محمد السيد: نحتاج إلي حزمة تشريعات تضمن للمستثمر حقه في تحقيق الربح
تعاني البلاد منذ قيام ثورة 25 يناير من أزمة متصاعدة في الطاقة ، مما ترتب عليه صعوبات في توفير الكميات الكافية لتشغيل المصانع من الغاز والمازوت، الأمر الذي فرض علي الشركات التفكير في حلول مبتكرة للخروج من هذا النفق المظلم، وبالفعل بدأ أصحاب المصانع في التفكير في إمكانية تخصيص جزء من استثماراتهم للاستثمار في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، لتكون بمثابة البديل المنطقي للغاز والمازوت.
أوضح المهندس محمد السيد، رئيس لجنة الطاقة والنقل باتحاد جمعيات المستثمرين، أن كميات الطاقة التي توجد علي عمق قريب من سطح الأرض أوشكت علي النفاد، وأن أعمال استخراج المواد البترولية والغاز من الأعماق السحيقة في مياه البحار أو في الصحاري أمر مكلف للغاية، وبالتالي فإن أسعار ما يمكن استخراجه بهذه الآلية سيكون مرتفع الأسعار، حتي تعوض الشركات المستخرجة لما تنفقه خلال عمليات الحفر إلي جانب هامش الربح، التي تراه هذه الشركات مناسبا لها.
وقال السيد في حواره مع «البورصة» إن سعر المليون وحدة حرارية في هذه الحالة قد يصل إلي 15 دولاراً في حين أن أسعار نفس الوحدة تبلغ 6 دولارات في حالات الاستخراج من الأعماق القريبة لسطح الأرض، وأن مشكلة نقص الطاقة في مصر يمكن انهاؤها بفتح الباب أمام استثمارات جديدة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح واعادة تدوير المخلفات الزراعية والحيوانية، لاسيما أن الاستثمار في هذه المجالات جميعا لا يتعدي مليار جنيه حتي الآن.
وأضاف أن تطبيق هذه المشروعات علي أرض الواقع تتطلب إرادة سياسية وحزمة تشريعات تضمن للمستثمر حقه، وتحترم التعاقدات بين الدولة والمستثمر، وأن اقامة مشروعات لتوليد الطاقة من الشمس أو الرياح أو المخلفات ليست معضلة، لكنها تحتاج إلي استثمارات وبنية تحتية قوية، وقبل كل ذلك تحقيق الاستقرار السياسي.
وأكد رئيس لجنة الطاقة باتحاد المستثمرين أن معظم الأراضي المصرية تصلح لاقامة مشروعات للطاقة الشمسية، لأن الشمس تسطع علي مصر طوال العام، وأن مصر تستوعب استثمارات في هذا المجال بتريليونات الدولارات، ويمكنها تصديره خلال عشر سنوات من الآن إلي الخارج مثل تجربة الجزائر، التي تنتج الطاقة الشمسية وتصدرها الي المانيا.
ولفت إلي أن الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية يعتبر مكلفاً جدا فانتاج 1 ميجا (الف كيلو وات ) كهرباء من الطاقة الشمسية يكلف 1.2 مليون دولار، لذلك اقامة مشروع لانتاج 10 ميجاوات يتطلب 100 مليون جنيه، وأن التكلفة المرتفعة تتطلب بالضرورة شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص أو فيما بين القطاع الخاص مع دعم الحكومة للمستثمر في هذا المجال لمدة 5 أو 10 سنوات.
وأوضح السيد أن دعم الحكومة للمستثمرين في انتاج الطاقة الشمسية يتمثل في توفير بنية أساسية تحتية، ومساحات شاسعة من الأراضي بحق انتفاع لا يقل عن 50 سنة، حيث ان انتاج 1 ميجاوات كهرباء من الشمس يحتاج إلي مساحة 20 ألف متر مسطح.
