صعوبة الحصول علي التمويل أغلقت 1050 مصنعاً في أسيوط وسوهاج .. و75% من الأراضي غير مرفقة
نقص السولار أغلق أبواب المشروعات.. وتسريع خطي توصيل الغاز الطبيعي هو الحل
رفع الدعم عن طاقة المصانع يصيب الاستثمار بالصعيد في مقتل
عاني الصعيد عقوداً طويلة من التهميش والإقصاء وما زالت معاناته مستمرة رغم حلم التغيير الذي راوده عقب التغير السياسي الذي شهدته مصر بعد ثورة الـ 25 من يناير، التي انعكست بشكل سلبي علي آمالهم في انعاش الصناعة والاستثمار في محافظاته التي تمثل %60 من مساحة مصر الكلية.
ويشهد الصعيد في الفترة الأخيرة العديد من المعوقات، التي تعرقل اقامة المشاريع الاستثمارية والمنافسة في السوقين المحلية والدولية، حيث أدي النقص الحاد في المواد البترولية وارتفاع اسعار الدولار والخامات الانتاجية وتعنت البنوك في اقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلي تعثر وتوقف ما يزيد علي الف مصنع في سوهاج وأسيوط فقط.
التقت «البورصة» كلاً من محمود الشندويلي، رئيس جمعية مستثمري سوهاج، وعلي حمزة، رئيس لجنة تنمية استثمار الصعيد باتحاد المستثمرين، للوقوف علي حقيقة المشكلات التي يعانيها المستثمرون في الصعيد، والاجتهاد في سبيل اقتراح حلول مناسبة لها.
أكد علي حمزة، رئيس لجنة تنمية استثمار الصعيد باتحاد المستثمرين، أن الصعيد عامة ومحافظة أسيوط خاصة تعاني أزمة حادة في المواد البترولية والسولار، الذي تعتمد عليه المصانع خاصة التي تعمل بالغلايات، التي توقفت تماما عن العمل خلال الأيام الأخيرة بعد احتدام أزمة السولار.
وقال حمزة ان الحل الأمثل لهذه الأزمة يتمثل في تسريع خطي توصيل الغار الطبيعي إلي المناطق الصناعية في مختلف محافظات الصعيد، وذلك لتجنب توقف المصانع حال حدوث أزمات في المواد البترولية، وأنه بالفعل تمت مناقشة وزير البترول ورئيس الهيئة العامة للبترول في هذا الأمر، نظرا لارتفاع تكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمصانع، التي تصل إلي مليون جنيه للمصنع الواحد بما يعادل رأسمال أي مصنع موجود في الصعيد، الذي يتركز فيه المصانع الصغيرة والمتوسطة.
وأضاف أنه عندما قامت المصانع برفع طلب لوزارة البترول لتخصيص الحصص اللازمة لها من المواد البترولية تم ابلاغ المصانع بضرورة انتقال لجنة من كلية الهندسة إلي هذه المصانع للمعاينة وتحديد حجم احتياجات كل مصنع من المواد البترولية، لكن ذلك أمر مكلف للمصانع خاصة أن رسوم معاينة المصنع الواحد تبلغ حوالي 500 جنيه.
واستنكر حمزة رد وزارة البترول علي المصانع، متسائلا: أين دور هيئة التنمية الصناعية ووزارة الاستثمار، التي تحتوي سجلاتها الصناعية علي جميع محتويات المصنع من آلات وغلايات، وبالتالي يمكن تحديد كميات الوقود التي تحتاجها المصانع دون الحاجة لهذه اللجنة، التي تكبد أصحاب المصانع مبالغ طائلة لا طاقة لهم بها.
لكن رؤية محمود الشندويلي، رئيس جمعية مستثمري سوهاج، لهذه الأزمة جاءت مغايرة، وأكد أن أزمة الوقود الحالية ناتجة عن سوء التوزيع وعدم امداد محافظات الصعيد بكميات كافية من المواد البترولية اللازمة لعمل الآلات، الأمر الذي أدي إلي توقف المصانع، وبالتالي عجزها عن الايفاء بالتعاقدات في المواعيد المحددة لها، ما يجعل هذه المصانع تتورط في دفع غرامات تأخير ضخمة.
وأوضح أن سعر لتر السولار في السوق السوداء يصل إلي 160 قرشا كحد أدني بدلا من 110 قروش، وذلك في ظل غياب رقابة فاعلة من قبل الجهات المسئولة في وزارتي التجارة والتموين، وأن غياب الرقابة عن محطات التموين يتسبب أيضا في بيع الوقود بأسعار مضاعفة.
وطالب الشندويلي الحكومة بأن تتخذ جميع التدابير التي تلزم لتخصيص حصص من مواد الطاقة للمصانع حتي لا تتوقف عن النشاط، مؤكدا أن القرار الذي صدر عن وزارة البترول بتخصيص حصص للمصانع منذ فترة لم يُفعل إلي الآن، وأن أزمة الوقود تسببت في زيادة تكلفة نقل البضائع، ما رفع التكلفة الكلية الانتاج، وقلل هامش الربح، وحد من قدرة المنتجات علي المنافسة محليا وخارجيا.
استنكر علي حمزة ارتفاع تكلفة مقايسات الكهرباء خاصة للمشاريع الصغيرة، التي تقدر بـنحو 350 جنيها للكيلو وات الواحد، وهو ما يعتبر تكلفة عالية علي المصانع، وأن جمعية مستثمري أسيوط قامت برفع مذكرة إلي هيئة التنمية الصناعية بخصوص هذه الأزمة، التي يعانيها العديد من مصانع المنطقة الصناعية.
ولفت إلي أن المذكرة تضمنت شكوي بربط الدعم عند 150 كيلو وات فقط، وأنه في الأصل لا يجب أن يقل الدعم عن 300 كيلو وات للمصانع الصغيرة، و500 كيلو وات علي الاقل للمصانع ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة، مطالبا بضرورة وجود حوافز للاستثمار في الصعيد.
وأشار الشندويلي إلي أن رفع الدعم عن الطاقة في مصانع الصعيد سيؤثر بشكل كبير علي النشاط الاستثماري للمنطقة، وسيزيد عبء التكلفة علي المصنعين، الأمر الذي سيضطرهم إلي رفع سعر المنتج النهائي، لتعويض هذه الزيادات في أسعار الطاقة.
وأكد أهمية وجود الحوافز لتشجع المستثمرين للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من اعفاءات ضريبية وخلافه مثلما يحدث للمشاريع الكبيرة، التي تبلغ تكلفتها الاستثمارية 15 مليون جنيه، وأن أغلب المشاريع في الصعيد صغيرة ومتوسطة، ولا تستفيد من هذا الحوافز الاستثمارية.
وقال الشندويلي ان جمعية مستثمري سوهاج طالبت منذ 5 سنوات بأن تكون هذه الحوافز مرتبطة بالصناعات كثيفة العمالة وليس رأس المال، لأنه قد يكون هناك مشاريع تتعدي تكلفتها الاستثمارية الـ15 مليون جنيه، لكنها تعتمد علي التكنولوجيا الحديثة، ولا يعمل بها عدد كبير من العمال والعكس صحيح.
وعن تعثر الأنشطة الاستثمارية في محافظات الصعيد كشف علي حمزة عن تعثر نحو 800 مصنع في أسيوط بمعدل 70% من المصانع الموجودة، التي يبلغ عددها 1200 مصنع نتيجة تعنت البنوك، التي تغالي كثيرا في الضمانات بحيث لم تعد تعترف بالآلات والمباني كضمان للقروض، بل تشدد علي ضرورة وجود ودائع مالية ضمانا للقرض، ما ضاعف من صعوبة الحصول علي القروض ومواجهة التعثر.
وأكد أن محافظات الصعيد بشكل كامل تعاني التوقف الكلي والجزئي للعديد من المصانع بسبب الكثير من المشكلات نتيجة مشاكل ادارية أو تسويقية لمنتجاتها أو مغالاة البنوك في ضماناتها.
