كشفت التراجعات الأخيرة فى الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى عن أن مشكلات الاقتصاد الأمريكى باتت عميقة، وهو ما يصعب معه العودة لاداء يساهم فى الحد من البطالة وهبوط الدخل للفرد وللدولة فضلا عن استحالة تكرار فترات ماضية كانت فيها البطالة تقترب من الصفر بين فئات القوى العاملة.
ويرى جوزيف جاجنون فى تحليل له للازمة الأمريكية أنه من غير المتوقع أن تعود الولايات المتحدة إلى معدلات التشغيل الكامل للعمالة لمدة ست سنوات أخرى على الأقل، ويبدو أن الرأى العام فى واشنطن أجمع على أن حكومة الرئيس الأمريكى باراك اوباما ليس لديها أى خيارات أخرى لتحسين تلك التوقعات القاتمة.
أثبت الجدال حول رفع الضرائب وخفض الإنفاق أنه لن يكون هناك أى تحفيزات نقدية أو مالية إضافية الا اذا ازدادت حالة الاقتصاد سوءا، لكن هناك خياراً واحداً أمام إدارة اوباما تمكنها من تحقيق انتعاش مرض فى سوق العمل وهو إتخاذ إجراءات تهدف إلى تضييق العجز المتواجد منذ فترة طويلة فى التجارة الدولية.
كما هو معروف أن صندوق النقد الدولى قد أعطى الضوء الأخضر لحكومة اوباما لاستخدام التدابير اللازمة لخفض العجز التجارى من خلال إدارة تدفقات رأس المال.
ارتفعت معدلات تدفقات رأس المال إلى الولايات المتحدة من قبل الحكومات الأجنبية إلى مستويات غير مسبوقة فى السنوات الأخيرة، وحافظت تلك التدفقات على انخفاض تكاليف الصادرات الأجنبية بشكل اصطناعى وجعلت الصادرات الأمريكية باهظة الثمن بالنسبة للمشترين الأجانب، وتعد هذه التدفقات هى السبب الرئيسى وراء العجز التجارى الكبير الذى تعانى منه الولايات المتحدة فى الوقت الحالي، يتعين على الدولة الاستماع إلى توصيات صندوق النقد الدولى وبذل كل جهد لتهذيب تلك التدفقات الرأسمالية المشوهه وإعادة التوازن إلى ميزان التجارة الدولية.
وبالنسبة للدول الواقعة فى موقف مماثل للولايات المتحدة، يوصى صندوق النقد الدولى بإتباع تدابير سياسية محددة مترابطة ببعضها البعض منها تخفيف السياسة النقدية اذا لم يكن هناك مشكلة بمعدلات التضخم واستخدام سياسة مالية توسعية للحفاظ على النمو إذا كان الدين الحكومى ليس مفرطا وتراكم المزيد من احتياطيات العملات الأجنبية لإضعاف العملة المحلية فضلا عن فرض ضوابط على تدفقات رأس المال.
اتبعت الولايات المتحدة الخطوات الأولى والثانية بكل دقة ولكن النمو مازال ضـعيفا، لذلك حان الوقت للانتقال إلى الخـطوة الثالثة وهى القيام بمشتريات واسعة النطاق لاحتياطيات الدولة من العملات الأجنبية.
يمثل اليورو والين اليابانى جزءاً بارزاً فى احتياطيات واشنطن، وكون اقتصادات منطقة اليورو واليابان يعانيان بالفعل من حالة ركود، ينتقد قادة هاتين الدولتين بالتأكيد المشتريات الرسمية التى تزيد من الضغوط الواقعة على عملاتهما وتقلل من الضغوط على صادراتهما.
البديل الواضح هو شراء «الرينمبى» الصينى، ولكن الصين تمنع الاستثمارات الاجنبية فى عملتها الا من خلال عمليات تجارية محدودة للغاية وحازمة، ولكن البديل هو شراء احتياطيات من عملات الدول التى تتلاعب فى أسعار عملاتها مثل الدنمارك وهونج كونج وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وسويسرا وتايوان.
كما ينبغى على واشنطن، ايضا، التواصل بوضوح مع اليابان وتحذيرها من أن اى تدخلات مستقبلية من قبل حكومة طوكيو لإضعاف الين اليابانى سيتم تعويضه بالكامل من خلال قيام الولايات المتحدة بشراء الين على نطاق واسع.
وبالرغم من ذلك، فإن الدولة مازالت فى حاجة إلى المزيد من الإجراءات، فمن الضرورى أن تكون أمريكا على استعداد لفرض ضرائب وقيود على تدفقات رأس المال خاصة ضد دول مثل الصين التى تتحكم فى أسعار العملة ولا تسمح بمشتريات متبادلة لعملتها من قبل الدول الأخري.
هذه السياسات من شأنها أن توفر ملايين الوظائف فى الولايات المتحدة، ويجب حث حكومات الدول التى بها فائض تجارى على تعزيز الاستهلاك والاستثمار فى الداخل كما دعا قادة مجموعة العشرين، وقد يعزز إعادة التوازن إلى الميزان التجارى النمو العالمى ويجعله أكثر استدامه، مما يعد نتيجة جيدة بالنسبة للعالم بأسره.
اعداد: نهى مكرم