مع تولي الإدارة الجديدة السلطة في الصين ووضعها خطط للمستقبل، ترى مجموعة QNB أن الاقتصاد الصيني في وضع قوي مع تراجع المخاوف من حدوث تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي.
غير أن التحديات بشأن إعادة التوازن إلى القطاعات الاقتصادية ستظل مع استمرار معدلات النمو القوية.
أنهت الصين الأسبوع الماضي آخر الإجراءات الرسمية لنقل السلطة إلى القيادة السياسية الجديدة. وخلال الاحتفال، أكد رئيس الوزراء الجديد لي كه تشيانغ أن أهم أولوياته خلال السنوات السبع المقبلة (وهي فترة توليه رئاسة الوزراء) ستنصب على الحفاظ على تحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة عند ما يقارب %7.5 سنوياً. ويعتبر هذا المعدل المستهدف أقل بشكل طفيف عن معدل %7.8 الذي تم تحقيقه خلال عام 2012، وأقل بدرجة مهمة عن معدل %10.4 سنوياً الذي تحقق خلال العقد الماضي. غير أن هذا المعدل المستهدف يظل يمثل إنجازاً كبيراً حيث أنه سيكون ضعف توقعات صندوق النقد الدولي لمتوسط معدل النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات الخمس المقبلة وأيضاً ضعف معدلات النمو الاقتصادي الصيني المتوقع بحلول عام 2022.
أظهر الاقتصاد الصيني علامات قوة خلال الأشهر القليلة الماضية حسب مختلف المؤشرات الرئيسية. فقد تباطأ النمو الاقتصادي الصيني إلى %7.4 خلال الربع الثالث من عام 2012 مقارنة مع نفس الفترة من عام 2011، وهو ما يمثل أدنى معدل للنمو الربع السنوي خلال ثلاث سنوات. لكن معدل النمو تعافي خلال الربع الأخير وتجاوز التوقعات ليرتفع إلى %7.9. ومن بين المؤشرات الأخرى تلك المتعلقة بثقة الأعمال مثل مؤشر مدراء المشتريات والذي ارتفع من جديد إلى منطقة التوسع (قراءة المؤشر فوق 50 نقطة) بعد أن شهد فترة من التراجع.
وبشكل خاص، ارتفع مؤشر مدراء المشتريات الذي يصدره بنك HSBC للقطاع الصناعي المهم إلى أعلى مستوياته في عامين خلال شهر يناير الماضي. ويعتبر استهلاك الطاقة أحد المؤشرات الرئيسية للنشاط الاقتصادي، حيث أظهر استهلاك الكهرباء نمواً ثابتاً. وأظهرت البيانات الاقتصادية خلال شهر فبراير معدلات ضعيفة للنمو في بعض القطاعات، بما في ذلك مؤشر مدراء المشتريات ومبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي، لكن هذا الضعف لم يكن بالشدة التي تثير المخاوف.
توجد بعض السيناريوهات التي تثير مخاوف المحللين الاقتصاديين من إمكانية حدوث “هبوط حاد” في النمو الاقتصادي الصيني، وهو تراجع معدل النمو الاقتصادي إلى ما دون %6 سنوياً حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى مصاعب اقتصادية داخلية ويمكن أن يكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي وأسعار السلع. ويعتمد السيناريو الرئيسي بين هذه السيناريوهات على أسباب داخلية وهو احتمال حدوث تصحيح حاد في أسعار العقارات في الصين مما يؤدي على تراجع في نمو القطاع العقاري وإفلاس الشركات ومشاكل محتملة للبنوك التي لديها تسهيلات ائتمانية كبيرة للقطاع العقاري.
وقد شهد القطاع العقاري الصيني ارتفاعاً قوياً بعد فترة من الأداء الضعيف خلال عام 2012، حيث ارتفعت أسعار العقارات في 62 مدينة من بين 70 مدينة كبيرة في الصين منذ بداية العام وحتى شهر فبراير، بما في ذلك زيادة بنسبة %5.9 في العاصمة بكين. يدعم هذا الارتفاع في الأسعار نمو الاستثمارات في القطاع العقاري والتي ارتفعت بنسبة %16.2 في عام 2012. كما ارتفعت الاستثمارات بمعدل أكبر خلال أول شهرين من العام الجاري. وقد ساهم النمو القوي في التسهيلات الائتمانية في نمو الاستثمارات، غير أن البنك المركزي الصيني يضع حد أقصى شهري لحصص القروض التي تستطيع البنوك تقديمها ويضع حالياً قيود على معدل النمو في الإقراض. كما أن إجمالي التسهيلات الائتمانية لا يزال عند مستويات معتدلة بالمقارنة مع إجمالي الودائع والناتج المحلي الإجمالي. هذا الوضع يحد من مخاطر حدوث أزمة في سوق العقارات أو أزمة ائتمانية في الوقت الحالي.
هناك إجماع بين خبراء الاقتصاد أن النمو الاقتصادي سيظل قوياً خلال السنوات القليلة القادمة، حيث أظهر أحدث مسح قامت به مؤسسة بلومبرغ حول توقعات النمو الاقتصادي أن متوسط التوقعات يبلغ %8.0 خلال الفترة بين 2013-15. وبالنظر إلى أبعد من ذلك، نجد أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن تحقق الصين نمواً اقتصادياً بمعدل %8.4 سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو معدل نمو أكبر بكثير من المعدل المستهدف. علاوة على ذلك، لا يوجد بين أهم المؤسسات التي تصدر التوقعات من يضع احتمال سيناريو “الهبوط الحاد” في توقعاته الأساسية في الوقت الحالي.
يعتبر التحدي الرئيسي الذي يواجه صانعي السياسات في الصين على المدى المتوسط هو تحقيق التوازن في النشاط الاقتصادي الذي يعتمد بشكل رئيسي حالياً على الاستثمارات الرأسمالية والتصدير بحيث يعتمد أكثر على الاستهلاك المحلي. ويعتبر تركيز طبقة العمال على الادخار بدلاً من الاستهلاك العائق الرئيسي أمام تحقيق هذا التحول. ومن المتوقع أن يؤدي زيادة الرفاهية وتطوير أنظمة الأمان الاجتماعي، مثل التأمين وهيئة التقاعد، إلى تقليص التركيز على الادخار ودعم الاستهلاك، بالإضافة إلى مزيد من التوجه نحو المناطق الحضرية.
يعتبر اتجاه النمو الاقتصادي الصيني ذو أهمية خاصة بالنسبة لمنطقة مجلس التعاون الخليجي، نظراً لأن ارتفاع الطلب الصيني على النفط والغاز سيكون عامل أساسي في نمو أسعار الطاقة في الأسواق العالمية. كما أن الصين تعتبر مصدر مهم للواردات إلى المنطقة، علاوة على كون الصين وجهة مهمة لاستثمارات الشركات وصناديق الاستثمار من دول مجلس التعاون الخليجي. وتتوقع مجموعة QNB أن تتزايد هذه العلاقات الاقتصادية خلال السنوات القادمة.