توصل الصندوق إلى تقديم مساعدات لمصر تبلغ قيمتها 4.8 مليار دولار فى نوفمبر 2012 لدعم البرنامج الاقتصادى الذى أقرته السلطات.
وصل حجم محفظة صندوق النقد الدولى المخصصة لإقراض الدول العربية فى نهاية 2012 إلى 8.4 مليار دولار، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادى فى المنطقة، وارتفاع نسبة مديونيتها التى تشكل هاجساً للصندوق.
على الرغم من الاضطرابات التى تعم الدول العربية المحيطة بدول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها لا تؤثر أبداً على اقتصاد هذه الدول بشكل سلبي، وأكثر ما يقلق صندوق النقد الدولى حالياً هو ارتفاع نسبة الدين العام فيها، إذ بينت دراستنا لأفضل السياسات الاقتصادية أداء فى العالم العربى 2012، انخفاضاً واضحاً فى تغير نسبة الدين العام، مقارنة بالعام 2011 للعديد من الدول العربية والنفطية منها على وجه الخصوص أما أكبر ارتفاع فيعادل 112.15% من الناتج المحلى الإجمالى وليس هذا بغريب لاسيما بعد الانفصال، وانخفاض العوائد النفطية، والهبوط الحاد فى قيمة العملة منذ عام 2010.
وللحصول على معرفة أكبر حول هذا الموضوع قمنا بطرح بعض الأسئلة على الأستاذ مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط فى صندوق النقد الدولي:
ما تعليقك على الحالة الراهنة لاقتصادات البلدان المصدرة للنفط؟
تسير الأمور على نحو جيد عموماً فى بلدان الشرق الأوسط المصدرة للنفط، إذ استطاعت استخدام العائدات المحققة من ارتفاع أسعار النفط، للحفاظ على النمو فى بيئة عالمية اقتصادية ضعيفة، وقد سمحت هذه الأسعار باستمرار مستويات الانفاق الحكومى المرتفعة التى تعمل بجانب انخفاض أسعار الفائدة على دعم النشاط الاقتصادى داخل النفط، وخاصة فى دول المجلس.
كيف ترى تطور الاقتصادات فى بلدان ما يسمي: الربيع العربي؟
فيما يتعلق باقتصادات هذه البلدان، فقد أدى التغير السياسى والمطالب الاجتماعية، وما صاحبهما من تباطؤ على المستوى العالمي، إلى زيادة المخاطر التى تهدد استقرار الاقتصاد الكلى على المدى القصير، فقد تعثر النمو الاقتصادى مع الهبوط الكبير الذى سجلته الصادرات على مدار العامين الماضيين، ومع التحسن البطيء فى معدل قدوم السائحين الذى انخفض إلى حد كبير فى عام 2011، وهناك تزايد فى معدل البطالة، وضغوط على الموازنات، كما حدث استنزاف كبير للاحتياطيات الحكومية.
ما حجم محفظة الائتمان المخصصة لإقراض البلدان العربية؟ وما هى المجموعة المستهدفة؟
عمدنا إلى إنشاء محفظة مخصصة لإقراض بلدان التحول العربي، وصل حجمها إلى 8.4 مليار دولار، ومن الدول التى استفادت منها: الأردن، بقرض قيمته 2.1 مليار دولار والمغرب من خلال منحه خطاً للسيولة الوقائية، الذى يُعرف بأنه قرض يستخدم للحد من شح السيولة المحتمل فى موارد الحكومة المغربية، بقيمة 6.2 مليار دولار، بالإضافة إلى 100 مليون دولار لليمن بعد تشكيل حكومته الانتقالية الجديدة مباشرة.
وتجرى الآن مباحثات مع مصر وتونس حول الدعم المالى الذى يمكن أن نقدمه لتيسير التحول الراهن وبالتأكيد، فنحن على استعداد لدعم أى بلد آخر يقرر طلب المساعدة المالية وسيعتمد حجم هذه المساعدة على ظروف كل بلد واحتياجاته الخاصة.
ما هى الحلول المقترحة للبلدان ذات الديون المرتفعة؟
على مدار العامين الماضيين، شهدت البلدان المستوردة للنفط فى منطقة الشرق الأوسط ارتفاعاً كبيراً فى مستويات الدين بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض، واتساع عجز المالية العامة، وانخفاض النمو الاقتصادي.
ولأن متوسط الدين العام وصل الآن إلى أكثر من 70% من إجمالى الناتج المحلي، فقد ارتفعت المخاطر التى تتعرض لها المالية العامة.
