انقسم الساسة والرأي العام في مناقشاتهم المحتدمة في مختلف أنحاء العالم حول أهمية تقليص العجز الضخم في الميزانية والمستويات المرتفعة من الديون السيادية فضلا عن التوقيت المناسب لإجراءات معينة وكيفية تطبيقها وظهر التضارب في تدابير الإنفاق والسياسات والمقترحات الضريبية والنقدية والتنظيمية.
ويشير تحليل منشور في صحيفة «الفاينانيشيال تايمز» إلي أن اليسار السياسي يطالب بالمزيد من الإنفاق، وزيادة الضرائب علي أصحاب الدخول المرتفعة، وتأخير تقليص العجز والديون ومنهم الخبير الاقتصادي بول كروجمان الذي يري أن الأمر يحتاج إلي خطط طويلة الأجل تمتد إلي عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، بينما يدعو اليمين السياسي إلي خفض العجز بسرعة أكبر من خلال خفض الإنفاق.
وفي أوروبا حيث ازمة الديون تبدو عصية علي الحل، يطالب صانعو السياسة، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي، بتقليص العجز والديون لدي الدول المتعثرة الا أن الناخبين نزلوا إلي الشوارع ورفضوا ذلك، كما حدث في إيطاليا مؤخرا.
وعلي الجانب الآخر من الاطلنطي حيث الولايات المتحدة، يقترح الجمهوريون ضبط الموازنة في غضون عشرة أعوام من خلال إصلاح برامج الإنفاق والضرائب مع تخفيض من عدد الإعفاءات والخصومات، والائتمان الذي يوفر العائدات المطلوبة لخفض معدلات الضرائب الشخصية ومعدلات الضرائب علي الشركات، التي تعد الأعلي علي الإطلاق بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنسبة 35%.
ويقترح الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي جمع 1.5 تريليون دولار من خلال فرض ضرائب أعلي علي مدي الأعوام العشرة المقبلة، ومائة مليار دولار في صورة إنفاق تحفيزي جديد، وخفض الإنفاق بشكل أكثر اعتدالا. يتفق خبراء الاقتصاد علي أنه في حالة التشغيل الكامل للعمالة، يعمل فإن ارتفاع الإنفاق الحكومي يعمل علي مزاحمة الإنفاق الخاص.
وتُظهر النماذج التي وضعتها نظرية كنز الاقتصادية التي تزعم أن الإنفاق الحكومي الأعلي عند مستوي أدني من التشغيل الكامل للعمالة يعطي دفعة سريعة للاقتصاد، أن تأثيرها سرعان ما يتحول إلي السلب، لكن لابد من تكراره مثل تناول جرعة مخدرة، من أجل الحفاظ علي دعم الاقتصاد، الا أن هذه الاستراتيجية جعلت اليابان مثقلة بأعلي نسبة ديون إلي الناتج المحلي الإجمالي علي مستوي العالم، وبدون اي فائدة تُذكر.
وتؤكد الأبحاث الحديثة أن زيادة الإنفاق الحكومي قد تكون فعالة في رفع الانتاج ومستويات تشغيل العمالة بشكل مؤقت أثناء الركود العميق الممتد لفترة طويلة عندما يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلي الصفر، ولكن نفس الأبحاث تشير إلي أن مضاعفة الإنفاق الحكومي من المرجح أن تكون صغيرة أو حتي له سلبياتها في مجموعة متنوعة من الظروف، وأنه سوف تتقلص بسرعة في كل الأحوال.
ومن أهم الظروف غير المواتية للإنفاق الحكومي وقت الركود ارتفاع نسبة الدين إلي الناتج المحلي الإجمالي، بينما يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلي عرقلة النمو، في الوقت نفسه فإن أسعار صرف العملة المحلية المرنة، تعني أن الإنفاق الحكومي سيؤدي إلي ارتفاع أسعار الفائدة، وتزيد معه أسعار العملات وتصبح اسعار الصادرات أغلي وهو ما سوف يؤدي إلي هبوط الاستثمار وصافي الصادرات، وينطبق ذلك علي الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية حاليا.
وتعتبر تكاليف التأخير وزيادة العجز والديون باهظة، فعلي سبيل المثال، في ظل غياب إصلاح كبير لبرامج الاستحقاقات في الولايات المتحدة، من الممكن أن يتوقع الجيل القادم انخفاضا في مستويات المعيشة بنسبة 20%.
إن أكثر الإصلاحات مصداقية هي الإصلاحات الهيكلية مثل رفع سن التقاعد وتغيير سياسة تحديد سعر الفائدة لان ذلك سيكون بمثابة التنفس الصناعي في الجسد الاقتصادي نفسه وليس مجرد عملية تضميد جراح تنزف والجميع يعلم أن المخ في حالة موت سريري.
اعداد – ربيع البنا ونهي مكرم