عاني قطاع الصناعات النسيجية والملابس الجاهزة من مشكلات كبيرة خلال السنوات الماضية بسبب السياسات الزراعية والتصنيعية غير الواضحة والمتضاربة الأمر الذي ساهم في تأخر هذه الصناعة مقارنة بعدد كبير من الدول التي لا تمتلك نفس الإمكانيات من أراض زراعية وكوادر بشرية.
وجاء قرار فصل غرفة الملابس الجاهزة عن غرفة صناعة النسيج باتحاد الصناعات ليثير خلافات جديدة قد تؤثر علي الصناعة.
قال مجدي طلبة عضو المجلس التصديري للملابس الجاهزة ورئيسه الأسبق، ورئيس مجلس إدارة شركة « كايرو للقطن » وعضو مجلس الأعمال المصري الأمريكي، إن قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة يعاني من مشكلات منذ فترة طويلة وليس بسبب الثورة فقط، مشيرا إلي تضارب السياسات المنظمة للقطاعات المرتبطة بالصناعة خاصة زراعة القطن.
وأضاف إنه علي الرغم من أهمية هذا القطاع الذي يضم أكبر كثافة عمالية في مصر حيث يعمل به نحو 1.2 مليون عامل تمثل 30% من إجمالي العمالة، بالإضافة إلي مثلهم في أعمال غير مباشرة، وتقاطعه مع العديد من المجالات الاقتصادية، حيث يعمل نحو 3 ملايين فرد في زراعة القطن، إلا أنه عاني من الإهمال وتخبط القرارات.
وأشار إلي أن مصر كانت تزرع ما يقرب من مليون فدان بالقطن قبل عشرين عاما، بينما انحسرت هذه المساحة إلي 300 ألف فدان فقط، مشيرا إلي اتجاه الفلاحين إلي زراعة محاصيل أكثر ربحية وأقل جهدا، نتيجة لعدم وجود برامج حكومية لدعم الفلاح وتسويق إنتاجه.وانتقد طلبة الإصرار علي زراعة القطن طويل التيلة فقط علي الرغم من أن 97% من المصانع تعتمد علي متوسط وقصير التيلة، مشيرا إلي أنه كان يجب العمل علي توفير الأقطان التي تحتاجها المصانع بدلا من لجوئها للإستيراد من الخارج بأسعار مرتفعة تؤدي إلي زيادة تكلفة الإنتاج والسعر النهائي.
وقال طلبة إنه في الوقت الذي تتميز فيه مصر بالاقطان طويلة التيلة فإنه لم يتم التركيز علي المصانع التي تحتاج هذه النوع من الأقطان، والاكتفاء بتصدير جميع المحصول إلي الخارج كمادة خام بدون أي قيمة مضافة، مشيراً إلي أن تصنيعه وتصديره كمنتج نهائي يحقق 9 أضعاف قيمته كقطن خام.
وأشار إلي أن من أهم المشكلات التي تواجه القطاع، جمع وتخزين القطن بالطرق التقليدية اليدوية وتخزينة في «الجرن» علي أراض رملية، بدلا من الأراضي الأسمنتية الجافة، الأمر الذي يتسبب في دخول الكثير من الشوائب في عملية حلج القطن وأضر بسمعة القطن المصري.
وأضاف أن مغازل القطاع العام لا تزال تستخدم تقنيات قديمة لعدم قيامها بأي تطوير منذ بداية التسعينات، وتعرضها للخسائر بسبب سوء الإدارة والعمالة الزائدة، مشيرا إلي أهمية وضع حلول لتطوير الشركات التابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج لأهميتها في القطاع، وذلك سواء بتطويرها أو خصخصة إدارتها أو تصفيتها تجنبا للخسائر المستمرة.
وأشار إلي مشكلة عدم توافر المصابغ الكافية، بالإضافة إلي ضعف التكنولوجيا المستخدمة محليا، واضطرار المصنعون إلي استيراد الغزل والأقمشة المصبوغة من الخارج.
وقال إنه نتيجة هذه المعوقات التي تحاصر الصناعات النسيجية والملابس الجاهزة، فإن إجمالي إنتاج مصر من هذا القطاع لا يتعدي 4 مليارات دولار، منها 2.2 مليار دولار صادرات، مشيرا إلي أن هذه الأرقام «هزيلة» مقارنة بالدول الأخري مثل بنجلاديش التي بلغت صادراتها من المنسوجات حوالي 20 مليار دولار.
اشار طلبة إلي أن أي قطاع صناعي يعتمد علي 3 ركائز أساسية تسهم في تحقيق النهضة الصناعية ، وهي التمويل، والتكلفة، والعنصر البشري، مؤكدا إن هذه الركائز تمثل مشكلات رئيسية في مصر، لافتا إلي أنه فيما يتعلق بالتمويل فإنه يوجد إحجام من البنوك عن تمويل المصانع، وارتفاع سعر الفائدة ليصل إلي 16%، والتعنت في الضمانات، ما أدي إلي تعثر وإغلاق عدد كبير من المصانع، مؤكدا أنه في حال استمرار هذا الوضع سيصل الإغلاق والتعثر إلي المصانع الكبري.