وعلى ذلك، أصبح اتخاذ خطوات مؤثرة سياسياً لتخفيض العجز وضبط أوضاع المالية العامة مطلباً ملحاً ومن الأولويات فى هذا السياق إلغاء الدعم المعمم، واستخدام أدوات بديلة من خلال شبكات الأمان الاجتماعى الموجهة بدقة أكبر إلى الشرائح السكانية المستحقة فالدعم المعمم لا يوفر مستوى جيداً من الدعم للفقراء، ناهيك عن تكلفته الباهظة وفى مصر على سبيل المثال، تستفيد نسبة الخمس الأكثر ثراء بين السكان من دعم الطاقة وتشير بحوث الصندوق الدولى فى الشرق الأوسط إلى وجود أوضاع مماثلة فى كثير من البلدان الأخرى ومن الضرورى للغاية تحسين جودة الانفاق الحكومى بشكل عام لتلبية الاحتياجات الاجتماعية، وزيادة الاستثمار، وتخفيض عجز المالية العامة الذى يرفع مستويات الدين، ويزاحم الإقراض المتاح للقطاع الخاص وكل ذلك سيساعد أيضاً على توفير وظائف أكثر وزفضل للقوى العاملة.
ما تعليقك على نسبة الدين المرتفعة فى مصر والبالغة 4.3% لتصل إلى 79.748% من إجمالى الناتج المحلى فى نهاية 2012؟
الدين العام المصرى استمر فى الارتفاع لأسباب كثيرة، منها: التباطؤ الاقتصادي، لكنه يرجع فى الأساس إلى ارتفاع عجز الموازنة العامة، الذى يعكس زيادة الانفاق الحكومى بشكل هيكلى مقارنة بالإيرادات.
مع الأسف، تراكمت الديون فى الأساس لتغطية دعم الطاقة الكبير وغيره من النفقات الجارية، وليس لإقامة بنية تحتية أو للاستثمار فى قطاعى الصحة والتعليم، وللخروج من هذا الوضع غير القابل للاستمرار، ينبغى أن تخفض مصر عجز موازنتها العامة على نحو تدريجى ولكنه حاسم، وهو ما يمكن تحقيقه بترشيد دعم الطاقة، مع تقوية الانفاق الاجتماعى الموجه وزيادة الاستثمارات، وكذلك زيادة الإيرادات الضريبية على أساس عادل ومع مرور الوقت، يمكن أن يعود الدين العام فى مصر إلى مسار تنازلي، إذا عاد النمو الاقتصادى استناداً إلى سياسات اقتصادية كلية منسقة ومستقرة، وعادت الموارد العامة إلى وضعها الطبيعي.
هل لك أن تطلعنا على تفاصيل القرض المقدم لمصر من الصندوق؟
توصلنا إلى تقديم مساعدات تبلغ قيمتها 4.8 مليار دولار فى نوفمبر 2012 وبما يغطى 22 شهراً، وكان الهدف من اتفاق الاستعداد الائتمانى الذى تم التوصل إليه، دعم البرنامج الاقتصادى الذى وضعته السلطات لمعالجة هذا العجز الكبير فى المالية العامة وميزانية المدفوعات، وتمهيد الطريق لتعافى النمو غير أن اتفاق الاستعداد الائتمانى لم يُرفع إلى المجلس التنفيذى للصندوق حتى تتم الموافقة عليه، لأن السلطات المصرية طلبت التأجيل نظراً لتطورات الموقف السياسى فى ديسمبر 2012، لايزال الصندوق ملتزماً بدعم مصر ونتوقع استئناف المباحثات فى الأسابيع القادمة حول ما يمكن تقديمه من دعم مالي، بعد انتهاء السلطات من مراجعة البرنامج الاقتصادى وتحديثه.
ما هى الآليات والإجراءات المتعلقة بتطوير المشروع الإقليمى لمساعدة البلدان العربية؟
بالإضافة إلى تقديم المساعدات المالية، نساعد بلدان التحول فى الحصول على دعم المجتمع الدولى الأوسع نطاقاً، من خلال التمويل والمساعدة الفنية وإتاحة فرص أفضل للنفاذ إلى أسواق التصدير، كذلك بناء مؤسسات وقدرات أفضل عن طريق المساعدة الفنية فى مجالات متعددة، مثل: الإدارة المالية العامة وإصلاح القطاع المالي.
ما هى الشروط التى يضعها الصندوق لتقديم الدعم إلى بلدان التحول العربي؟
الصندوق يقدم قروضاً لمساعدة البلدان على تنفيذ السياسات التى تهدف إلى تصحيح التشوهات الاقتصادية، والحد من الضغوط على الاقتصاد الكلي، حتى تقف على أقدامها من جديد دون الحاجة إلى مزيد من التمويل الاستثنائي.