وأشار إلي أن عدة سيناريوهات لدعم المستثمرين في هذا المجال ماديا سواء كان ذلك بشكل مباشر، أو أن تقوم بدعم المنتج نفسه الذي يحصل عليه المستهلك، لأن المستثمر في هذه الحالة سوف يبيع الكهرباء بسعر التكلفة، الذي قد يتخطي 1 جنيه للكيلووات، وبالتالي فإن الحكومة قد تشتري كل الانتاج أو بعضه بالسعر المتفق عليه، وهو السعر الحقيقي للتكلفة ثم تتصرف فيه كما تشاء.
وذكر السيد أن الحكومة يمكنها أن تدعم المستثمر عن طريق السماح بسريان الكهرباء المنتجة من خلايا الطاقة الشمسية عبر شبكة الكهرباء القومية، وتسليم الكميات المستحقة للمستثمر في أي مكان بالجمهورية مقابل رسم يدفع للحكومة.
ولفت إلي أن هذه النوعية من الاستثمارات تتطلب تسهيل في الائتمانات البنكية، بحيث تكون بأسعار فائدة معقولة، وفتح الباب أمام شراكات بين مشروعات قائمة بالفعل ومستثمري الطاقة الشمسية لامداد هذه المشروعات بطاقة متجددة بدلا من اعتمادها علي السولار في توليد الكهرباء.
وأوضح رئيس لجنة الطاقة باتحاد المستثمرين أن مدينة مرسي علم السياحية لم تدخلها الكهرباء حتي يومنا هذا، لأنها تعتمد بشكل كامل علي الكهرباء من مولدات تعمل بالسولار، الذي يعاني الجميع للحصول عليه الآن بأسعار مبالغ فيها من السوق السوداء، وأن اصحاب المشروعات السياحية علي استعداد للدخول في شراكات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.
وطالب الحكومة بأن تسارع إلي الإعلان عن حزمة من الحوافز التشجيعية لكل صاحب مشروع يسعي وراء انتاج طاقة بديلة للاكتفاء ذاتيا من الوقود، لما يمكن أن يترتب علي هذه المساعي من رفع كثير من الاعباء عن كاهل الحكومة، وفي ذات الوقت علي الحكومة أيضا أن تضخ المزيد من الاستثمارات الحكومية التي تستهدف خلق المزيد من فرص عمل.
وقال السيد، الذي يتولي رئاسة مجلس ادارة شركة الطاقة الخضراء «green energy» لانتاج الوقود الحيوي المتخصصة في توليد الطاقة من المخلفات الزراعية، إنه إلي جانب اهتمام الشركة بتحويل المخلفات الزراعية إلي طاقة، فهي تدخل في شراكات مع مجموعة cpl الإيطالية لانتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية.
وأضاف أن الشركة تستثمر أيضا في توليد الطاقة من المخلفات سواء كانت مخلفات زراعية أو مخلفات الدواجن من روث أو مخلفات الاجزاء المتبقية بعد الذبح، حيث يمكن من خلالها انتاج (bio gas) وقود غاز، وأنه يمكن تحويل هذه المخلفات إلي غاز أو سولار أو مازوت، وأن هذا الوقود بدوره يتحول إلي كهرباء من خلال تشغيل المولدات.
وأشار إلي أن هذا النوع من الاستثمار يحقق العديد من الفوائد، يأتي علي رأسها، التخلص الآمن من المخلفات المتراكمة، التي تسبب تلوث البيئة مثل قش الارز ومصاصة القصب والمخلفات البلدية كالورق، والمطاط، وشنط البلاستيك التي يتطلب التخلص منها مدافن صحية، لأنها لا تتحلل بمرور عشرات السنين.
