بقلم: محمد العريان
أكدت الملاحظة البسيطة للجنة السياسة النقدية فى بنك انجلترا على التطور التاريخى للبنوك المركزية الحديثة، حيث تعد ملاحظة مهمة وغير مسبوقة ولم تتم تغطيتها بالقدر الكافى فى الخطابات البنكية والمالية التقليدية.
ففى تصريحها يوم 7 فبراير، قالت لجنة السياسة النقدية إنه فى ظل الركود الذى يعانيه الاقتصاد البريطانى ومواجهته لحالة من الانكماش المالى من الطبيعى فحص تلك الفترة المؤقتة وإن كانت ممتدة والتى بلغ فيها التضخم مستويات أعلى من المستهدفة، ومن المؤكد انها كانت فترة طويلة وستظل هكذا، فقد كانت المرة الأخيرة التى وصل فيها معدل التضخم دون النسبة المستهدفة فى نوفمبر 2009، واذا كانت التوقعات الرسمية دقيقة، سوف يظل معدل التضخم اعلى من المستهدف حتى الربع الثالث من عام 2014، أى اكثر من خمسين شهرا متتالية، وكما قال زميلى بشركة بيمكو مايك آمى إن هدف التضخم أصبح أداة غير دقيقة لقياس أداء الاقتصاد.
بنك انجلترا ليس هو البنك المركزى الوحيد الذى يتعامل مع سياسات متناقضة مع معضها البعض، فقد اضطر البنك المركزى الأوروبى مرارا وتكرارا معالجة الامور بطرق تتعارض مع فلسفته وممارساته، كما ان بنك اليابان فى خضم تحول تاريخى جراء الضغط الذى يواجهه من قبل الحكومة الجديدة.
وفى ظل غياب العديد من صانعى السياسات عن أدوارهم، وجدت البنوك المركزية نفسها فى أدوار قيادية دون اختيار منها ولكنها أجبرت على تقلد هذا الدور، ونظرا لعدم امتلاكها الأدوات المثالية لحل الأزمة، فإن مشاركتها ستتضمن «مزايا وتكاليف ومخاطر» كما أشار بن برنانكى، رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، وترى البنوك المركزية أن مزايا الاقتصاد الكلى سوف تفوق الأضرار غير المقصودة وتأمل أنها ستوفر الوقت الكافى للآخرين حتى يتمكنوا من الاستجابة بشكل صحيح ولتتمكن الاقتصادات من التعافى بشكل تدريجى.
المشكلة الأساسية التى تواجهها البنوك المركزية هى أنها تسعى لتحقيق أهداف كثيرة مع ادوات قليلة، لذلك دائما ما تـأتى النتائج دون توقعاتها ويعد هذا أيضا السبب وراء إهمال الحديث عن الخروج من الأزمة مرارا وتكرارا.
غياب دعم أفضل من قبل صانعى السياسة الآخرين، من شأنه ان يؤدى إلى انزلاق البنوك المركزية إلى تجارب سياسية أعمق، جنبا إلى جنب مع فشل الهياكل المحفزة للانسجام معها بشكل صحيح وتتضح ردود الافعال الحمقاء بدءا من عدم الاكتراث السياسى المستمر ونشاط السوق المشوه الذى يؤدى إلى توزيع الموارد بشكل ضار.
ثم تأتى بعد ذلك القضية الكبرى وهى أن آثار التدابير النقدية غير التقليدية من المرجح أن تصبح متقلبة ومنقسمة إلى حد كبير اذا شعر عدد متزايد من البنوك المركزية حول العالم بأنه ليس أمامها سوى الانضمام إلى الموقف السياسى الذى يتبعه الغرب حاليا.
قد يعزز التحول الكبير إلى سياسة نقدية توسعية من احتمالية اثارة الروح الحيوانية وآثار الثروة، هذان العامان اللذان من خلالهما تتم ترجمة أسعار أصول السياسة المعدلة إلى أسس اقتصادية أفضل وبالتالى تزداد احتمالية الانتقال من النمو المدعم «بالمحفزات الاقتصادية من البنوك المركزية» إلى النمو الحقيقى.
على الرغم من ذلك، قد تصاب قنوات التسعير النسبى بما فى ذلك علاقة العملات بالشلل اذا لجأ العديد من البنوك المركزية إلى نفس السياسة، وقد تؤدى الآثار الضارة لإفقار سياسات الدول المجاورة إلى تفاقم الاضرار الناجمة عن الموجة الصناعية فى أسعار الأصول التى تشجع على اتخاذ مخاطر غير مسئولة والتضخم السيئ وتفاقم مخاطر الخفض غير المنظم لمعدلات الديون.
من الواضح أن نتائج سياسات البنوك المركزية قد تكون افضل إذا حصلت على دعم أقوى من قبل هؤلاء الذين على اتصال مباشر مع الإنتاج والطلب وايضا من قبل المؤسسات متعددة الأطراف المنوطة بتنسيق السياسات العالمية.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز