تباينت آراء الأحزاب الليبرالية والإسلامية حول سبل الخروج من المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر حالياً، وبدء تحقيق الاستقرار والذى سينعكس بدوره على الوضع الاقتصادى، وسيلعب دوراً أساسياً فى جذب الاستثمار الأجنبى إلى مصر.
وفيما رأت أحزاب تنتمى إلى تيارات إسلامية أن السبيل لاستقرار البلاد يتمثل فى منح حزب الأغلبية البرلمانية الحق فى تشكيل الحكومة حتى يمكن محاسبته على أدائه، وتحقيق التعاون المشترك بين الحكومة والسلطة التشريعية وسهولة أداء الحكومة لمهامها فى ظل تعاون ورقابة من البرلمان، رهنت التيارات الليبرالية، تحقيق الاستقرار بتقديم جماعة الإخوان بعض التنازلات، حتى يمكن لم الشمل بين مختلف القوى، بالإضافة إلى التعاون غير المشروط من الأحزاب السياسية.
قال الدكتور محمد جمال حشمت، عضو المكتب التنفيذى لحزب الحرية والعدالة، إن محاسبة التيار الإسلامى على أدائه فى السلطة خلال الفترة الحالية تتطلب حصوله على كل الآليات التى يستطيع معها إدارة زمام الأمور، حتى تتم محاسبته بكل شفافية.
اكد ان الخروج من المرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد يتطلب تشكيل الحزب ذى الاغلبية البرلمانية الحكومة القادمة لتقييم أدائها والوقوف على هوية المقصرين وسهولة محاسبتهم.
قال الدكتور حسين إبراهيم، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة وكيل لجنة الشئون الزراعية بمجلس الشورى، إن الحزب سيبدأ فى لم شمل جميع الأحزاب من حوله للوصول إلى توافق حقيقى فى مجلس الشعب القادم، وأنه على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة الفترة القادمة لإنهاء حالة الصراع بين الأحزاب السياسية التى اندلعت خلال الفترة السابقة.
أكد إبراهيم أن الحزب سيعمل على لم شمل الفصائل المختلفة فى قوائمه الانتخاببة ولن يقصرها على أعضاء حزب الحرية والعدالة، وانه سيكون من بين هذه القوائم أقباط بأعداد معقولة بشرط توافق أفكارهم مع توجهات الحزب.
أشار الدكتور طارق شعلان، عضو اللجنة الاقتصادية لحزب الوطن السلفى، إلى إن مصر بحاجة لتكاتف ووعى جميع مواطنيها بما تمر به البلاد وإشراكهم فى تحمل المسئولية بإيجابية، والاعتراف بأن هناك مشكلة وعلى الجميع التعاون من أجل حلها، ووقف محاولات تهييج وبلبلة الموقف والأحداث، وتجميعهم حول مشروع قومى كتطوير محور قناة السويس، بالإضافة إلى طرح عدة مشاريع ستساعد مصر على الانتقال من رهبة التكلفة إلى رحابة العائد، وستؤدى إلى تشجيع المستثمرين وستلعب دوراً أساسياً فى نقل مصر من السياسة الانكماشية إلى الانفتاحية، ووضع بعض التشريعات الاقتصادية التى تحتاجها مصر خلال الفترة القادمة كقانون الإيجارات ووصول الدعم لمستحقيه وقوانين لحل مشاكل العشوائيات وأخرى جديدة لتنشيط الاستثمار.
ورفض فكرة تشكيل حكومة ائتلافية لما ستواجهه من مشاكل كبيرة نتيجة اختلاف الرؤى والتوجهات بين قياداتها، مؤكداً أنه من حق حزب الأغلبية تشكيل الحكومة.
من جانب آخر، رهنت التيارات الليبرالية تحقيق الاستقرار بتقديم جماعة الإخوان المسلمين بعض التنازلات سعياً إلى لم الشمل بين الأطراف السياسية المختلفة وسيعكس الجانب الإيجابى للجماعة لدى الشعب، بالإضافة إلى سرعة العمل على تعديل الدستور كما وعد رئيس الجمهورية من قبل.
رأى حمادة غلاب، عضو الهيئة العليا لحزب المصريين الأحرار، عضو مجلس الشورى، ان الطريق الوحيد لتحقيق الديمقراطية هو أن يضم البرلمان القادم جميع الفصائل السياسية بنسب متساوية ولا يكون أغلبيته من حزب الأغلبية حتى لا يسير التشريع كما يرى الحزب فقط. انتقد ما يحاول حزب «الحرية والعدالة» السعى إليه من تحرير الانتماء الحزبى داخل مجلس الشعب وحرية التنقل بين الاحزاب، مما سيعمل على خلق حزب وطنى جديد.
وقال رامى لكح، عضو مجلس الشورى، إن تصحيح المسار يجب أن يبدأ بتعديل الدستور الذى خرج رغماً عن إرادة الأحزاب للوصول إلى توافق حقيقى بين الاحزاب الليبرالية والإسلامية.
شدد على أهمية النظر إلى مطالب الأقباط وسط هذا المعترك السياسى وضرورة أن يتم تعديل قانون الانتخابات للسماح لهم بالحصول على كوتة فى مجلس الشعب، وخاصة بعد الإرهاب والتخويف اللذين يتعرض لهماالأقباط فى مصر.
ومن جانبه، قال حسام الخولى، السكرتير العام المساعد لحزب الوفد، لـ«البورصة»، ان سبيل الخروج من الأزمة المشتعلة فى مصر وتصحيح مسارها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحدوث توافق سياسي ولن يحدث ذلك إلا بتشكيل حكومة ائتلافية قوية بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية بما يسمى «حكومة إنقاذ» يمثل فيها جميع الأحزاب تمثيلاً فعالاً وتنازل جميع القوى عن بعض أهدافهم، على أن تحاول الحكومة القادمة الابتعاد عن الخوض فى السياسة والتركيز على تحسين الوضع الاقتصادى ومصارحة الشعب بحقيقة الوضع وما على الحكومة من واجبات وما على الشعب من مهام كنوع من المشاركة الوطنية، فضلاً عن تساوى الجميع أمام القانون.
وأضاف: يجب أن يشكل البرلمان القادم بصورة متوازنة تعكس التنوع السياسى فى مصر، فضلاً عن ضرورة اهتمام الحكومة بالعدالة الاجتماعية بما يسهم فى وقف ظاهرة الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات المتكررة ورفع طاقة الإنتاج ووضع حدود للعمل وحقوق العامل، بالإضافة إلى إصدار مجلس النواب قوانين واضحة للإضرابات العمالية.
وأكد أن المشكلة الحقيقية بين الأحزاب السياسية لا ترتبط بالأغلبية والأقلية وإنما بكيفية تعايش القوى السياسية سوياً وقبولها الآخر وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية لكلا الطرفين، وتحديد آليات التعامل بين الأطراف المعارضة والحاكمة، والعمل على تقريب محاور الرؤى وإن اختلفت.
واستشهد بتجربة أمريكا السياسية حيث إن قوتها تعتمد على أحزابها السياسية وتنافسها فضلاً عن حالة التوازن فيما بينها، ما اعتبره السبيل الصحيح لتصحيح مسار مصر سياسياً، حيث إن الغلبة يتبعها تراخ وأخطاء عديدة من جانب أتباعها.
ولفت الخولى إلى ضرورة أن تعيد الأجهزة الرقابية والمالية محاسبة المسئولين وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء وعدم تغليب طبقات اجتماعية على الأخرى، وإصدار قوانين تشريعية تعطى للعامل حقه وتربط الأجر بمعدل الإنتاج وتحديد الحد الأدنى للأجور، ومحاسبة المؤسسة الرئاسية بشفافية عما ينفق دورياً فضلاً عن الحكومة والوزارات المعنية.
من جهته، ربط الدكتور ثروت بدوى، الفقيه الدستورى، لـ«البورصة»، تصحيح مسار البلاد فى مختلف الجوانب بتضافر جهود المواطنين مع جميع الأجهزة الحكومية، وأن تعمل الحكومة ما فى وسعها من أجل منع المعارضة من الاسترسال فى تشويه صورة الحكومة وإثارة الفتن والشائعات التى تشكك فى كل شيء.
وشدد على ضرورة أن تعيد الحكومة هيكلة جهاز الإعلام باعتباره يلعب دوراً خطيراً ومفسداً فى البلاد يشوه من خلاله الحقائق والتشكيك وتأليب الفئات ضد بعضها.
وطالب بضرورة التزام جميع وسائل الإعلام بنشر الحقائق دون تشويه، ومنع كل وسائل التخريب سواء عن طريق الاعتصامات أو الإضرابات أو الامتناع عن العمل دون اللجوء لإصدار قوانين جديدة، وعدم الاعتداء على المال العام وتعطيل سير المرافق العامة، لافتاً إلى أن حل مشكلات الأجور لن يأتى من خلال خلال المظاهرات الفئوية.
أكد الدكتور أحمد البرعى، المتحدث الرسمى لجبهة الإنقاذ الوطنى، لـ«البورصة» ان إعادة تشكيل حكومة إنقاذ من جميع الأطراف وعدم اقتصارها على حزب الحرية والعدالة ستلعب دوراً فى تحقيق نوع من التوافق وصولاً إلى تحقيق استقرار الأمور وبدء تحقيق استقرار سياسى واقتصادى فى الدولة للتغلب على الأزمة الاقتصادية الطاحنة والتى بحاجة لحوار بناء تشارك فيه جميع الأطراف السياسية، لافتاً إلى أن الاستقطاب القائم فى مصر جاء نتيجة الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى، والذى أسقط الشرعية القانونية وما تلاها من خطوات دون اعتبار لمطالب المعارضة.
واستبعد أن تحقق مصر خطة الإصلاح طالما ظل الانقسام والانشقاق قائماً بين القوى السياسية.
واعتبر قانون الانتخابات بداية ما يسعى إليه الحزب الحاكم من تغليب اتجاه على الآخر، وسيطرة فصيل سياسى واحد على مقاليد البلاد دون إشراك باقى المجتمع، وهو ما سيترتب عليه برلمان معيب كسابقه، فضلاً عن حركة المحافظين ذوى الطابع الإسلامى ومحاولة كسب المحليات والتغيير الوزارى الأخير.
شدد البرعى على ضرورة وجود سلطة تشريعية قوية تحت قبة البرلمان تقدر المسئولية الملقاة على عاتقها خاصة الجانب الفنى بأن يملك أعضاء البرلمان كفاءات تمكنهم من حل الأزمة وصياغة قوانين فعالة، فضلاً عن تفعيل الدور الرقابى، واتخاذ قرارات جريئة وحاسمة، وهو ما يعتمد فى الأساس على إجراء انتخابات نزيهة.
وحذر من ثورة جياع مكتملة المعالم فى حال تزايد الوضع الاقتصادى سوءًا. مطالباً بضرورة تفعيل خطة إصلاح سريعة المدى تسهم جميع الأحزاب وتتكاتف فى وضعها وتنفيذها خلال مدى زمنى قصير اقصاه 3 سنوات.
ومن جانبه، قال مختار نوح القيادى بحزب «مصر القوية»، إن الأوضاع فى مصر ستزداد سوءا نظراً لعدم وجود رؤية سياسية وخارطة طريق تسهم فى تنظيم حركة البلاد وإنما يعمل النظام الحالى بطريقة عشوائية تؤدى إلى تدهور الأوضاع.
اكد أن المسار السياسى للبلاد لن ينصلح إلا بخفض تمثيل الإخوان فى البرلمان القادم، وأن حزب الحرية والعدالة لو خاض الانتخابات بقوائم مستقلة لن يفوز إلا بنحو 20% من مقاعد البرلمان وفى هذه الحالة سوف تحقق تشكيلة البرلمان القادم التوافق الحقيقى بين جميع اطياف الشعب.
وذكر أن جماعة الإخوان المسلمين غير قادرة على قيادة مقاليد الحكم، حيث تعتمد فى إدارتها على الصفقات الخفية وتفتقد إلى الشفافية والوضوح.
وأكد نوح أن إصلاح الوضع السياسى سيؤثر بالإيجاب على الاقتصاد خاصة أن العالم يتعامل مع مصر ـ فى الوقت الحالى وفقا للمتغيرات السياسية التى تمر بها، ويضع فى المقام الأول مدى تأثير ذلك على الاقتصاد.
بينما قلل حمدى الفخرانى، العضو بجبهة الإنقاذ، من قدرة الإخوان على الخروج بالبلاد من هذا النفق المظلم خاصة أن أسعار جميع السلع سوف ترتفع وأنهم أرجأوا الزيادات بعد شهر ابريل حتى الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب ليضمنوا أكبر عدد من مقاعد البرلمان.
وإشار إلى أن الأمور ربما ستبدأ فى العودة للوضع الديمقراطى الذى يرغبه الجميع بعد الانتخابات البرلمانية القادمة التى يتوقع ألا يزيد عدد المقاعد التى سيحصل عليها الاخوان فى البرلمان عن 30% بعد تراجع شعبيتهم الفترة الأخيرة ووقوفهم بالقوة ضد رغبات قطاع عريض من الشعب.
