بقلم: هاليل كارافيلي
هدف أمريكا المعلن هو الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، بالإضافة إلي انها تصر علي أن أي حل للأزمة السورية يجب أن يضمن التعددية الدينية والعرقية، الا أن تلك الرؤية الوردية بأن تصبح سوريا دولة مدنية ووسطية بعد سقوط الاسد لن يتحقق اذا استمرت الولايات المتحدة في الاعتماد علي حلفاء اقليميين لن يستفيدوا كثيرا من الوصول إلي مثل هذه النتيجة.
اعتمد الرئيس الأمريكي أوباما علي تركيا بشكل كبير في محاولته الاطاحة ببشار الاسد ولكن تركيا تعد جزءا من المشكلة، حيث انها تعمل علي تفاقم الصراع الطائفي السوري بدلا من المساهمة في الوصول إلي حل سلمي يدعم التعددية.
علي الرغم من أن الولايات المتحدة دعمت تأليف معارضة سورية واسعة النطاق بحيث يكون نفوذ الإسلاميين بها محدودا، لم تقدم تركيا أي نوع من المساعدة بل استمرت أيضا في دعم الاخوان المسلمين بكل قواها، وهيمن الاخوان المسلمون علي المجلس الوطني السوري، الذي يوجد مقره بأسطنبول وقد نجحوا في التفوق علي الجماعات الاخري داخل ائتلاف المعارضة الجديد، وأحبطوا بجدارة الجهود الأمريكية الرامية إلي تمكين غير الاسلاميين.
وبينما ترعي تركيا قضية السنة في سوريا، لم تحاول الحكومة إظهار أي تعاطف مع مخاوف الأقليات بالبلاد من العلويين والاقباط والاكراد، حيث دعم العلويون والاقباط الحكومة بدرجة كبيرة ويخشون انتقام الطائفة السنية في حالة سقوط الاسد.
افرط اوباما في ثقته بتركيا وانشأ علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، وفي لقائه مع صحيفة ميليت التركية مؤخرا شكر اوباما الحكومة التركية علي قيادتها للجهود المبذولة التي تهدف إلي إنهاء العنف في سوريا والبدء في عملية الانتقال السياسي.
لكن تركيا لا تستحق هذا المدح، حيث يجب الا تتوقع امريكا أن تساعد الديكتاتوريات السنية العربية التي مولت الانتفاضة السورية مثل المملكة العربية السعودية وقطر في تمكين القادة العلمانيين والوسطيين من السلطة في سوريا، وقد كان من المتوقع ان تعزز تركيا، عضو حلف الناتو، التعددية في دمشق بعد سقوط الاسد، ولكنها لم تفعل ذلك.
وبالتالي يتعين علي أوباما ان يعيد تقييم ادعائه بأن تركيا تلعب دورا بناء في إنهاء العنف في سوريا، كما ينبغي علي أمريكا التمعن في هذا الدور من حيث مساهمته في الصراع الديني.
شجعت سياسة العقوبات العنيفة التي تتبعها امريكا مع ايران وتهديداتها العسكرية شبه المعلنة، تركيا علي تأكيد مكانتها كقوي سنية، وسرعان ما تخلت تركيا عن شعارها “ المشاكل مع جيرانها صفر” وقررت الانضمام إلي الولايات المتحدة في مواجهة ايران.
نبع تحول تركيا من إيمانها بانها قد تكتسب قوي ومكانة رفيعة فضلا عن المكاسب التي ستجنيها في حالة نجاح أمريكا في ردع طموحات إيران النووية.
لكن الازمة السورية لديها تأثير جذري علي جميع الاطراف بما في ذلك حكومة تركيا الاسلامية الوسطية، فقد يتمكن اردوغان، تحت ظروف اكثر سلمية، من التعايش مع التطلعات الامريكية ودعم الرؤية التعددية للشرق الأوسط، ولكن هذا لن يحدث إذا ازداد الانقسام بالمنطقة جراء الصراع الديني العنيف وإيمان قاداته بأن اللعب بكارت النزعة الطائفية سوف يدعم سلطاتهم.
كانت الاطاحة بصدام حسين من السلطة في العراق عام 2003 لها عواقب غير مرغوب فيها من تمكين ايران، وبعد مرور عقد نجد أن جهود أمريكا للاطاحة بالأسد تعد محاولة منها بشكل جزئي لمعالجة تلك النكسة الجيوسياسية، ولكن كما حدث في العراق، كان لها عواقب وخيمة فضلا عن أن السياسة الامريكية تجاه ايران تدعم انتهازية السنة التي تهدد بازدياد عمليات انتقام الشيعة منهم.
يتعين علي الولايات المتحدة ان تحذر من مزايدات القوي السنية خاصة التركية التي تناصر الاجندة الطائفية المتعارضة مع المصالح الامريكية حيال تعزيز التعددية وتقبل الطرف الاخر، واذا لم تراجع امريكا نفسها فسوف يؤدي ازدياد النزعة الطائفية إلي اندلاع حرب اقليمية خطيرة.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: نيويورك تايمز