جانب وضع ضوابط صارمة تقلل من تلك المخالفات، للحد من حوادث انهيار العقارات التى زادت الفترة الماضية ووقع على أثرها مئات القتلى، وقال: «النظام السابق كان يسمح بتوصيل المرافق للمبانى غير المرخصة كدعاية انتخابية وهو ماادى إلى الكوارث الحالية».
اشار لطفى إلى أن نزوح السياح كبَّد الاقتصاد المصرى – أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة «الدولار» – خسائر فادحة، حيث انخفضت إيراداته بشكل كبير، بالإضافة إلى الشلل التام فى حركة تدفقات رؤوس الاموال الأجنبية التى لم تتجاوز 188 مليون دولار خلال الربع الاول من العام الجارى، ما زاد من اوجاع الاقتصاد.
وأضاف أن عجلة النشاط الاقتصادى ضربها الانفلات الامنى ومظاهرات العاملين فى مقتل، حيث اغلق اكثر من 2000 مصنع نظرا للضغوط المالية والعمالية.
وأكد رئيس وزراء مصر الاسبق ان ثورة 25 يناير بريئة من تفاقم الاوضاع الاقتصادية فهى ثورة بيضاء وتكنولوجية غابت عنها القيادة والتنظيم كما حدث فى ثورة 23 يوليو 1952، لكن الضغوط النفسية وقلة خبرة الشباب الذين فجروها أسهمتا فى اختطاف الثورة منهم.
وشدد على ضرورة استعادة الأمن حتى لا تتفجر الأوضاع وتتحول مشاهد العنف إلى حرب أهلية.
وحصر لطفى الأسباب التى أدت إلى تفجر الأوضاع واندلاع ثورة 25 يناير فى تزوير الانتخابات البرلمانية عام 2010 بشكل «فج»، مع تزايد معدلات الفقر، فهناك قرى فى أسيوط مستوى المعيشة بها لا يليق بالإنسان، كما زاد التجاهل الحكومى لعملية التخطيط من انتشار المناطق العشوائية خلال فترة حكم مبارك، حيث تجاهل النظام السابق توزيع ثمار معدلات النمو المرتفعة التى تحققت فى السنوات الأخيرة قبل الثورة، فغابت العدالة الاجتماعية واستأثرت حفنة قليلة من الشعب بهذه الثمار استناداً إلى نظرية تساقط ثمار النمو الفاشلة والتى تفاخرت بها حكومات نظيف وخلقت تشوهات اقتصادية.
طالب لطفى الرئيس مرسى باجراء مصالحة وطنية مع جميع القوى السياسية «المعارضة»، فلا حديث عن اقتصاد إلا بعد حد أدنى من التوافق السياسى والذى قد يحرك المياه الراكدة فى الاقتصاد، عبر لقاء يدعو له الرئيس لرموز المعارضة ويحدد جدول أعماله مسبقا، وقال: «إحنا قدرنا نعمل توافق مع اسرائيل مش هنقدر نعمل توافق مع نفسنا لعبور الأزمة الراهنة».
وبالنسبة لمشروع قانون الصكوك الذى اثار الجدل مؤخرا، شدد لطفى على ضرورة تنقيح مشروع القانون المطروح حالياً من قبل حزب الحرية والعدالة بالتنسيق مع وزارة المالية وهيئة الرقابة المالية قبل عرضه على مجلس الشورى واقراره نهائيا، بما يضمن عدم انحرافه عن هدفه الرئيسى وهو تمويل مشروعات قومية جديدة ذات جدوى اقتصادى تدر عائداً لحملة الصكوك والدولة بعيدا عن تمويل عجز الموازنة العامة للدولة.
وقال انه لابد من طرح المشروع للحوار المجتمعى بمشاركة واسعة لعدد من الخبراء الاقتصاديين مع انشاء هيئة شرعية لتقييم مدى ملاءمة المشروعات للشريعة الاسلامية.
وشدد لطفى على ضرورة أن تكشف الحكومة عن الضمانة الواضحة لحملة الصكوك وهل سيتم طرح صكوك بضمان اصول الدولة وحال فشل المشروع هل سيرجع حملة الصكوك على الأصول أم لا، حفاظا على الاصول العامة.
ورأى أن المشروعات التى ستمول عبر الصكوك معرضه لمصير مشروع توشكى «الحلم الضائع» على حد قوله، فى حالة غياب دراسات الجدوى المحترفة لها.
وقال رئيس وزراء مصر الأسبق ان القرارات الضريبية الاخيرة التى أقرها الرئيس مرسى نهاية ديسمبر الماضى وتراجع عنها بعد ساعات لم يصدر قراراً رسمياً بتأجيلها واكتفى بالتأجيل الشفهى لاحتواء غضب شعبى جارف تخوفا من ارتفاع الأسعار، ما جعلها تدخل حيز التنفيذ الفعلى بواسطة التجار فى ظل غياب واضح لرقابة الدولة.
