بقلم – رنا غندور سلهب
لأجل القضاء على البطالة يتحتم إيجاد ما يقرب من 100 مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة المقبلة.
خلال الثورات التى اجتاحت منطقة الشرق الأوسط ساد قاسم واحد مشترك، ألا وهو الشعار الذى عبر الحدود وهتفت به الشعوب العربية بلهجات مختلفة: «الشعب يريد …….».
وقد كان للشباب العربى – مع غض النظر عن الدولة التى هتفوا فيها – المطالب نفسها عموماً، إذ رأوا – مثلاً – إتاحة المزيد من فرص العمل وتحسين المستوى المعيشى كما انهم طالبوا برفع مستوى الرعاية الصحية وتوفير الغذاء، ونادوا بحكومة تعترف بمطالبهم.. لقد كانوا يطالبون بمستقبل أفضل.
على الرغم من ان الحكومة مسئولة على نحو رئيس عن عملية الإصلاح وخلق فرص العمل، وتمهيد الطريق لمستقبل أكثر ازدهاراً إلا انه من الواجب على القطاع الخاص أن يشاركها بجزء من هذه المسئولية أيضاً.
نظراً لأن بعض شركات القطاع الخاص كانت لديها مصالح تحميها الأنظمة الحاكمة فى البلدان التى شهدت اندلاع ثورات، فإن تصور الشباب عن هذا القطاع ليس إيجابياً بالكامل، لذا لا ينبغى على القطاع الخاص اليوم ان يتصالح مع الشباب فحسب، بل ان يخاطبهم ويقنعهم بأنه راغب وقادر على توفير الدعم الذى يحتاجونه للقضاء تدريجياً على الفقر والبطالة، فالشباب يؤمنون فعلياً بإمكانات قطاع الشركات فى لعب دور مهم وإيجابى.
لنتأمل سوياً نتائج البحث الذى أعدته «ديلويت» لمعرفة ما يثير مخاوف جيل الألفية «أى الأشخاص الذين ولدوا بعد عام 1980»، فقد اشتملت الدراسة على استطلاع آراء ألف شاب وما يقارب 400 قائد أعمال من أنحاء العالم كافة، إذ أجابوا عن مجموعة من الأسئلة لاستكشاف وجهات نظرهم حيال دور الشركات فى المجتمع، وقد أظهرت النتائج أن 76% من الشباب المشاركين يعتقدون بأن أهمية الشركة يجب أن تُقاس من خلال مدى إسهاماتها الإيجابية فى خدمة المجتمع.
ينبغى للشركات فى المنطقة أن تبادر فى تفعيل دورها بهذا الشأن، أى الإسهام فى دعم المجتمع ومن الواجب عليها أن تجعل مبدأ المسئولية المؤسسية جزءاً من استراتيجياتها طويلة الأجل، وإذا أرادت الشركات أن تنجح فعلياً فى أعمالها وأن تستقطب المواهب الصاعدة، فالأجدر بها أن تضع أهدافاً مجتمعية كى تعمل على تحقيقها وأن ترسخ ضمن هيكلها التنظيمى استراتيجية فاعلة تتعلق بالمسئولية المؤسسية، وفيما يأخذ مفهوم المسئولية المؤسسية بالتطور تدريجياً تتطور معه أيضاً تلك الركائز التى تؤهل الشركة لأن تكون مسئولة اجتماعياً، فقد بدأت هذه المسئولية بمثال التبرعات البسيطة إذ كانت الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية تتلقى المعونات المالية لتتمكن من تنفيذ أهدافها المنشودة، وبالرغم من ذلك، فقد ثبت بمرور الوقت ان التبرعات البسيطة لن تنجح وحدها فى إحداث تأثيرات دائمة فى المجتمع، ويجب أن تركز الخطة الموضوعة لهذه الغاية على مجالات معينة، تشعر فيها الشركة بأن أعمالها أو منتجاتها أو مهارات موظفيها ذات جدوى وفاعلية فى إحداث آثار إيجابية لمعالجة المشكلات التى تتضمنها التحديات القائمة أمام المجتمع وفى منطقة الشرق الأوسط تحديداً ينبغى أن تركز شركات الخدمات المهنية على التعليم وريادة الأعمال والتأهيل وبناء المهارات بالإضافة إلى تحسين وضع المرأة وغير ذلك مما يجب أن تهتم به الشركات فى القطاعات كافة.
إن الدافع وراء تبنى هذا المقترح هو أن ما يزيد على 60% من سكان المنطقة هم دون سن الثلاثين ولأجل القضاء على البطالة يتحتم إيجاد ما يقرب من 100 مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة المقبلة، علاوة على ذلك تشير إحصائيات البنك الدولى إلى ان نسبة مشاركة المرأة فى القوى العاملة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هى من أدنى النسب فى العالم، فهى تبلغ نصف المعدل العالمى البالغ 50% ولاتزال هذه النسبة المتدنية ثابتة عند 25% منذ زمن طويل، بالرغم من التحسينات الملموسة فى قطاع التعليم فضلاً عن ان المعدلات الأعلى للبطالة تنتشر بين الفتيات الشابات على وجه الخصوص.
بغض النظر عن المجالات التى قد تختارها الشركات فى المنطقة العربية لتحدث فيها تأثيراً إيجابياً من خلال معالجة المشكلات الأساسية فى مجتمعاتنا فإن عليها – إن أرادت صنع تغيير يدوم فترة طويلة – أن تُلزم نفسها بتعهدات ثابتة طويلة الأجل تُظهر مهارات العاملين فيها وأهميتهم، لا القدرة المالية للشركة فقط.