ذهب الشندويلي إلي توقف نحو 250 مصنعا في سوهاج بمعدل 30% من اجمالي المصانع، التي تبلغ 800 مصنع بسبب أزمات التمويل والادارة وتعنت البنوك في اعطاء القروض خاصة بعد تدهور الحالة الأمنية في البلاد الآن، لذلك فانه من الضروري النظر بعين الرحمة لهذه المصانع، التي يقدر رأسمالها بنحو 2 مليار جنيه.
وأوضح أن عدد العمالة في سوهاج تناقص بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، فبعد أن كان نحو 25 ألف عامل قبل الثورة أصبحت لا يتعدي 12 ألفاً فقط في 5 مناطق صناعية بعد أزمات التعثر واغلاق المصانع.
وقال حمزة انه يوجد في أسيوط 6 مدن صناعية، ويبلغ استثماراتها نحو 3 مليارات جنيه، تضم نحو 15 الف عامل، وتصدر مصانعها 15% من اجمالي صادرات المحافظة، وبالتالي فان توقف هذه المصانع عن الانتاج يمثل تهديدا خطيرا للاقتصاد القومي.
واتفق حمزة والشندويلي علي ضرورة وجود مرونة لدي البنوك لدعم المستثمرين، وتفعيل دور البنوك المخولة بذلك مثل بنك التنمية الصناعية غير المفعل تماما، وكذلك الصندوق الاجتماعي القادر علي دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير التمويل اللازم لتطوير ميناء سفاجا عن طريق عمل أرصفة وحاويات، ليكون مؤهلا للتصدير والاستيراد بدلا من اضطرار المصنعين في الصعيد إلي استيراد، وتصدير بضائعهم عبر ميناءي الاسكندرية وبورسعيد.
وأوضح حمزة أن تطوير ميناء سفاجا واستغلاله بشكل مناسب سينعش حركة التجارة في الصعيد، وسيوفر الوقت والتكلفة في نقل البضائع والمعدات، وأن طريق الصعيد – البحر الأحمر، الذي تكلف انشاؤه 2 مليار جنيه لم يتم استغلاله أو تطويره، ليكون مؤهلاً لنقل البضائع والمعدات.
من جانبه شدد الشندويلي علي ضرورة تفعيل النقل النهري بعد ارتفاع تكلفة النقل البري والذي بلغ سعر النقلة الواحدة من القاهرة للصعيد 1500 جنيه بدلا من 500 جنيه قبل أزمة الوقود واضطراب الأوضاع الأمنية.
ومن جهة أخري، قال الشندويلي ان خفض تصنيف مصر الائتماني تسبب في تعنت الموردين واشتراطهم دفع تكلفة البضائع مقدما والغاء جميع التسهيلات التي كانت تقدم في السابق، وأنه كان قد تعاقد علي خطوط انتاج جديدة لمصانعه من تايوان، وقد اشترط المورد أن يتم دفع المبلغ كاملا مقدما نظرا لاعتبار مصر منطقة ذات خطورة عالية.
وأوضح أن أزمة نقص الدولار في السوق المصرية تسببت في مشاكل عديدة للمصانع، التي تعتمد علي الاستيراد بشكل كبير نظرا لصعوبة فتح الاعتمادات المستندية في ظل اختفاء الدولار وارتفاع سعره.
وناشد الشندويلي القائمين علي السياسة النقدية والمالية في مصر وعلي رأسهم هشام رامز محافظ البنك المركزي ضرورة السعي الجاد لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بمنح هذه الكيانات حوافز ضريبية علي كل ما يتم استقدامه أو شراؤه من سلع رأسمالية، وتوفير الدولار والخامات باعتبارهما أساس التشغيل حتي لا تضطر المصانع إلي اللجوء للسوق السوداء، التي تصل الزيادة بها إلي نحو 20% مقارنة بالأسعار الحقيقية، وهذا يضعف قدرة المنتج التنافسية.
