بقلم: خالد حسنى مدبولى
«فعلاً.. دى فرصة هايلة لتحقيق مكسب سريع وثروة ضخمة بأقل مجهود وفى زمن قياسى» !!!!!!
جملة سمعتها كثيراً من عدد كبير من أصدقائى خلال الفترة الماضية يصفون بها أهم عناصر الجذب فى فكرة التسويق الشبكى Network Marketing والذى بدأ ينتشر ويتوسع فى السوق المصرى خلال السنوات الأخيرة بشكل واضح، خاصة فى ظل انخفاض فرص الاستثمار المتاحة وتدنى العوائد المتوقعة فى أى نشاط انعكاساً لاستمرار حالة التوتر السياسى والتراجع الاقتصادى.
لكن ما هو التسويق الشبكى ؟ وما هو حجمه ومدى انتشاره دولياً ؟ ثم ما هى أهم تأثيراته على اقتصادنا الوطنى؟
كان أول ظهور لنشاط التسويق الشبكى فى الولايات المتحدة ودول أوروبا فى خمسينيات القرن الماضى، واستمر فى التوسع حتى بلغ عدد مستخدميه حول العالم حالياً ما يقرب من 50 مليون شخص بإجمالى أرباح تتجاوز الـ 100 مليار دولار سنوياً.
والتسويق الشبكى (يطلق عليه أحياناً البيع المباشر Direct selling أو التسويق متعدد المستويات Multi-Level Marketing (MLM)) هو أحد أنواع التسويق المستخدمة من قبل الشركات العالمية لترويج منتجاتها باستخدام أدوات التواصل والاتصال الحديثة مثل الانترنت والموبايل، حيث يتم بيع السلعة وتسويقها دون أن يكون هناك مقر أو مكان ثابت للشركة المنتجة، ودون تحمل نفقات التأسيس أو التوظيف أو التسويق أو الدعاية والإعلان، وبالاعتماد بشكل تام على التسويق الشفهى «الدعاية الكلامية» Word of mouth (تسويق السلعة وترويجها عن طريق التحدث عنها لأشخاص آخرين).
وتتلخص الفكرة الأساسية للتسويق الشبكى فى بيع الشركة سلعتها مباشرة للمستهلك ثم إقناعه بالانضمام لها وتسويق منتجاتها لآخرين بحيث يصبح هذا المستهلك عميلاً أو وكيلاً للشركة وليس مجرد مستهلك لمنتجاتها فى مقابل حصوله على عمولة متفق عليها. ويقوم هذا المستهلك بتكوين شبكة من المعارف والأصدقاء من خلال اقناعهم بالفكرة، بحيث يصبح الجميع مستهلكين ووكلاء للشركة فى ذات الوقت مقابل الحصول على العمولات.
ويوفر هذا النشاط بالنسبة للشركة وسيلة تجارية وتسويقية مربحة للغاية وبأقل قدر من التكاليف حيث لا يتطلب الأمر سوى إنشاء موقع للشركة على شبكة الانترنت يتم عرض منتجاتها من خلاله.
أما بالنسبة للفرد فيحقق له فرصة للربح السهل والسريع دون تحمل مجهود يُذكر أو تكاليف إقامة مشروع جديد، وبأقل قدر من المخاطر. وكل ما هو مطلوب منه امتلاك جهاز حاسب آلى وتسجيل الدخول على موقع الشركة وتوفير مبلغ من المال ليس كبيراً لشراء السلعة ومن ثم يصبح عضواً فى الشركة ووكيلاً لمنتجاتها.
ويعتمد نجاح التسويق الشبكى على مداعبة أحلام وطموحات العميل فى الثراء السريع عن طريق اقناعه بتكوين أرباح كبيرة فى غضون فترة قليلة، خاصة عندما يرى بعض النماذج الناجحة السابقة، ما يجعله يقبل على الفكرة بكل حماس وتفانٍ.
وقد تباينت الآراء حول نشاط التسويق الشبكى ما بين مؤيد ومعارض، ففى حين يرى العديد من الخبراء ورجال الأعمال أنه عملية منظمة تقوم بها الشركات لخداع الأفراد لتحقيق مكاسب مالية ضخمة، يرى البعض الآخر أنه مستقبل التجارة الالكترونية فى العالم وفرصة رائعة لاستثمار الأموال.
