ما هي احتمالية ان تصبح نوكيا صاحبة القرار الأول في تغيير معالم صناعة الهواتف النقالة؟ وهل من المعقول ان تحتل سامسونج المكانة الأبرز عالمياً في مجال الابتكارات المتعلقة بالأجهزة المحمولة؟ هناك العديد من المؤشرات التي تدفعنا إلي الإيمان بأن هاتين الشركتين أكثر جدية في مساعيهما المبتكرة.
إن الابتكار يتمحور في المقام الأول حول اقصاء المخاطر التي قد تتعرض لها الشركات المصنعة، والزج بها نحو الموزعين، وهذا يذكرنا بنظرة نوكيا تجاه المستقبل، فهي تطمح إلي الاسهام في انشاء مصانع محلية مستقلة تبيعها حقوق الملكية الفكرية، وتوكل إليها القيام بالمهام المرهقة مثل: التعامل مع المستهلكين ونحو ذلك، وبالرغم من أن نوكيا لاتزال علي بعد سنوات عدة من إقامة منظومة تزويد جديدة ترتكز علي تقنية (الطباعة ثلاثية الأبعاد)، إلا ان الافصاح عن هذه النية، ناهيك عن اتباع نهج آمن لتحقيقها، يبدو أمراً منطقياً للغاية.
ان عمليات التزويد الخاصة بالهواتف المحمولة معقدة جداً، لدرجة تدفع أبل إلي الاستعانة بعمليات تصنيع محلية، من أجل ضمان الا تتعرض للانقطاع المتكرر في سلاسل التزويد. لكن هذا التوجه ينضوي أيضاً علي مشكلات عدة، منها علي سبيل المثال: التأثر بالظروف الجوية المحلية التي قد تتسبب في تعطيل الإنتاج كالأعصاير أو الزلازل. ومن جهة أخري، فقد تحث مثل هذه الكوارث الطببيعية في أرجاء أخري من العالم ايضاً، مما يضع شركة أبل في موقف صعب يضعف من قدرتها علي التعامل مع كل هذه المتغيرات المفاجئة.
والآن دعونا نتأمل تجربة سامسونج: عندما كشفت الشركة لأول مرة عن جالاكسي نوت، كان الهاتف يحتوي علي شاشة قطرها 5.3 إنش، وقد كان كبيرا بما يكفي لتسميته بلوح رقمي مصغر، ومن هنا جاءت الازدواجية، فقد احتار خبراء التقنية في العالم حول ما يمكن ان يطلقوه علي هذا الجهاز: هل يسمونه هاتفاً ذكياً أم لوحاً رقمياً؟ كما تعرض للعديد من الانتقادات في أوساط المختصين بسبب كبر حجمه، وتخوف الكثيرون من ان يصبحوا عرضة لسخرية الآخرين وهم يتحدثون من خلاله، وان يندموا علي شرائه آخر الأمر، وعلي العكس من كل التوقعات التي تم تداولها آنذاك، تمكنت سامسونج من بيع 10 ملايين هاتف جالاكسي نوت في عام 2012، ما جعله من أنجح الهواتف الذكية علي الاطلاق. ثم أصدرت سامسونج جهاز جالاكسي نوت 2 فصل الخريف، وهو نسخة محدثة بحجم شاشة أكبر مما سبق ـ وباعت علي الفور 5 ملايين جهاز، وهي ماضية في طريقها لبيع 20 مليون جهاز آخر خلال العام الحالي.
إن شركة أبل تمتاز بخاصيتين، أولاً: قدرتها علي تحديد توجهات السوق وفقا لما يناسبها، وثانيا ما تشتهر به من براعة استثنائية في التصاميم، وقد يعتقد البعض ان الجمع بين هاتين الميزتين هو سر نجاح الشركة. لاشك ان جاذبية التصاميم أمر جيد، لكن الأسواق تتعرض لتغيرات دائمة ولن يستطيع آيفون الحفاظ علي بريقه إلي الأبد. إلا ان حل هذه المشكلة بسيط، إذ يمكن لشركة أبل ان تدخل السوق الجديدة للهواتف النقالة ذات الشاشات كبيرة الحجم، إذ ستحصد النجاح حتماً، علي الرغم من ان سمعتها في مجال الابتكار ستتراجع أيضاً.
ان ما تحتاجه أبل فعلاً هو ان تنشئ منظومة ابتكارية، تضاهي ما كان عليه مجتمع مطوري التطبيقات في العام 2008، فقد نجح هذا المجتمع في إثارة حماس المستهلكين إلي آيفون، ما أتاح لها ان توسع من سوق منتجاتها، وان تقلل المخاطر المصاحبة للنمو، لكن النهج الذي تسير عليه ابل حالياً، لا ينسجم أبداً مع تاريخها العريق، اذ ان منح التراخيص لمنتجين محليين جدد، تخولهم القيام بتعديلات علي واجهات أجهزة أبل أو أشكالها، أو إنشاء منظومة مستقلة لنصع مكونات الأجهزة الصلبة، هي خطوات تفوق طاقتها، كما ان العودة بالتصاميم إلي حقبة أجهزة (بالم ـ Palm) تبدو فكرة سيئة أيضاً.