قال طلبة إن تكلفة الإنتاج تزيد بشكل كبير خلال الفترة الحالية نتيجة زيادة أسعار الطاقة والمياه، بالإضافة إلي عدم قدرة الحكومة علي مد المصانع بالطاقة اللازمة لها والذي أثار مخاوف لدي المستثمرين من إقامة مشروعات أو توسعات جديدة.
وأشار إلي أن زيادة سعر التكلفة يؤثر علي تنافسية المنتج المصري في الأسواق التصديرية والمحلية بخلاف المنافسة غير العادلة مع المنتجات المهربة وغير المطابقة للمواصفات.
وطالب طلبة بضرورة صرف مستحقات المصدرين من المساندة التصديرية التي توقفت تماماً، مشيرا إلي تراجع الإنتاج في العديد من المصانع بما لا يقل عن 40%.
وعن العنصر البشري قال طلبة إن العمالة المصرية من أمهر وأكفأ العمال في هذا المجال غير أنها عمالة غير منتظمة، مطالبا بضرورة إعادة النظر في القوانين المنظمة للعمل.
وأكد أن الإضرابات الفئوية والاعتصامات حق مكفول للجميع، دون تعطيل العمال حتي لا تكبد المصانع خسائر كبيرة.
وقال طلبة إن أبرز المشكلات الأخري التي تعاني منها الصناعة حاليا، قطع الطرق وإغلاق الموانئ وتوقيع غرامات علي المصدرين نتيجة تأخير الشحنات التصديرية بالإضافة إلي رفع التأمين للشركات الأجنبية نظرا للحالة الأمنية المتردية في مصر.
وطالب، المجموعة الوزارية الاقتصادية بوضع استراتيجية متكاملة لإنقاذ الوضع الاقتصادي، وعدم اتخاذ قرارات فردية.
واقترح طلبة استراتيجية تقوم علي مراحل زمنية مختلفة بهدف مضاعفة الناتج المحلي إلي 2 تريليون جنيه خلال الفترة من 2013 وحتي 2018، ورفع جودة المنتج المحلي، وزيادة الصادرات السلعية إلي 200 مليار جنيه.
وحدد طلبه في استراتيجيته، التي حصلت «البورصة» علي نسختة منها، السياسات قصيرة الآجل في مراجعة السياسات المصرفية وتوفير التمويل بتكلفة مناسبة للصناعة بالاشتراك مع البنك المركزي والبنوك، بالإضافة إلي وضع آليات سريعة لتشغيل المصانع المتعثرة، ودمج هيئة التنمية الصناعية مع الاستثمار في هيئة واحدة وتفعيل تجربة الشباك الموحد بها.
وتناولت الاستراتيجية، إعادة هيكلة مكاتب التمثيل التجاري وتحديثها لتصبح مسئوليتها عن كل تجمع دولي وليس مكتب بكل دولة، ودعمها بكوادر فنية، وتدريب العاملين بها علي زيادة الفرص التصديرية للسوق المحلي .
وطالب بإعادة النظر والتقييم للكيانات والجهات التي تعمل في مجال الصناعة، مثل مركز تحديث الصناعة وصندوق مساندة الصادرات ومركز التدريب الصناعي، والتأكيد علي ربط المصانع الكبيرة بغيرها من المصانع المتوسطة والصغيرة لتبادل الخبرات والتكنولوجيا.
وتضمنت الاستراتيجية إزالة التشوهات الموجودة بقانون العمل لاحداث التوازن في العلاقة بين صاحب العمل والعامل لزيادة كفاءة وانتاجية ودخل العامل، وخفض نسبة التأمينات الاجتماعية من 40% إلي 15% لرفع الحد الأدني للأجور.
واقترح طلبه في استراتيجيته العمل مع وزارة المالية والداخلية في ضبط المنافذ للحد من ظاهرة التهريب خاصة فيما يتعلق بالمناطق الحرة وتجارة الترانزيت ونظام السماح المؤقت، ووضع خطة استراتيجية لإعادة تأهيل الخريجين بناء علي احتياجات استراتيجية النمو الاقتصادي.
وفيما يتعلق بالسياسات متوسطة الأجل اقترح إعادة هيكلة واصلاح منظمات الأعمال ووضع ضوابط ومعايير جديدة للأعضاء للتأكد من كفاءتهم وحسن تمثيلهم للصناعة وأداء دورهم الاستشاري للحكومة، بالإضافة إلي إصدار قانون الصناعة الموحد، قانون الخروج من السوق.
وشدد علي ضرورة اعادة تقييم تجربة الخصخصة واللجوء فيما تبقي من شركات قطاع الاعمال إلي تجربة خصخصة الإدارة خاصة الشركات ذات البعد الاستراتيجي.
وأكد في استراتيجيته طويلة الأجل التي تمتد حتي 2022 دراسة القيمة المضافة لكل قطاع صناعي والتركيز علي الصناعات ذات القيمة المضافة وتوجيه أكبر قدر من المساندة التصديرية لها، ورسم خريطة التوزيع الجغرافي للصناعات من حيث المكان ونوعية الصناعة طبقا لطبيعة كل منطقة وخلق مجتمعات صناعية متكاملة في الأماكن التي تحتاج للتنمية كشبه جزيرة سيناء والصعيد ومحافظات الدلتا ومرسي مطروح، ومراجعة تجربة المطور الصناعي.