على الجانب الحيادى، رهن محللون سياسيون تحقيق الاستقرار وانتهاء حالة الاستقطاب الموجود فى الشارع بمدة زمنية 4 سنوات للتخلص من آثار النظام السابق،وحتى تنتهى الفترة الرئاسية الأولى للدكتور محمد مرسى وتظهر حقيقة جماعة الإخوان وما حققوه للشعب.
وتوقعوا ألا يقل عدد مقاعد الإخوان فى الانتخابات البرلمانية القادمة عن 50% حيث انهم مازالوا الأكثر تنظيما وأن المعارضة غير قادرة على التنظيم مثل جماعة الإخوان المسلمين.
قال سعيد اللاوندى، استاذ العلوم السياسية، إن المسار السياسى لا يتغير خاصة انه لا يوجد رؤى واضحة ولا مسعى لتغيير الأوضاع وإنما وعود وشعارات لضمان أصوات الناخبين فى الانتخابات فقط لأن الهدف الوحيد لجماعة الإخوان هو الفوز فى جميع الانتخابات وعدم العمل لمصلحة المواطن وإنما لمصالحهم الذاتية.
وذكر ان الاهداف التى اندلعت من أجلها ثورة يناير لم تتحقق حتى الآن، وان جماعة الإخوان المسلمين لم تنجح فى لم شمل الأطراف السياسية المختلفة، لذلك عليها تقديم تنازلات سياسية حتى لا تكرر تجربة الحزب الوطنى الذى كان يرى نفسه الوحيد القادر على إدارة البلاد.
توقع الدكتور حسن نافعة، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أن تشهد الانتخابات البرلمانية القادمة تراجعاً فى حصة تيار الإسلام السياسى وتقدم للتيارات الأخرى، وهو ما سيعمل على تحقيق نوع من التوازن، لافتاً إلى أن التقدم الذى ستحرزه لن يكون كافياً للحصول على أغلبية كبيرة وبالتالى فإن المقاعد فى مجلس النواب القادم ستتوزع ولن يحصل تيار واحد على أغلبية كبيرة.
وقال رفعت سيد احمد، الكاتب والباحث السياسى والمدير العام والمؤسس لمركز «يافا» للدراسات والأبحاث السياسية، إن الأوضاع فى مصر لا تتغير وأن الارتباك والفوضى سوف تنتهى خلال اربع سنوات خاصة أن الدولة تمر بمرحلة انتقالية ثانية بعد أن ارثت مصر تركة فاسدة وفاشلة على نحو 30 عاماً وإصلاحها غير متاح فى أقل من أربع سنوات.
أكد أن ما يجب انتهاجه خلال هذه الفترة هو تكوين أحزاب مدنية منظمة ذات فكر سياسى جيد تستطيع إدارة البلاد بعد أربع سنوات والتغلب على سيطرة الإخوان المسلمين.
أشار جمال سلامة، رئيس قسم العلوم السياسية فى جامعة قناة السويس، إلى ان النظام الحاكم غير قادر على إدارة البلاد سواء فى المنحى السياسى أو الاقتصادى تفتقد كل الرؤى التى تعبر بالبلاد من الأزمات الطاحنة التى تمر بها ويجب العمل على تغيره مرة أخري.
وقال إن عدم سماعها لأصوات المعارضة وأصوات الشعب فى ظل تكرار الحوادث والضحايا وعدم قدرتهم على التصرف واتخاذ القرارات السليمة كل هذا يؤجج من رفض ولفظ المجتمع لهم.
ودعا قوى التيار الإسلامى للتفكير بشكل عقلانى ومبدع لإزالة جدران عدم الثقة التى بنيت بينه وبين القوى والتيارات الأخرى وبدون ذلك لن يكون هناك أمل فى الخروج من هذه الهوة السحيقة، فضلاً عن وجود أزمة اقتصادية بسبب التدهور المنتظم للجهاز الإدارى والخدمي.
أوضح الدكتور حازم الببلاوى، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية الأسبق، ان مصر لن تتحسن أوضاعها الاقتصادية إلا إذا شهدت حالة من الاستقرار السياسى، لافتاً إلى أن حالة الانقسام تسهم بشكل كبير فى تدهور الأوضاع الاقتصادية وهو ما سوف يضعف من قدرة البلاد على مواجهة المشاكل.
كتب – مصطفى صلاح ووفاء عبد البارى ونرفانا الشبراوى