بقلم – مصطفي صقر
هل ربحت الدولة بالاتفاق مع « OCI » علي سداد 7.1 مليار جنيه ضرائب أم خسرت؟، سؤال قد تبدو إجابته بديهية بأن الدولة حصلت علي حقها في صفقة بيع قطاع الأسمنت إلي «لافارج» بنحو 72 مليار جنيه عام 2007 وان الإدارة الحالية للبلاد نجحت في تحصيل نحو مليار دولار من شركة واحدة بشأن تعاملات تمت في العهد السابق وان موافقة الشركة علي سداد هذا المبلغ هو اعتراف ضمني بعدم سدادها مستحقات الدولة أياً ما كان المسمي الذي يندرج تحت هذا التصرف.
وقد تتوسع الإجابة البديهية عن السؤال إلي أن الدولة ربحت من شركة واحدة ما يقرب من ربع قرض صندوق النقد الدولي الذي يرفض إقراضنا 4.8 مليار دولار قبل الانصياع لشروطه وقواعده وهو ما يعني قدرة النظام الحالي علي ملء خزانة الدولة بالتفتيش في الدفاتر القديمة لشركات رجال أعمال آخرين، وفي رأيي أن الإجابة الصحيحة يملكها ناصف ساويرس وحده ويبدو أن السؤال الأكثر منطقية عن ربحية الدولة وخسائرها هو لماذا وافق ناصف ساويرس علي سداد 7.1 مليار بعدما أكد سلامة موقف شركته وتمتع الصفقة بالإعفاء باعتبارها تمت علي أسهم شركة مقيدة بالبورصة.
وبالطبع قد تخرج علينا تصريحات بأن السيد ناصف أراد الحفاظ علي العمالة واستقرار الشركة وأعمالها ومن الممكن إضافة لمسة أكثر وطنية بمساندة الاقتصاد ودعم جهود تنشيطية إلا ان الإجابة الأكثر خطورة والتي لن يطرحها أحد للنقاش هي أن سداد الضريبة من المحتمل أن يكون هو ثمن الخروج لناصف ساويرس باستثماراته إلي خارج مصر مع الاحتفاظ بتمثيل شرفي لها تحت مسمي عمليات مصر وشمال أفريقيا خاصة انه تأخر في خطوة سبقه لها كثيرون سواء في العائلة أو خارجها بتجنيس شركاتهم بجنسيات دول أخري وهو ما فعله في قطاع الأسمنت فقط دون باقي الشركة التي توسعت في نشاط الأسمدة بجانب المقاولات.
وخطورة الإجابة بثمن الخروج والإفلات من ضغوط المنع من السفر والتحفظ علي الأموال وتفادي إجراءات قانونية ومحاكمات لا تنتهي أننا أمام صورة مختلفة تماماً عن مجرد عدة مليارات تدخل خزانة الدولة ففي مقابل تلك التدفقات علينا أن نحسب كم سنخسر مقابلها مع نزوح الشركات الكبري ورجال الأعمال لممارسة أنشطتهم من مراكز ودول أخري غير مصر.
هل ستحصل الدولة علي معدلات الضرائب الحالية من « OCI » مستقبلاً وهل ستتوسع « OCI » في أنشطتها وعدد العمالة كما كانت تفعل خلال السنوات السابقة وهل لدينا شركات بحجم « OCI » لكي نفقدها بسهولة لمجرد الحصول علي 7.1 مليار جنيه؟.
الأسئلة السابقة ليست دعوة للتخلي عن حق الدولة أو التسامح مع أي مخالفة قانونية ولا تربطني علاقة جيدة بالسيد ناصف ساويرس ومنذ أن «اشتكاني» لمدير تحرير الجريدة التي كنت أعمل فيها قبل سنوات بسبب خلاف علي خبر لم أتمكن من تدقيقه ورفضت نشره وهو وجود عرض شراء من «CRH» علي أسمنت حلوان قبل استحواذ «أسيك» عليها.
ولكن أسئلتي هي دعوة لبحث الأثر الكبير علي الاقتصاد المصري مما يستشعره المستثمرون بوجود حالة تربص وانتقائية في مراجعة تعاملات معينة والبعض يصف تلك الأجواء بالانتقامية وتأثير ذلك علي رغبة أعداد غير قليلة من كبار المستثمرين في الخروج من مصر خاصة أن مبادرات المصالحة ودعوات العودة إلي الوطن لا تلبث أن تذهب أدراج الرياح نتيجة عشوائية الإجراءات والقرارات ضد المستثمرين ولغة التهديد وسحب الأراضي والإحالة للنيابة والمنع من السفر وغسل الأموال وتربيح عائلة النظام السابق إلي آخر قائمة التهم سابقة التجهيز.
ومن العبث أن تتجه الحكومة شرقاً وغرباً تحت دعاوي جذب المستثمرين وترويج الفرص في الوقت الذي لا تجيد فيه حسم مشكلات المستثمرين الحاليين سواء مصريين أم عرباً وأجانب فالبداية الصحيحة هي الحفاظ علي هؤلاء وتشجيعهم علي زيادة استثماراتهم ولن يحدث ذلك دون التخلي عن «العشوائية» في التعامل مع المستثمرين وغياب قواعد واضحة تنظم حل مشاكل الماضي دون تشويه مناخ الاستثمار وبث حالة من الخوف والرغبة في الخروج من السوق.
وأياً ما كانت نتيجة ما ستجنيه الحكومة عبر الإجراءات والملاحقات فإنها تستطيع أن تضاعف مكاسبها بممارسات أكثر احترافية تراعي الأهمية النسبية للكيانات والأفراد وهناك مستثمرون أعادوا أراضي للدولة وخرجوا من مشروعات وآخرون يبيعون مشروعاتهم بأسعار متدنية لأن الحكومات المتعاقبة بعد الثورة فشلت ومازالت في إزالة مخاوف المستثمرين من الملاحقة والمطاردة.
ولسنا هنا بصدد سرد حالات فشلت فيها الحكومات في الانتصار لصالح الاقتصاد في الأجل الطويل بعيداً عن النظرة الضيقة للمكاسب إلا ان الاستهانة بأثر ما نفعله الآن علي المستقبل قد تحمل نتائج كارثية ويكفي ان الاقتصاد المصري مازال يدفع ثمناً باهظاً لقرار بيع الأراضي بالمزادات في عهد حكومة نظيف وما تبعه من تشويه لهياكل السوق والأسعار.
إننا لا نملك استنساخ كيانات من نموذج « OCI » أو شخصيات مثل ناصف ساويرس بسهولة وهو ما يجب ان نحافظ عليه ونستهدفه وليس مجرد الحصول علي حفنة أموال.
مصطفي صقر هو رئيس تحرير جريدة البورصة منذ صدورها عام 2008