بقلم – آن هوتمان
سوف نستذكر العام 2012 الراحل عنا منذ فترة وجيزة، بما تخلله من صراعات متواصلة ومشاحنات سياسية مرهقة، وتساؤلات عميقة بين أوساط القادة الأوربيين المحاطين بأزمة متفاقمة خلال السنوات الأربع الماضية، كان دور الاتحاد الأوروبى مقتصراً على القيام بردود أفعال لم تتح فسحة كافية للتفكير أمام صنَّاع القرار مع ذلك، فاجأتنا بعض الدول الأوروبية، بالرغم من تعرضها لضغوط جمة وافتقارها إلى الاستعداد اللازم، باستحداث تغييرات لم تكن لتخطر على بال أحد قبل سنوات قليلة مضت.
إننا نعلق الكثير من الآمال على العام 2013، ونرى فيه عاماً للتحضير والحوار بشأن المسار الذى نريد أن نختار نحن الأوروبيين ويتلخص جوهر القضية الآن وأكثر من أى وقت مضي، فى سؤال واحد: إلى أى درجة يمكننا أن نتعاون سوياً؟ توافق معظم الأحزاب السياسية فى دول الاتحاد الأوروبى كافة ما عدا المتطرفة منها على أن القوة تتحقق بالكثرة ولطالما استخدمت كلمة «اتحاد» لتبرهن على هذا الأمر إلا أن الخلاف يطفو على السطح حالما تتم مناقشة المستوى المطلوب من الوحدة: أى نوع من الاتحاد المصرفى نريد؟ هل نحن مستعدون لتعزيز التناغم بين أنظمتنا الضريبية؟ إلى أى مدى ترغب كل دولة فى قبول التكامل الاقتصادى والسياسي؟ ما الشكل الذى ينبغى لميزانيتنا المشتركة أن تكون عليه فى المستقبل؟ هل حان الوقت لتقاسم أعباء الديون فيما بيننا؟
فى الوقت الحاضر، تم التوصل إلى اتفاق حول نقطتين رئيسيتين: تعيين المشرف على القطاع المصرفى، وهى الخطوة الأولى على طريق إنشاء اتحاد مصرفى أوسع، خلال انعقاد المجلس الأوروبى فى شهر ديسمبر من عام 2012 وتفعيل المعاهدة حول الاستقرار والتعاون والنمو وهى اللبنة الأولى فى بناء اتحاد مالي، ابتداء من 1 يناير لعام 2013 وفى الحقيقة، أبرزت المعاهدة مجموعة من الإرشادات المهمة بخصوص الاتجاه الذى نود المضى فيه، مثل: تعزيز آلية التقييم بين النظراء والحد من العجز بفاعلية أكبر والتنسيق الاقتصادى المسبق بين حكومات الاتحاد الأوروبي.
ينبغى للحكومات الوطنية أن تعترف كلياً بالآثار الإيجابية للتعاون فيما بينها فشعوبها تريد منها حقاً أن تصبح ضمن فريق واحد وفعال وفى سبيل تحقيق ذلك ينبغى الارتقاء بمجموعة من القرارات إلى المستوى الأوروبى إذ بينما ستتمكن الحكومات فرادى من اتخاذ القرارات بشأن سياساتها الاقتصادية والمالية، سيحق لحكومات الاتحاد الأوروبى المشاركة فى صنع تلك القرارات أيضاً وهذا سيؤدى فى النهاية إلى إصدار سندات دين مشتركة وإقامة خزينة أوروبية وميزانية مستقلة لمنطقة اليورو، كما اقترحت المفوضية الأوروبية فى مخططها لشهر نوفمبر الماضي.
ولا يعقل أن يحدث هذا النوع من التغيير بين ليلة وضحاها، فالمخطط يعرض خارطة طريق ثلاثية الخطوات تبدأ من العام 2013، وتمتد إلى ما بعد رحيل المجلس التشريعى التالى وتجدر الإشارة هنا إلى أن المجلس الأوروبى الأخير قد صادق على معظم البنود المطروحة.
لكن نجاح أى من هذا يقتضى إضافة عنصر أخير على قدر كبير من الأهمية بحيث يمكنه من ترجيح كفة على حساب أخري، أو إعاقة تنفيذ أقوى الاتفاقات السياسية، إنه متمثل بالمشاركة العامة إن قلق الشعوب الأوروبية فى ازدياد، فهى لا تشعر بأن أصواتها مسموعة على المستوى الأوروبي، بالرغم من أن حكوماتها تجلس على طاولة المفاوضات ويحظى ممثلوها فى البرلمان الأوروبى بسلطة غير مسبوقة، لكن الشعوب ترى أن الصفقات لا تزال تُعقد خلف الأبواب المغلقة.
علينا أن نتعلم من أخطائنا، فالرفض الفرنسى والهولندى للدستور الأوروبى فى عام 2005 ليس عنا ببعيد.
غير أنه مما يبعث على التفاؤل أن لدينا بالفعل خطة لحل هذه المعضلة خلال عام 2013 تحديداً، فالكثير من الناس يظنون أن الانتخابات الأوروبية فى عام 2014 ستكون نقطة التحول لكن هذا صحيح بنسبة 50% فقط فى أحسن الأحوال.
يجب أن يبدأ الحوار الحقيقى فى هذه الأثناء إذا ما كانت الشعوب تدرك بأنها تملك حق الاختيار، وبأن أصوات أفرادها فى 2014 ستحدث بالغ الأثر فى المستقبل.
بفضل معاهدة لشبونة، ستفرز الأحزاب ولأول مرة مرشحاً واضحاً لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية، ما يمنح صاحب المنصب شرعية أكبر، وبناء على ذلك يتوجب على الحكومات الوطنية ووسائل الإعلام والمواطنين أن يشاركوا فى هذا الحوار، لكى يتمكن ممثلو الدول الأوروبية من فهم توجهات كل دولة لهذا السبب سُمِى العام 2013 بعام الحوار الوطنى الأوروبى فالمفوضية والمجلس الأوروبى يعتزمان تنظيم لقاءات عدة فى المجالس البلدية فى أنحاء أوروبا للإصغاء إلى هموم المواطنين اليومية وآمالهم حيال مستقبل أوروبا، كما سيتيح ذلك فرصة جيدة لتوضيح التغيرات الجذرية التى هى على وشك الحدوث، وكما كانت الحال غالباً منذ قيام الاتحاد الأوروبى فإن الأزمات الشديدة تدفعنا نحو تجديد الرؤى وإعادة النظر وبالرغم من أن نظامنا يكتسب أقدمية وصلابة أكبر بمرور السنين فإن معاودة النهوض من جديد تغدو هى الأخرى أكثر صعوبة لذا ينبغى وضع أنظمة حديثة يتم الاتفاق عليها وتنفيذها بالتزامن مع دعم الهياكل القائمة لتفادى إعاقة القرارات والأنشطة وسوف يكون التحدى التاريخى الأكبر أمامنا هو إدارة هذه النهضة الجديدة بنجاح، إذا ما أردنا الحفاظ على دورنا كقوة اقتصادية رائدة وطرف مهم فى المعادلة الدولية.