وأوضح أن الصعيد يوجد به 50 منطقة صناعية لم يرفق منها غير 25% فقط من مساحته أي ما يمثل منطقة صناعية واحدة، وتعاني 75% من المساحة عدم اكتمال أعمال المرافق، وذلك علي الرغم من مناشدة جمعيات المستثمرين في مختلف محافظات الوجه القبلي جميع الجهات المسؤلة لاستكمال ترفيق هذه الأراضي بما يمثل قيماً استثمارية مهدرة ليس لها أي مردود ايجابي علي الدولة.
وأشار إلي أن الـ50 مشروعا الذي تم تخصيص أراض لهما من قبل مجلس ادارة المناطق الصناعية بسوهاج علي مساحة 90 ألف متر تواجه مشكلة حقيقية نظراً لإعطائها مهلة 3 سنوات لبدء الانتاج، لأن التنفيذ خلال هذه المدة مستحيل في ظل تردي الأوضاع الأمنية، والدليل علي ذلك أنه إلي الآن لم يتم البدء في 48 مصنعا، لتنحصر الأعمال التي تمت في مشروعين فقط.
وتوافق الشندويلي وحمزة علي ضرورة أن يكون رئيس وزراء مصر القادم رجل اقتصاد في المقام الأول، لأن ارتفاع نسبة البطالة وتدني الأجور هما أحد أهم أسباب قيام الثورة، ويجب أن تهتم الدولة بالصناعة بالدرجة الأولي، لأنها من أهم المجالات القادرة علي توظيف عدد كبير من الأيدي العاملة والمساهمة في خفض معدلات البطالة.
وشددا علي ضرورة تعديل أو تغيير العديد من التشريعات، التي تعوق الحصول علي رخص وتصاريح انشاء المشاريع الاستثمارية، وكذلك قوانين التخارج والافلاس والتأمينات، وأهمية تولي ممثلين من وزارة الاستثمار والصناعة تغيير هذه التشريعات، وأحد أهم الأمثلة علي التشريعات، التي تعوق حركة الاستثمار قانون ازدواجية رسوم الغرف التجارية والصناعية.
وأكد الشندويلي وحمزة أنه يتوجب علي الصناع دفع رسوم في كل من غرفتي التجارة لاستخراج السجل التجاري والغرفة الصناعية لاستخراج السجل الصناعي وطالبا بتوحيد رسوم الغرف في مكان واحد لتقليل الاجراءات التي تعوق العملية الاستثمارية.
واتفقا علي أن الصعيد عاني التجاهل والتهميش منذ أكثر من 60 عاما، وأن الخروج من هذا النفق المظلم يستوجب ضرورة تفعيل اللامركزية في الادارة بحيث يستطيع المحافظ أن يدير شئون الاقليم دون الرجوع في كل كبيرة وصغيرة إلي السلطة المركزية، بالاضافة إلي قصر تنفيذ الأعمال الحكومية في كل محافظة علي الشركات المحلية.
واستنكر الشندويلي عدم دعوة مستثمري الصعيد لأي من جلسات الحوار الوطني، التي حضرها العديد من المستثمرين مع رئيس الوزراء ووزراء المجموعة الاقتصادية، لكن الصعيد لم يكن ممثل نهائيا في هذه الجلسات، وأن الصعيد هو من أوصل محمد مرسي للرئاسة، لكنه لم يقم بعمل أي خطوة لتنمية الصعيد، ولم يقم أي من المسئولين أو مستشاري الرئيس بزيارة الصعيد أو الاجتماع مع الجمعيات الأهلية هناك لمعرفة مشاكل المنطقة وأهم متطلباتها.
وطالب حمزة بضرورة تمثيل الصعيد في جلسات الحوار الوطني، لأن الصعيد لم يحصل علي أي اهتمام من المجموعة الوزارية الاقتصادية، بالاضافة إلي أهمية تقديم المزيد من الحوافز للاستثمار في الصعيد لتشجيع المستثمرين علي ضخ المزيد من الاستثمارات.
كتب – مصطفي فهمي ومروة مفرح