وتناولت الاستراتيجية ربط التعليم بالصناعة واحتياجات السوق بالتنسيق مع وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم واشراك خبراء الصناعة في مجالس امناء الجامعات، واصلاح منظومة التعليم الفني المتوسط وربط المناهج بخطط النمو الاقتصادي.
وقال طلبة إن المصدرين يعانون حاليا من عدد من المشكلات علي رأسها الإضطرابات الحالية في سعر الصرف، مؤكدا أنه بعكس ما يشاع فإن المصدرين لم يستفيدوا من ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه لاستيراد نحو 70% من مستلزمات إنتاج الصناعة من الخارج، الأمر الذي أدي إلي رفع تكلفة الإنتاج وزاد من المشكلات التي يعاني منها المصدرون.
وانتقد طلبة سياسة دعم الجنيه خلال السنوات الماضية ما قلل من تنافسية المنتجات المصرية في الخارج، مؤكدا أن الدولة لا تساند الصادرات بالشكل الكافي.
وقال إن مصر من أقل الدول دعما للصادرات، مشيرا إلي أن الهند تدعم صادراتها بحوالي 63%، والصين تدعم الصادرات بنسبة 17%، كما أن الهند تدعم الفائدة البنكية بحوالي 5مليارات دولار سنويا.
وأكد أنه نظرا لكل هذه المشكلات انخفضت صادرات الصناعات النسيجية إلي 1.59 مليار جنيه بنسبة 7% خلال الشهرين الماضيين مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وقال طلبة إنه كان يتوقع إنشاء غرفة مستقلة للملابس الجاهزة نتيجة عدم التمثيل المناسب لصناعة الملابس الجاهزة في غرفة النسيج وأكد أنه لابد من التكامل بين القطاعات المختلفة في الصناعة وعدم الإستمرار في الصراعات حتي لا تؤثر علي الصناعة.
ورفض طلبة إسلوب التعامل في قضايا التصالح مع المستثمرين، مشيرا إلي أزمة الضرائب مع شركة أوراسكوم للإنشاءات ومنع ملاكها من السفر، الأمر الذي أدي إلي إثارة الذعر بين المستثمرين في الخارج.
وأكد أنه لا بد من الاستفادة بكل رجال الأعمال، مشيرا إلي أن بعضهم تعرض للظلم في عهد الناظم السابق وأنه لا يجب إقصاؤهم وملاحقتهم والفصل بين السياسة والمصالح الاقتصادية للبلاد.
وقال إن هناك عدداً من الاستثمارات التي نزحت إلي الخارج بسبب المخاوف من الملاحقات القضائية وعدم اتخاذ إجراءات جادة للمصالحة مع رجال الأعمال وتقديم إمتيازات تساعدهم علي الاستثمار في مصر.
وفي سياق أخر قال طلبة إن إتفاقية الكويز، إتفاقية غير ملزمة بين مصر والولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل، مشيرا إلي أنه علي الرغم من استخدامها كأداة للهجوم علي رجال الأعمال إلا أنها ساهمت في رفع الصادرات إلي أمريكا من 470 مليون دولار إلي مليار دولار تقريبا.
اشار طلبة إلي أن الاتفاقية مع مصر أفضل بكثير من إتفاقية الأردن حيث إن اتفاقية الأردن بها العديد من التعقيدات بينما الإتفاقية مع مصر لا يوجد بها أي شروط غير شراء 10.5%، لافتا إلي المطالبة حاليا بخفضها إلي 8%، مشيراً إلي أنها علاقة اقتصادية بحتة وليس لها أي علاقة بالأوضاع السياسية.
أضاف ان عدد المصانع التي تدخل ضمن البروتوكول حوالي 250 مصنعاً، ودخل مؤخرا 18 مصنعاً في بني سويف والمنيا بإجمالي 268 مصنعا.
وبصفته رئيسا لمجلس إدارة شركة «كايرو قطن» للملابس الجاهزة، قال طلبة ان الشركة ارجأت توسعات لزيادة الطاقة الإنتاجية بنسبة 50% خلال العام الماضي بسبب الأوضاع غير المستقرة، بالإضافة إلي التراجع عن طرح 25% من الشركة في البورصة للحصول علي التمويل اللازم للتوسعات.
أضاف ان صادرات مصنع الشركة في قليوب انخفضت خلال عام 2012 إلي 29 مليون دولار، مقابل 32 مليون دولار خلال 2011، و38 مليون دولار في 2010.
وأكد أن الشركة لديها مصنع في منطقة العبور باستثمارات 400 مليون جنيه وينتج 20 ألف قطعة في اليوم بإجمالي صادرات تقدر بنحو 20 مليون دولار خلال 2012، مستهدفا مضاعفتها إلي 40 مليون دولار خلال 2013.
كتب – نهال منير ومروة مفرح