وطالب بزيادة حد الاعفاء لضريبة كسب العمل إلى 12 ألف جنيه سنويا بواقع 1000 جنيه شهريا، مع وضع خطة لمكافحة التهرب الضريبى، وسرعة تطبيق قانون الضريبة العقارية الذى سيدر مليارى جنيه للخزانة العامة للدولة.
واقترح تطبيق ضريبة بنظام الشرائح التصاعدية على الشركات تبدأ بـ 5% وتصل إلى 30%، فالضريبة فى أمريكا تصل إلى 40%، ما يعنى أن الضريبة المنخفضة ليست عاملاً فى جذب الاستثمارات.
كما طالب بتحصيل المتأخرات الضريبة التى تبلغ 60 مليار جنيه على ان يتم خصم المتأخرات من اصل الضريبة وليس من قيمة غرامات وفوائد التأخير، خاصة ان المتأخرات عندما خصمت من الغرامات لم تأتِ بحصيلة للمصلحة.
ونادى لطفى بترشيد النفقات العامة بعيدا عن التقشف الذى سيتضرر منه الفقراء ومحدودو الدخل، والتوقف عن تغيير اطقم سيارات الوزراء مع كل تعديل وزارى، ما يحمل خزانة الدولة اعباء اضافية، إلى جانب تقليل المكافآت التى تبلغ 59 مليار جنيه وفقا للموازنة العامة للدولة، وتساءل «كيف نستثمر 55 مليار جنيه ونمنح مكافآت بنفس المبلغ؟».
وطالب بتخفيض اعداد أعضاء التمثيل الدبلوماسى للسفارات والقنصليات والمكاتب الخاصة الملحقة بالسفارات كمكاتب الاستعلامات والسياحة ومصر للطيران نظرا لتزايد اعضائها، وقال «الفراش يحصل فى المكاتب الخارجية على 2000 دولار شهريا رغم الأزمة المالية التى تمر بها البلاد».
من جهة أخرى، وصف لطفى الصناديق الخاصة بأنها «مغارة على بابا» نظرا لغياب الرقابة عن أموال تلك الصناديق، واقترح تشكيل لجنة رقابية تشرف على الصناديق تتكون من الجهاز المركزى للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية والبنك المركزى ووزارة المالية.
قال ان هيكلة الدعم البالغ 130 مليار جنيه لا تعنى تقليله بل وضع اجراءات وضوابط تسمح بوصوله إلى مستحقيه، فترشيده سيوفر 75 مليار جنيه، فكيف للحكومة أن تدعم مواطنا فى امكاناتى.
اشار إلى ان ترشيد الدعم يختلف من سلعة إلى اخرى، فأنبوبة البوتاجاز تكلف الدولة 60 جنيهاً وتبيعها بـ 2 جنيه وتصل للمواطن بـ 30 جنيهاً وتصل إلى 60 فى أوقات الأزمات الشديدة، والفقير يحصل على أنبوبة والغنى 5 أنانيب وفقا لتزايد احتياجاته وقدرته على الشراء.
وشدد د. على لطفى على حتمية ربط انابيب البوتاجاز ببطاقة التموين، مع رفع الدعم عن الفنادق والمطاعم والسفارات لتحصل على الانبوبة بالسعر المعلن 60 جنيهاً.
ودعا إلى التوسع فى اقامة المخابز المليونية لحل مشكلة الخبز مع تفعيل الرقابة على المخابز لتجنب تسريب أجولة الدقيق وبيعها فى السوق السوداء بـ 100 جنيه فى حين تحصل عليه من الدولة بمبلغ 16 جنيهاً، بينما ستحل المخابز المليونية بدلاً من 50 مخبزاً عادياً، مع اقامة صوامع لتخزين القمح بدلا من الشونة التى تعرضه للتلف نتيجة عوامل الهواء والرطوبة.
وأعرب لطفى عن مخاوفه من المليارات التى قد تضطر مصر لسدادها جراء لجوء المستثمرين إلى التحكيم الدولى بعد صدور أحكام قضائية ببطلان خصخصة عدد من شركات القطاع العام ومنها «عمر أفندى» و«غزل شبين» و«طنطا للكتان» و«المراجل البخارية»، خاصة أن حكم البطلان يدين الحكومة على عكس حكم فسخ العقد الذى يدين المستثمر.
وأرجع لجوء الحكومة للطعن على استرداد تلك الشركات لأنها لا تملك السيولة المطلوبة لاعادة هيكلتها، إلى جانب عدم وجود كفاءات لإدارتها، وقال: «لا نهوض بالقطاع العام إلا بخصخصة الإدارة للقضاء على ثقافة الموظف العام الذى يحصل على راتب شهرى بغض النظر عن إنتاجه».
حوار/ محمد عياد وأحمد فرحات