يتوقع لهذه الخدمة أن تحظي بانتشار وتطور أكبر خلال الأشهر المقبلة، إذ سيستطيع مسئولو التوظيف استخدام الكلمات الدلالية للبحث ضمن شبكاتهم الخاصة، للعثور علي الأشخاص الذين تتشابه مؤهلاتهم مع متطلبات الوظائف الشاغرة، والعثور علي فرص عمل أفضل.
لقد تغيرت آراء بعض الأشخاص الذين لم يروا حاجة ملحة في السابق إلي استخدام فيسبوك، وذلك نظراً إلي إعلان الشركة مؤخراً عن اطلاق خدمة ( جراف سيرش ـ Graph Search )، ففي الماضي كان الناس يميلون إلي استخدام فيسبوك لأن اصدقاءهم موجودون علي هذه الشبكة أو لأنهم يرغبون في تلقي آخر الاخبار عن العلامات التجارية الشهرية، أو للتواصل مع أشخاص جدد. ولم تكن هذه الأمور علي قدر كبير من الأهمية لتدفع المرء إلي التواجد علي الموقع بشكل مستمر.
كما يعد موقع فيسبوك شبكة اجتماعية مغلقة في عالم يسعي إلي الانفتاح بشكل متزايد. لذا كان العديد من الناس يشعرون بضرورة ان يتجه الموقع إلي إزالة الحواجز اكثر، والا فسوف تتجه أنظارهم إلي مصادر أخري للترفيه والابتكار ومنصات التسويق التي تظهر كل يوم.
إن الخارطة الاجتماعية متاحة منذ زمن، وقد ساعدت فيسبوك علي ان تصبح أكثر اطلاعاً علي هوية من نتحدث إليهم وطبيعة ما نفضله، لكن حتي فترة وجيزة، كانت هذه الأداة تبدو أكثر نفعاً للمسوقين منها إلي الأشخاص العاديين.
لاشك ان جراف سيرش تفيد المؤسسات، لكنها تشكل أيضاً ميزة فريدة وقيمة لمئات الملايين من البشر الذين يستخدمون فيسبوك وعلي عكس مما نقوم به عبر جوجل، يمكننا العثور علي الأشخاص والأماكن والصور والاهتمامات بناءً علي هوية من نتحدث إليهم عبر فيسبوك، وهذا الاسلوب يبدو أفضل من طريقة جوجل في البحث عن العديد من الأمور.
علاوة علي ما سبق، باتت فيسبوك تعرف عن علاقاتنا الشخصية أكثر من أي جهة أخري، بينما تمتاز جوجل بمعرفة أكبر عما نبحث عنه، وهذا شئ مهم لكنه حسب اعتقادي أقل اهمية من سابقه.
وفي الإعلان الذي صدر مؤخراً، أكد زوكربيرغ علي ان جراف سيرش هي شأن داخلي في فيسبوك ولا يراد منها المنافسة مع جوجل، واعتقد ان هذا التصريح صحيح فيما يتعلق بالمدي القريب، لكنها ستبرز نفسها مع مرور الوقت بوصفها منافساً قوياً لجوجل ولينكد ان واكسبيديا، وامازون وغيرها من المواقع التي تتيح لنا فرصة البحث عن الاشخاص وانشطة الترفيه أو المعلومات.
لاحظنا خلال السنوات القليلة الماضية حدوث تغير كبير في الآراء تجاه اسهام فيسبوك في عمليات التوظيف، فقد تلاشت المخاوف جميعها التي شعر بها مسئولو الموارد البشرية سابقاً فيما يتعلق بالافتقار إلي المعلومات الكافية والدقيقة حول الاشخاص في هذا الموقع الاجتماعي، فالوضع قد اختلف كليا لاسيما بعد ان أعلن مارك زوكربيرغ عن الكشف عن خدمة جراف سيرش ، عن اهتمامه الشخصي بتطوير الموقع ليتناسب مع احتياجات أصحاب العمل الباحثين عن كفاءات لتوظيفها في شركاتهم.
لكني لا اعتقد ان فيسبوك يسعي إلي ان يصبح موقعاً مهنياً متخصصا ولا يجدر به فعل ذلك أصلاً، فقيمته الحقيقية تكمن في كونه شبكة اجتماعية يتواصل عبرها المستخدمون مع الاشخاص والاشياء التي تهمهم سواء ما يتعلق منها بمجالات عملهم أو غير ذلك.