وأكد أن انتاج الطاقة بهذه الآلية يوفر من هذه المخلفات طاقة في وقت تعاني فيه مصر ازمة نقص في الطاقة الي جانب توفير عملة يمكن من خلالها استيراد احتياجاتنا من الوقود، وأن مخلفات المحاصيل الزراعية في مصر تمثل ثروة حقيقية لمصر، حيث يمكن تحويلها إلي طاقة جديدة.
ولفت إلي أن هذه المخلفات مثل قش الأرز واعواد القمح والذرة والمخلفات المتبقية من مصانع القصب الي جانب مخلفات القمامة المنزلية، التي تكثر علي مستوي الجمهورية يمكن تحويلها من خلال تقنيات معينة إلي طاقة، وأن الدول المتقدمة تستخدم محاصيل القمح والذرة في انتاج هذه الأنواع من الوقود، لأنها بلاد تعاني الوفرة من الانتاج، إلا أن مصر تحتاج إلي كل حبة قمح أو ذرة لاستخدامها في الغذاء وليس توليد الطاقة.
وأوضح السيد أنه يمكن الاستعاضة عن الذرة والقمح بزراعة نباتات أخري مثل الجوجوبا والجاتروفا، وأن هذه المحاصيل تزرع بتكلفة قليلة، وتحتاج فقط إلي الري مرتين في الشهر، وتنتج هذه النباتات نوعية من البذور يستخرج منها وقود للطائرات وزيوت للمحركات عالية الكفاءة، وأن التربية المصرية مثالية لزراعة هذه الأنواع من المحاصيل.
وأكد السيد، الذي يتولي أيضا منصب الأمين العام لجمعية مستثمري الشيخ زايد، أن منطقة الشيخ زايد بها مشروعات عقارية عملاقة خاصة الواقعة علي محور 26 يوليو تتنوع بين الفنادق والمولات والمشروعات السكنية والمباني المخصصة للاغراض التجارية.
وكشف عن وجود ركود نسبي في استثمارات المنطقة بسبب اخلال بعض المتعاقدين مع الشركات الاستثمارية بشروط التعاقد، بالاضافة إلي حالة عدم الاستقرار السياسي في البلد التي تؤجل ضخ المزيد من الاستثمارات في هذا المجال الواعد، وأنه منذ الثورة لم يتم ضخ جنيه واحد كاستثمار جديد في هذه المنطقة.
وقال رئيس لجنة الطاقة باتحاد المستثمرين إن الاتحاد وقع خلال الفترة الماضية مع المجلس القومي للبحوث بروتوكولا لخلق حلقة وصل بين المستثمرين والمركز القومي للبحوث، وإن لجنة الطاقة والنقل باتحاد المستثمرين التقت رئيس المركز القومي للبحوث في نوفمبر الماضي للاطلاع علي آخر الابحاث التي يمكن تحويلها الي مشروعات استثمارية.
وأضاف أن الاتحاد اتفق مع رئيس المركز القومي للبحوث علي عقد لقاءات قطاعية تناقش مشكلات كل قطاع استثماري علي حدة، وأن تضارب الأرقام الخاصة بالمصانع المتعثرة يعود إلي التباين في توصيف مصطلح «المصنع المتعثر»، وأن هناك من يري أن المتعثر هو المصنع المتوقف نهائيا عن العمل، وهناك من يرون المتعثر بأنه المصنع الذي قام بتخفيض طاقته الانتاجية، بل وصل الأمر ببعض الجهات إلي أن تعلن عن أعداد كبيرة لمصانع متعثرة بمنطلق أنها تلك التي تعاني تعثراً مالياً.
وشدد السيد علي أنه بغض النظر عن اعداد المصانع المتعثرة فإن الأهم أن تبادر الحكومة باتخاذ التدابير اللازمة لإقالة هذه المصانع من عثرتها سواء تلك التي أغلقت بشكل نهائي أو التي قامت بتخفيض طاقتها الانتاجية أو تلك التي تعاني تعثراً مالياً يؤثر سلبا علي أدائها في الاسواق.
كتب – أحمد العادلي