ونحن نعتقد أن كل بلد يجب أن يجد مساره الخاص للتعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية إذ إن فرض سياسات من الخارج لا ينجح فى العادة لهذا فإن منهجنا فى إقراض أى بلد عضو يقوم على دعم سياسات الإصلاح الاقتصادى التى تصممها وتملكها البلدان ذاتها وتتركز مهمتنا فى التأكد من توافر الدعم السياسى والمجتمعى لهذه السياسات، ومن قيام الحكومات بتنفيذها حسب الخطة الموضوعة ولتحقيق الاستفادة القصوى من قروض الصندوق، يجب على الحكومات أن تهدف ابتداء إلى تصحيح التشوهات التى أنشأت المشكلات الاقتصادية، وخلقت الحاجة إلى الاقتراض، وللمساعدة فى تحقيق ذلك تُصرف معظم قروض الصندوق على دفعات ترتبط بتنفيذ إجراءات محددة ينص عليها برنامج الحكومة والهدف من هذه الشروط التى ترتبط بالقرض هو التأكد من سير التقدم فى التنفيذ، وأن البلد المقترض سيتمكن من السداد للصندوق حتى تتسنى إتاحة الموارد لبلدان أخرى تحتاج إليها.
ما هى البلدان التى تدعم الصندوق؟
عضوية الصندوق شبه عالمية، إذ يضم 188 بلداً عضواً وللانضمام إليه يجب أن يتقدم البلد المعنى بطلب إلى الصندوق ثم يوافق عليه من أغلبية الأعضاء الحاليين، وقد انضمت جمهورية جنوب السودان إلى الصندوق فى أبريل من العام الماضي، ليصبح عدد الدول الأعضاء 188 بلداً أما الموارد فيحصل الصندوق على معظم موارده من البلدان الأعضاء، لاسيما من المدفوعات التى تؤديها البلدان لسداد ما يسمى بحصص العضوية، وهى حصص مخصصة لكل بلد عضو عند انضمامه إلى الصندوق، وتعتمد فى الأساس على حجم البلد النسبى فى الاقتصاد العالمي، كما تحدد حجم إسهامه فى موارد الصندوق المالية وقوته التصويتية النسبية.
ما العلاقة بين صندوق النقد العربى «amf» وصندوق النقد الدولى «imf»؟
علاقتنا وثيقة للغاية بصندوق النقد العربي، ونحرص على التنسيق معه فى القضايا الإقليمية والقُطرية، عبر الاشتراك معاً فى الفعاليات والمنتديات الإقليمية، وتبادل المعلومات حول الدعم المالى والفنى الذى يقدم للمنطقة كما نعمل بالتعاون الوثيق مع صندوق النقد العربى فى تقديم التدريب لبلداننا الأعضاء، فى منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لمساعدتها فى تعزيز ما لديها من قدرات على تصميم السياسات الاقتصادية: الكلية والمالية، وتنظم كل عام عدداً من الدورات التدريبية فى مقر صندوق النقد العربى فى أبو ظبى بالاشتراك مع مركزهم التدريبى فى الكويت على نحو سنوي.
وبالإضافة إلى ذلك ففى ظل مبادرتنا المشتركة من أجل «تطوير أسواق أدوات الدين فى البلدان العربية» التى أطلقت فى عام 2009، نقدم المساعدة الفنية لمساعدة البلدان على تعميق أسواقها المالية، من خلال إقامة أسواق لأدوات الدين المحلى وقد بدأنا العمل فى العام 2012 مع صندوق النقد العربى فيما يطلق عليه اسم «مبادرة عربستات» التى تهدف إلى تحسين إحصاءات الاقتصاد الكلى عبر بلدان المنطقة.
ما هى تطلعاتك للعام 2013؟
تنبأنا بحدوث بعض التعافى الاقتصادى لكنه لن يكون قوياً بما يكفى لمعالجة البطالة المزمنة والمتزايدة كما يؤدى الصراع المأساوى الدائر فى سوريا إلى أزمة إنسانية خطيرة بما قد يصاحبها من تداعيات كبيرة على البلدان المجاورة وبالرغم من التحديات المحيطة بآفاق الأجل القصير، يظل من المهم ألا نغفل عن التحدى المتمثل بتحديث اقتصادات المنطقة وتنويع نشاطها، وتوفير المزيد من الوظائف للقوى العاملة، وإتاحة فرص عادلة ومنصفة للجميع.
كتبت – مها قدروة