وفى الوقت الذى قام فيه العديد من الدول العربية بحظر ومنع هذا النشاط مثل السعودية وسوريا والعراق، يقول روبرت كيوزاكى – مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً «Rich Dad Poor Dad» – : «إذا كنت ترغب فى الثراء فعليك أن تستوعب القوة الكامنة فى الشبكات، إن أكبر أثرياء العالم يبنون شبكات، إن التسويق الشبكى هو أفضل مجال يستطيع من خلاله الشخص أن يحقق الثروة والمال».
ولكن… دعونا نتساءل: أين نحن من هذا كله؟ وأين اقتصادنا الوطنى من ذلك النشاط الذى ينتشر بسرعة كبيرة فى مجتمعنا؟
إن البيئة الاقتصادية الحالية فى مصر تتيح لنشاط التسويق الشبكى أن يصبح بديلاً رائعاً يوفر لمن أراد أن يستخدمه – كبزنس واستثمار- فرصة لجنى الأرباح الكبيرة وبأقل مجهود يُذكر وفى فترة زمنية قصيرة، فلماذا يرفضه ؟
المشكلة الأكبر أنه لم يعد فى الإمكان تفادى هذا النشاط الذى أصبح يتمتع بشعبية متزايدة على مستوى دول العالم وأصبح وسيلة جديدة للتجارة والتسويق.
وما يزيد الأمر سوءاً أنه لا توجد فى الاقتصاد المحلى حالياً أى بدائل مربحة أو فرص استثمارية يمكن أن تجذب المواطن أو تعوضه عن انخفاض مستوى الدخل وارتفاع الأسعار وتآكل قيمة الجنيه.
وحتى بالنسبة لأصحاب الدخول المرتفعة ورجال الأعمال فإن فكرة التسويق الشبكى تعتبر فرصة استثمارية جيدة للغاية ولا تتضمن أى مخاطر أو تكاليف.
ولكن لماذا لا نقوم – بدلاً من محاربة أو منع التسويق الشبكى – بالاستفادة قدر الإمكان من الفكرة ومن انتشار وتنامى وسائل الاتصال التى يعمل من خلالها، وتحويل الأموال المستثمرة فى تلك التجارة إلى مشروعات محلية منتجة وبيع سلع مصرية الصنع ورفع جودتها لتنافس المنتجات الأجنبية، ومن ثم خلق فرص عمل جديدة وزيادة الاستثمارات المحلية.
ولا شك أن انتشار التسويق الشبكى يمثل خطراً داهماً وتحدياً حقيقياً أمام الاقتصاد الوطنى إذا لم نحسن استغلاله والاستفادة منه كفرصة سانحة للتجارة والاستثمار، حيث يحمل فى طياته العديد من التأثيرات أهمها:
تدنى قيمة الجنيه نتيجة زيادة الطلب على الدولار لتمويل شراء السلع المُسوقة من خلال التسويق الشبكى.
عدم استفادة الدولة من الأموال المستثمرة فى ذلك النشاط لأنها غير خاضعة للضرائب أو أى رسوم.
الإضرار بالصناعة المصرية لأن التسويق الشبكى يشجع شراء المنتجات الأجنبية والتى تتواجد بالفعل فى السوق المحلى وتنافس المنتج المصرى.
تراجع الاستثمارات الأجنبية الداخلة إلى مصر وهروب الاستثمارات إلى الخارج.
شيوع ثقافة التواكل بين أفراد المجتمع واللهث وراء الربح السريع دون بذل أى مجهود وبغض النظر عن مصلحة الوطن.
زيادة أعداد المهمشين والفقراء فى المجتمع وارتفاع معدلات البطالة نتيجة تضخم أرباح فئة معينة من الشعب تمتلك الإمكانية والفرصة لجنى أرباح بشكل غير مقنن.
عدم الاستفادة من الأموال المستخدمة فى نشاط التسويق الشبكى فى بناء مشروعات إنتاجية أو صناعات متطورة قادرة على خلق فرص عمل وانعاش الصناعة المصرية.
لقد أصبح الاقتصاد المصرى أشبه بالجسد المريض الذى يحتاج علاجاً ضرورياً وسريعاً حتى لا يفقد الحياة، وهو ما يحتم علينا جميعاً حكومة وشعباً ألا نقف مكتوفى الأيدى وأن نعمل سريعاً لإنقاذه ومساعدته على التعافى، وبدلاً من البحث عن المصلحة الفردية نحاول تعظيم المصلحة العامة. حيث إن الوضع الاقتصادى المتأزم أصبح لا يحتمل ما يعمق من جراحه أو يزيد مشاكله تفاقماً، خاصة عندما يكون السبب الرئيسى فى ذلك هم أبناء الوطن ذاتهم.