يقول عدد من الدول الراغبة فى مساعدة مصر اقتصادياً انه ليس لديها شروط لمساعدة مصر سوى الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، ويقول الصندوق إنه ليس لديه شروط لإقراض مصر 4.8 مليار دولار، بينما يقول حزب النور إن لديه شروطا لقبول تلك المساعدات.
وأثار أعضاء حزب النور زوبعة فى مجلس الشورى أمس عندما انسحبوا من الجلسة المسائية للمجلس والتى جرى خلالها تمرير قرض من المملكة العربية السعودية لإنشاء صوامع غلال بقيمة 337.5 مليون ريال سعودى.
واعترض الأعضاء على الفائدة على القرض وقالوا انها ربا، وطالبوا بعرض الأمر على هيئة كبار العلماء فى الأزهر تفعيلا للمادة الرابعة من الدستور والتى تنص على وجوب استشارة الأزهر فى القضايا المتعلقة بالشريعة الاسلامية.
ولم تكن تلك المرة الأولى التى يعترض فيها الحزب على قروض ذات عائد بحجة أن فيها ربا، يشى موقفهم من القرض السعودى بطبيعة موقفهم من قرض صندوق النقد الدولى فى حال اقراره.
وتحتاج مصر إلى تمويلات خارجية بقيمة 14 مليار دولار على الأقل لتمويل عجز الموازنة وتقليل الضغوط على المقرضين المحليين، لكن الحصول عليها متوقف على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى.
ويقول السلفيون إن هناك بدائل يمكن الاعتماد عليها بدلا من القروض الخارجية تتمثل فى التمويل الذاتى، والصناديق الخاصة، لكن الواقع فى العامين الماضيين أظهر أن القول أسهل كثيرا من الفعل.
فقد أقرت الموازنة الحالية الاعتماد على 20% من أموال الصناديق الخاصة، ومع ذلك تفاقم عجز الموازنة إلى مستويات تخطت 11% من الناتج المحلي، بينما فشلت الحكومات المتتالية فى تمرير أى ضرائب جديدة أو اجراء هيكلة حقيقية للدعم الذى بات عبئا على الانفاق الحكومى.
ومن المتوقع أن يبلغ العجز فى الموازنة للعام المالى الحالى إلى 200 مليار جنيه، وتعتمد الحكومة على البنوك والمؤسسات المالية المحلية فى تغطية هذا العجز، وهو ما خلق ضغوطا وترك اثارا كارثية على جميع الأطراف.
فقد أدى الطلب المتزايد على التمويل المحلى من قبل الحكومة إلى ارتفاع الفائدة على ادوات الدين الحكومى لمعدلات قياسية بعد الثورة، بلغت فى يونيو الماضى 16% للأذون اجل سنة وتخطت 17% لأقل اجل من سندات الخزانة.
والمفارقة أن السلفيين الذين يعترضون على القروض الخارجية محدودة العائد بحجة الربا لم يلتفتوا أبدا إلى كم “الربا” الذى تدفعه الحكومة اسبوعيا عبر سندات وأذون الخزانة. وقال مسئول من الحزب لـ «البورصة» ان الاذون والسندات هما من عمل الحكومة ولا يمران علينا فى البرلمان، لكن اتفاقيات القروض الدولية تمر علينا ويجب أن نقول رأينا فيها، هذا هو الفارق.
وتدفع الحكومة فوائد “ربا” بقيمة 133 مليار جنيه على مديونيتها البالغة 1.4 تريليون جنيه فى موازنة العام الحالى، أو ما يساوى 27% من الانفاق فى الموازنة.
ووقعت الحكومة اتفاقا مبدئيا مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر الماضى للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، وبلغت الفائدة 1.16% مقارنة بفائدة تبلغ 15% لسندات الخزانة أجل 3 سنوات.
وأدى اعتماد الحكومة كليا على البنوك المحلية فى تمويل عجز الموازنة إلى توجيه البنوك لسيولتها إلى الاذون والسندات، وبقيت الشركات بلا تمويل تقريبا. وبالرغم من هذا لم تكف ودائع البنوك النهم الحكومى للتمويل واضطرت الحكومة للحصول على تمويل مباشر من البنك المركزى بقيمة 43 مليار جنيه خلال العام المالى الماضى، نتيجة نمو الاحتياجات الحكومية بمعدلات تفوق نمو الودائع البنكية. ويضع حزبا الحرية والعدالة الحاكم والنور على رأس أولوياتهما اصدار قانون الصكوك الذى يتيح للحكومة والشركات الحصول على أداة استدانة متوافقة مع احكام الشريعة الاسلامية، ويقول مسئولون من حزب الحرية والعدالة ان القانون سيجلب تمويلات ضخمة من الخارج.
وبغض النظر عن الفائدة “الربا” التى يرفض بسببها حزب النور القروض والمساعدات الخارجية فإن الحكومة بحاجة إلى اى تمويل خارجى فى الوقت الحالى لسبب لا يقل أهمية عن سد عجز الموازنة، وهو دعم احتياطى العملات الاجنبية الذى انهار تقريبا، وبلغ ادنى معدلاته خلال 16 عاما. ويبلغ احتياطى النقد الأجنبى بعد المساعدات القطرية والسعودية والتركية التى حصلت عليها مصر بـ”الربا” 13.6 مليار دولار وهو لا يكفى سوى لتغطية شهرين ونصف الشهر تقريبا من اشهر الواردات.
وتسبب تآكل الاحتياطى وخسارته 23 مليار دولار على مدار العامين الماضيين فى فقدان الجنيه 14% منذ اندلاع الثورة منها 8% فى يناير الماضى فقط. وفى حال عدم وصول المزيد من النقد الأجنبى فإن الجنيه قد يواصل رحلة انهياره، بما لذلك من اثار سلبية على معدلات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل قد لايكون مسبوقا.
واذا استمر نزيف الاحتياطى بالمعدلات الحالية فقد تصبح مصر غير قادرة على سداد التزاماتها الخارجية أو توفير اسعار استيراد المواد البترولية التى تعانى عجزا بالفعل.ورغم أن حزب النور يعج بدارسى الشريعة الذين يستطيعون الاعتراض على الربا فإنه يفتقر إلى متخصصين فى الاقتصاد يستطيعون الربط بين مقتضيات الحال ومطالب الشريعة.
ومالا يعرفه ساسة ومشايخ حزب النور أن الاقتراض من الخارج بـ”الربا” فى الوقت الحالى سيؤدى فى نهاية المطاف لتقليل حجم “الربا” الذى ستتضمنه الموازنة العامة للدولة فى السنوات القادمة، نتيجة تخفيف الضغوط على المقرضين المحليين بما سيخلفه ذلك من تراجع الفائدة على أدوات الدين الحكومى.
تحليل اخبارى: محمود شنيشن