لكن ما يثير الدهشة حقاً هو النهج الذي تتبعه شركة فيسبوك بهدف التسهيل علي أصحاب العمل ومسئولي التوظيف في استخدام الموقع، للعثور علي المرشحين المثاليين للوظائف. واذا نجحت خدمة جراف سيرش في مساعيها فسوف تثبت أنها أداة رائعة بحق تجمع بين البحث عبر الإنترنت وتقديم الاقتراحات الاجتماعية، لتشكل محرك بحث اجتماعي دقيق. كما ستسمح للمستخدمين بالبحث عن الاشخاص والأماكن والصور والاهتمامات المتنوعة بوساطة قاعدة بيانات هائلة يصنعها الاصدقاء والمعجبون.
ان هذا الأمر يلهب حماس الباحثين عن كفاءات مهنية لأنه خطوة كبيرة في طريق فيسبوك نحو إقامة منصة قوية لعملية التوظيف، فقد وضع الموقع حجر الاساس لذلك من خلال انشاء صفحات خاصة بالشركات إلي بجانب (الإطار الزمني للأعمال ـ Timeline for Business)، ما منح مستخدمي فيسبوك إمكان الإعلان عن تفضيلاتهم لشركات معينة بمجرد الضغط علي زر «اعجاب» وقد استمر هذا التوجه مع اصدار (الأخبار التي ترعاها الشركات ـ Sponsored Stories) والإعلانات التي تستهدف فئات بعينها، وأدي ذلك إلي ان يصبح مستخدمو فيسبوك جميعا مرشحين للوظائف بشكل غير مباشر، إذ إن أصحاب العمل يستطيعون الآن تقديم عروض وظيفية للأشخاص الذين تتناسب إمكاناتهم مع احتياجات الشركة المعنية.
وقد كشفت فيسبوك في فصل الخريف الماضي عن قيام (شراكة الوظائف الاجتماعية ـ Social jobs Partnership)، وهي مجموعة من شركات التوظيف والجمعيات المهنية والهيئات الحكومية، باصدار تطبيق «الوظائف الاجتماعية» عبر الموقع. وهذا يتيح لمستخدمي فيسبوك ان يصبحوا مرشحين فاعلين للتقدم مباشرة إلي الوظائف الشاغرة، إذ بإمكانهم البحث في 1.9 مليون وظيفة وفلترتها وفق المجال الذي يعملون فيه.
كما ان جراف سيرش ستغير قوانين اللعبة من جديد، وستمكن ايضاً المستخدمين من العثور علي فرص عمل أفضل، وفيما يتوقع لهذه الخدمة ان تحظي بانتشار وتطور أكبر خلال الاشهر المقبلة، سيستطيع مسئولو التوظيف استخدام الكلمات المفتاحية للبحث ضمن شبكاتهم الخاصة بغية العثور علي الاشخاص الذين تتشابه مؤهلاتهم مع متطلبات الوظائف الشاغرة.
ان هذا التشابه هو العنصر الأهم فيما يحدث، إذ ان جراف سيرش لا تهدف إلي ارسال طلبات توظيف بأعداد كبيرة إلي المرشحين ثم الانتظار علي أمل ان يقوم البعض بالرد، ولا تسعي أيضاً إلي التدخل في حياة الشباب من طلاب الجامعات الذين يرغبون في استخدام فيسبوك لتبادل الصور ونحوه، انها تهدف في الأساس إلي اكتشاف الناس تاريخهم المهني ومؤهلاتهم العملية واهتماماتهم ودوافعهم، واستغلال هذه المعلومات في إجراء عمليات توظيف أفضل.
إن جراف سيرش تقدم دلالة أخري علي ان شبكات التواصل الاجتماعي تحتل مكانة بارزة في إنجاح عمليات التوظيف. فهذه الخدمة ستمكننا من اثراء تجارب التواصل المهني من خلال تقديم توصيات عمل شخصية، كما ان المرشحين علي أتم استعداد لتبادل الآراء مع بعضهم البعض حول الشركات التي تعجبهم والاماكن التي عملوا فيها والخبرات التي اكتسبوها. كما ستسهل جراف سيرش علي أصحاب العمل ومديري الموارد البشرية، الاستفادة من المعلومات المتاحة في تصميم إعلانات وظيفية أفضل، وبناء فرق عمل أقوي، والوصول إلي الأشخاص الذين يرغبون في تعيينهم.